لا يمل الشباب الفلسطيني في قطاع غزة من استحداث أي سبيل للعمل خلال شهر رمضان المبارك، فمن جهة يُنعشون جيوبهم المثقلة بالفراغ ومن جهة أخرى يكتسبون الخبرة لمواجهة الحياة بظروفٍ أصعب وأقسى.
"يحيى مأمون" 16 عامًا من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بمجرد أن أنهى فصله الدراسي الثاني في الصف العاشر وبدأ بالإجازة الصيفية بدأ بالبحث عن فرصة للعمل، هو لا يُريد أن يركن للكسل وكذلك يرغب في التخفيف عن كاهل والده وإدخال البسمة على وجهه، يقول لـ "الحدث" بعد أسبوع ومع بدء شهر رمضان التحقت بالعمل لدى أحد محلات بيع ملابس الأطفال في المدينة من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل"، ويُضيف الشاب الذي بدا متحمسًا لعمله: خضعت لفترة تجريبية على مدار الأسبوع الأول من الشهر، ورغم أنني لم أتقاضى أي أجرة إلا أنني سعيد فقد غير العمل ومخالطتي للزبائن بعض ملامح شخصيتي بت أقل خجلًا وأكثر تفاعلًا مع المواقف الصعبة.
ويلجأ الشباب الفلسطيني في قطاع غزة وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يُعانيها السكان هناك، إضافًة إلى إجراءات اقتطاع الرواتب الأخير وانتشار آفة الفقر ونمو معدلات البطالة بشكلٍ مضطرد بين الخريجين، إلى العمل في أي سبيل يُمكنه أن يُوفر لهم قوت يوم أسرهم، أو بعض احتياجاتهم الشخصية دون تحميل أسرهم أعباء إضافية، يقول الشاب يحيى ذوو البشرة الحنطية، :" إن رمضان موسم خير وفرصة كبيرة للعمل بمهن لا توجد إلا في أيامه" متوقعًا أن يُسرحه صاحب المحل بعد انتهاء الموسم، يبتسم مُضيفًا: بعد العيد ستعود حركة الشراء إلى الكساد وقد لا أجد هذه الفرصة مجددًا للعمل لكني سأبحث عن غيرها.
فوانيس بالكرتون لإسعاد الأطفال
وإن كان يحيى خرج من بيته باحثًا عن العمل ليُؤمن متطلباته فإن "سعاد كحيل" 26 عامًا من مدينة غزة لم تُفكر طويلًا وبدأت باستلهام موهبتها في التدوير لتصنع فوانيسًا رمضانية تُدخل الفرحة إلى قلوب الأطفال بأسعارها البسيطة وتُحقق لها أيضًا دخلًا جيدًا يُساعدها على الاستمرار في المهنة التي اتخذتها سبيلًا للرزق منذ عامين تقريبًا.
تقول "كحيل": "إن المواد التي تستخدمها في التصنيع بسيطة عبارة عن قطع من الكرتون وبعض الزينة الرخيصة الثمن لكنها تُضاهي في الجودة ما يُوجد في الأسواق وبأسعار خيالية لا يُمكن معها اقتنائها بسبب الوضع الاقتصادي السيء للعائلات الغزية في الآونة الأخيرة"، وتُضيف أن فوانيسها التي تصنعهم من الكرتون أسعارها جيدة وفي متناول الجميع إذ تتراوح بين 10-30 شيكلًا (الدولار 3.54شيكل).
وتلقى الفوانيس التي تُصنعها "كحيل" رواجًا كبيرًا مع بداية شهر رمضان، حيث يُصر الأطفال على اقتنائها كأحد مظاهر البهجة بقدوم الشهر الكريم، وفي هذا السياق تقول "أم عمرو أبو فرحة" أنها اقتنت لأبنائها الثلاثة فوانيسًا بقيمة 30 شيكل فقط، مؤكدة أنها بهذا السعر كانت العام الماضي قد اشترت فانوسًا واحدًا لأصغر أبنائها لكنها هذا العام وبسبب اقتطاع الرواتب بنسبة 30-45% من قبل السلطة في رام الله اكتفت بأقل القليل لإدخال البهجة على أطفالها.
مسحراتي على وقع العتمة
وعلى وقع العتمة بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي في قطاع غزة يجوب المسحراتي "يوسف رضوان" 30 عامًا أزقة مُخيم الشاطئ ليُوقظ الناس من النوم استعدادًا لتناول وجبة السحور التي تُعينهم على ساعات الصيام الطويلة في نهار رمضان.
"رضوان" أكد لـ "الحدث" أنّه ينتظر شهر رمضان بفارغ الصبر ليُمارس مهنته التي تمنحه الفرصة لأن يكون عاملًا بعد أحد عشر شهرًا يقضيها بلا عاطلًا بلا عمل.
