الحدث- محاسن أُصرف
على مدار ساعة وثلث تقريبًا ألقى أمس "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي المنتخب لحركة حماس، خطابه الأول منذ توليه المنصب الجديد خلفًا لخالد مشعل، حاول خلاله رسم ملامح السياسة العامة لحركة حماس على مدار السنوات الأربع القادمة، عبر تطرقه للكثير من النقاط حول علاقات "حماس" على المستوى الداخلي والعربي والإقليمي وتأكيده على محاولتها رأب الصدع الفلسطيني بما يُحقق الوحدة في الموقف والقرار أمام العالم.
وظهر رئيس المكتب السياسي في مقعد منفرد في إحدى قاعات فندق المشتل بغزة، بينما تراص أعضاء المكتب السياسي ولفيف من القيادات الفلسطينية في مختلف الفصائل أمامه على غير العادة وهو ما يُشير- بحسب مراقبون- إلى أن الخطاب ليس لـ"حماس" وإنما للشعب الفلسطيني بكل شتاته في كافة أصقاع العالم، كما يُؤكد أنه ليس مُمثلًا لحماس وحدها، ولعل ما يُدلل على ذلك مضمون الخطاب الذي اتسم بالدقة والحزم في التعبير عن الموقف الفلسطيني من بعض القضايا الشائكة خاصة المصالحة والوحدة الوطنية كما لم يغفل عن أي من القضايا التي تمس بالشعب سواء أمنه السياسي أو الاجتماعي والإنساني إذ تحدث عن لقاءات القاهرة لأول مرة بعد صمتٍ طويل والتي شكلت بُشرى لسكان القطاع بانفراجات قريبة، كما تطرق إلى العلاقات مع الخارج وشدد على ضرورة الوحدة الوطنية الشاملة على قاعدة المصلحة الشعبية بعيدًا عن التجاذبات السياسية التي أنهكت الوطن والمواطن معًا.
المُصالحة خيار استراتيجي
"إبراهيم حبيب" الكاتب والمحلل السياسي، قدّم لـ "الحدث" قراءة تحليلية في محتوى الخطاب والرسائل التي أرادت حماس إيصالها ليس للشعب الفلسطيني وحسب وإنما للإقليم والعالم بأسره، وقال: "إن الخطاب طرق كل الأبواب في سبيل المصالحة الفلسطينية".
وغلبت اللغة الهادئة على الخطاب الذي تلاه "هنية" وتابعته ونقلته أكثر من 50 وسيلة إعلامية محلية وعربية ودولية، وقال "حبيب" إنها لغة سياسية وطنية بحتة اتسمت الدبلوماسية والوضوح بعيدًا عن الصلف الحزبي"، وأضاف أن "هنية" أعلن رغبته في تحقيق المصالحة بشكل واضح وشدد أنها خيار لا يُمكن إغفاله وأنها خيارًا استراتيجيًا لحركة المقاومة حماس، لافتًا إلى أنه تحدث عن لقاءات القاهرة لأول مرة وهو ما شكل بُشرى للفلسطينيين في قطاع غزة بإحداث بعض الانفراجات القريبة في الأزمات التي يُعانوها وأكد أنها ستكون نواه لمصالحة حقيقية على الصعيد المجتمعي والوطني.
ووجه "هنية" نداءً مفتوحًا لكافة الفصائل الفلسطينية للمشاركة في القرار السياسي بما يخدم المصلحة الشعبية والوطنية العُليا، كما قدم خارطة طريق لـ الخروج من الأزمة الداخلية والتي تتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية من كل الفصائل، العمل على إعادة اللُحمة الفلسطينية، مرورًا بالتحضير لانتخابات شاملة (التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية) ومن ثمّ الاتفاق على الموعد المحدد لإنجازها، مؤكدًا أن حركته "جاهزة لخوض معتركها جميعًا ولا تخشاها".
تغييب الرئيس عباس
وعلى الرغم من دعوته لحركة "فتح" للانخراط مع الفصائل الفلسطينية والتوحد في جبهة واحدة لمُقارعة الاحتلال بلفظ التنسيق الأمني وإلغاء القرارات المُجحفة بحق سكان قطاع غزة، إضافًة إلى دعوته الحثيثة لحكومة الوفاق بالقيام بدورها المنوط للضفة وغزة على حدٍّ سواء، إلا أن "هنية" غيّب في خطابه الرئيس الفلسطيني "محمود عبّاس" وارتكز على مُخاطبة فتح بكافة قياداتها وجموع أبناء الحركة الذين يملكون القواسم الوطنية المشتركة مع حماس وكافة الفصائل، وفي هذا السيّاق يُؤكد "حبيب" الكاتب والمحلل السياسي أن هذا التغييب تأكيدًا صريحًا على اتجاه حماس نحو المصالحة مع تيار "محمد دحلان" ولفظ الرئيس "محمود عباس" باعتباره المتسبب في كافة الإجراءات العقابية التي عاناها القطاع على مر سنوات الحصار الـ 11 الماضية بالإضافة إلى أنه تسبب مؤخرًا في شرخ صفوف الحركة بإجراءاته التميزية العنصرية بين موظفي غزة وموظفي الضفة من أبناء فتح والتي أكد "هنية" في خطابة أنها شكلت ضربة قوية للنسيج الوطني الفلسطيني.
السلطة ستزيد إجراءات العقاب ضد غزة
ولا يتوقع "حبيب" أن تلتقط السلطة الفلسطينية الرسائل الإيجابية التي حملها خطاب "هنية" بخصوص المُصالحة الفلسطينية، لافتًا أنها قد تلجأ إلى المزيد من الإجراءات العقابية التي تؤدي إلى الانفصال التام عن القطاع.
وكانت السلطة الفلسطينية قد أحالت أكثر من 6000 موظف من غزة قائمين على رأس عملهم في المؤسسات الصحية والتعليمية بالقطاع، للتقاعد وبالتالي نحن أمام مزيد من العقاب لغزة ومزيد من الانفصال.
وقال حبيب لـ "الحدث": "يبدو أن "حماس" ماضية نحو الاتفاق مع تيار محمد دحلان وبالتالي قد تشكل المصالحة معه بوابة للمصالحة الشاملة وإعادة تفعيل المؤسسات الفلسطينية وعلى رأسها منظمة التحرير والمجلس الوطني"، وأضاف أن "حماس" أثبتت من خلال خطاب رئيس المكتب السياسي "هنية" أنها تسير على حقل من الألغام تحاول أن تخرج به ليس بذاتها فقط وإنما بالقصية الفلسطينية بعيدًا عن كل التجاذبات السياسية على الساحة العربية.
مع وحدة الإقليم
وفيما يتعلق بمشكلات الإقليم الأخيرة وبخاصة الأزمة الخليجية، أكد "حبيب" في قراءته التحليلية للخطاب أن "حماس" كانت موفقة جدًا وكلام الخطاب المتعلق بمشاكل الإقليم كان محسوبًا بشكل دقيق، لافتًا أنها لم تظهر متحيزة لطرف دون الآخر وقدم رئيس المكتب السياسي في ثنايا خطابه شكره الكبير لدولة قطر على مواقفها الداعمة لغزة ووقوفها إلى جانب السكان والمقاومة الفلسطينية في غزة ضد الاعتداءات الإسرائيلية عليها، كما أكد أن قطر كانت أفضل مغيث للشعب الفلسطيني، وفي المقابل أوضح "حبيب" أن الخطاب لم يغفل دول الخليج وحرص على التأكيد أن مصلحة الخليج وتماسك المنظومة والأسرة الخليجية هي مصلحة للقضية الفلسطينية برمتها، وقال: "إن الخطاب دعا إلى تغليب لغة الحوار وحل المشكلة بطريقة داخلية بعيدًا عن التشنج ورفع وتيرة التصعيد"، كما أيّد الإجراءات التي تدعو إلى الحوار وأن حركة حماس تلتفت إلى جوارها وشدد على أن حماس لا تُريد إلا الخير لكل الدول العربية وأنها تسعى إلى فتح علاقات وطنية وسياسية معهم على مبدأ الوحدة والانتصار والتقارب من القضية الفلسطينية ضدالاحتلال الإسرائيلي لحين التحرير.