وبدأ "رضوان" العمل بمهنة المسحراتي منذ عشر سنواتٍ مضت، وهي عمر سنوات الحصار والإغلاق التي يواجهه القطاع ما جعله يُنشد معاناة الناس خلال مناداته لهم للسحور ما يجذبهم للإنصات إليه والقيام خاصة حين يصدح " دنيا ماشية ورايحة فينا ومحدش مدور فيها علينا...الكهربا قاطعة والميا والحصار اشتد علينا.... الكهربا قاطعة والناس خارج البيوت لا رواتب ولا فلوس من عندك ياربي هدي النفوس... يا عالم الكهربا قاطعة والناس بتجهز السحور على ضوء الفانوس".
يتمنى "رضوان" أن يتحول طول العام من عاطل إلى عامل يجني قوت أسرته بعرقه وكده بعيدًا عن انتظار المعونات والطرود الاجتماعية التي لا تُسمن ولا تُغني شيئًا – كما يقول- ويأمل أيضًا أن تتحقق وحدة الوطن الفلسطيني ويدعو بذلك دومًا.
وفيما يتعلق بأجرته خلال الشهر وهل تفي بأن يسد رمق أسرته، أكد أنها غير مُحددة وتكون وفقًا لكرم أهل الخير في المنطقة التي يقوم بمناداتهم وإيقاظهم للسحور كل يوم طيلة شهر رمضان، وتابع: مهما كانت قيمتها فهي تُدخل الفرحة لقلوب أفراد عائلتي وهذا يكفي لأن أستقبل العيد ببهجة كبيرة.
بائع الجرجير
في سوق الشيخ رضوان ورغم شمس النهار الحارقة يجوب "محمد" 9 أعوام الممرات بين المتسوقين ذهابًا وإيابًا حاملًا في يديه بعض من حزم الجرجير والنعناع يعرضها عليهم الحزمتين مقابل شيكلًا واحدًا، يقول وقد أنهكه العطش كما أخبرنا: " رمضان فرصة ذهبية لبيع كافة الخضراوات الورقية فهي مطلوبة جدًا على مائدتي الإفطار والسحور خاصة الجرجير والنعناع والفجل والبقدونس والجرادة".
يبيع محمد كل يوم قرابة الـ 50 حزمة من الجرجير، تمنحه قرابة الـ 25 شيكلًا يعود بها إلى أسرته المكونة من 7 أفراد، أما عن آلية حصوله على الجرجير الذي يبيع فأخبر أنه يقطفه تلقائيًا من سطح منزله ويأوي به إلى السوق.
وكان والد محمد الذي يُعاني من مرض عُضال قد أوجد مزرعة من الجرجير على سطح منزله بأقل التكاليف من أجل أن يُوفر قوت يوم عائلته خلال شهر رمضان، يقول "محمد": " إن المزرعة عبارة عن أحواض متعددة من جالونات البلاستيك الكبيرة الحجم مزودة بطبقة خفيفة من التربة" لافتًا أن هذه الخضراوات لا تحتاج إلى تربة عميقة فقط تحتاج إلى ري كثيف كي تنبت وتنمو بسرعة.
الفلافل المحشوة تُدر رزقًا في رمضان
أما المواطن "فلاح " 35 عامًا من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة فهو يُجند وقته قبل أيام من هلال رمضان ليُجهز بسطة لبيع الفلافل المحشوة بالفلفل الأحمر والبصل، يقول: " إن الفلافل المحشوة تلقى رواجًا أكثر من غيرها في شهر رمضان" ويُضيف أنه يُحقق من خلالها دخلًا جيدًا يُعينه على تدبر أمور أسرته طيلة شهر رمضان وكذلك أيام عيد الفطر.
ويبدأ "فلاح" في تجهيز بسطته في ساعات العصر ويحرص على أن تكون الفلافل التي يصنعها مقرمشة وساخنة كما يُزينها ببعض المخللات والسلطات الخفيفة كالملفوف الأحمر والجزر إضافةً إلى طبق الحمص الذي يُعد من الأساسيات على موائد الفلسطينيين في رمضان، ويُشير أن تلك الإضافات تُشكل عامل جذب لدى المتسوقين وتجعل بضاعته تنفذ سريعًا قبل حلول آذان المغرب فيعود إلى منزله ويفطر بين أسرته.
يؤكد الرجل أن تلك الفرحة والرزق الوفير لا تدوم طويلًا إذ تنتهي بمجرد إعلان هلال شوال، غير أنه يُصر على أن ينتظر مهنته كل عام ليعمل ويجمع بعض قوت أسرته.