الثلاثاء  08 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إسرائيل والمسألة الكردية

2017-09-16 06:01:39 AM
إسرائيل والمسألة الكردية
(ارشيفية0 تصوير: AFP)

 

الحدث الإسرائيلي

 

فيما يلي نص مقال تحليلي ترجمته صحيفة الغد الاردنية عن موقف اسرائيل من الاستفتاء الكردي، لكاتبه تسيبي بارئيل.

 

"إسرائيل تعارض حزب العمال الكردستاني وترى فيه منظمة إرهابية، خلافا لتركيا التي تؤيد حركة حماس الإرهابية، في حين أن إسرائيل تعارض الإرهاب بأشكاله، فهي تؤيد الجهود المشروعة للأكراد في تحقيق دولة خاصة بهم"، هذا ما قاله في هذا الأسبوع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. 


ربما ليس صدفة أن إعلان نتنياهو نشر بعد بضعة ايام من خطاب وزيرة القضاء أييلت شكيد، كجزء من المنافسة بينه وبين شركائه، خصومه من كتلة "البيت اليهودي"، رغم أن شكيد ذهبت إلى أبعد من ذلك. ففي خطابها في هذا الأسبوع في مؤتمر في هرتسليا، أوضحت بأنه "من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة هي قيام دولة للأكراد، في البداية في العراق. وقد حان الوقت لأن تدعم الولايات المتحدة هذا الامر". أولا في العراق؟ وأين بعد ذلك؟ في تركيا؟ في إيران؟، صحيح أن تأييد قيام دولة مستقلة للأكراد ليس موقفا إسرائيليا جديدا. وقد قال نتنياهو امورا مشابهة في 2014. لكن في الوقت الحالي، أقل من أسبوعين قبل إجراء الاستفتاء الشعبي في المنطقة الكردية في العراق، هناك في رسالة إسرائيل، وهي الاولى التي يرسلها رئيس حكومة، أكثر من دعم اخلاقي لحق الأكراد بدولة مستقلة. 


هذا الموقف يغرس بدون مخدر إبرة حادة في عيون رئيس تركيا أردوغان الذي يعارض بصورة ايديولوجية واستراتيجية قيام دولة كردية مستقلة. وأكثر من ذلك، هذه رسالة مزدوجة في الأساس لتركيا ولكن ليس لها فقط. أي أنه طالما أن تركيا تقوم بدعم حماس ولا تعتبرها حركة إرهابية، فعليها توقع أن يتم رشق الحجارة على المبنى الزجاجي الذي تعيش فيه. وهكذا فإن من يؤيد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة من الافضل أن يستعد لقيام إسرائيل بتأييد إقامة دولة كردية مستقلة. 


نسيج علاقات هش


يصعب القول إن التصريحات الإسرائيلية قد فاجأت تركيا. مباشرة بعد قضية قافلة "مرمرة"، حيث أن عدة عمليات نفذها حزب العمال الكردستاني ضد أهداف في تركيا، سمعت اصوات في البرلمان التركي اتهمت إسرائيل بشكل مباشر بعقد تحالف مع الحزب كعملية انتقامية على دعم تركيا للقافلة البحرية. تركيا ايضا يمكنها الاعتماد على أقوال نائب رئيس هيئة الاركان السابق، الجنرال يائير غولان، الذي قال في مؤتمر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الاوسط إنه لا يرى في حزب العمال الكردي منظمة إرهابية، وأن اقامة دولة كردية مستقلة هي "أمر جيد". بالنسبة لتركيا هذا يعتبر افضل برهان على أن إسرائيل تؤيد التنظيمات الإرهابية. 


وسائل الإعلام في تركيا ووسائل الاعلام الكردية نشرت تقارير موسعة عن تصريحات نتنياهو وشكيد، وقبل ذلك عن تصريحات غولان. ولكن مشكوك فيه اذا كانت هذه التصريحات تفيد الأكراد. "نحن مسرورون لأن رئيس حكومة إسرائيل يؤيد اقامة دولة كردية مستقلة. وهذا يعتبر مساعدة هامة لمشروعية طموحنا، لكن تحديدا من ناحية إسرائيل كنا نتوقع دبلوماسية هادئة، وليس سياسة علنية يمكنها أن تمس بنسيج علاقاتنا الهش مع الدول المجاورة"، قالت للصحيفة شخصية رفيعة المستوى في الحكومة الكردية في اربيل، عاصمة الأكراد في العراق. هذه الشخصية قصدت أن تصريحا إسرائيليا علنيا من شأنه أن يطرح الأكراد كشركاء مع دولة تعتبر دولة معادية لإيران. وكأننا نتآمر على الدول العربية، في الوقت الذي يقومون فيه بتجنيد شرعية دولية لخطواتهم. "لو كانت إسرائيل تريد المساعدة حقا لكانت استطاعت طرح هذا الموضوع في البيت الابيض ودفعت الادارة الأميركية للتصفيق على تأييدها للدولة الكردية المستقلة"، أضافت الشخصية. ولكن حتى الآن اكتفى البيت الابيض بإعلان غامض يقول إن "موعد الاستفتاء غير مناسب". 


"نحن جيدون بالنسبة للأميركيين لأننا نضحي برجالنا في الحرب ضد داعش، لكن ليس عندما نريد الاعتراف باقامة الدولة المستقلة"، قال صحفي كردي طلب عدم نشر اسمه بسبب التوتر بين وسائل الاعلام في المنطقة الكردية والقيادة السياسية، "أنا غير مقتنع أن موعد الاستفتاء صحيح، ولست متأكدا أننا بحاجة إلى استفتاء عندما يكون احتمال اقامة دولة مستقلة تقريبا غير قائم. عندما تنضج الظروف السياسية سيكون بالإمكان ببساطة الاعلان عن اقامة الدولة، وليس من خلال خطوات لا معنى عمليا لها، فقط من اجل الاستفزاز". 
وأضاف "اذا كان على الدولة الكردية أن تمثل كل الأكراد في العالم فلماذا لا نجري استفتاء ايضا في اوساط الأكراد في سوريا وتركيا والدول الاوروبية والولايات المتحدة التي توجد فيها جاليات كبيرة للأكراد. وعموما الاستفتاء في منطقة الأكراد في العراق من شأنه أن يفسر وكأننا تنازلنا عن اقامة الدولة الكردية التاريخية التي تضم كل المناطق الكردية (التي توجد حسب الأكراد في إيران وسورية وتركيا والعراق)".        
السؤال الصعب الذي يطرحه الصحفي الكردي لا ينتظر الاجابة من قيادة الأكراد. فمن الواضح أنه في الظروف الحالية لا يمكن اجراء استفتاء في اوساط الأكراد في ايران وتركيا وسورية. ولكن القصد هو طرح التناقض الذي يطرحه الاستفتاء من الناحية القومية.


تهديدات من تركيا


التناقض المنطقي والتخوفات الوطنية لا تقلق بشكل خاص مسعود البرزاني، رئيس الاقليم الكردي. وقد أوضح بشكل حاسم للامين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الذي وصل إلى اربيل من اجل اقناعه بتأجيل اجراء الاستفتاء، بأن من حق الأكراد اجراء الاستفتاء. وحسب اقواله لا يمكن أن يكون نقاش على ذلك، ولا سيما بعد عدم قيام الجامعة العربية بفعل أي شيء من اجل التوسط بين الحكومة في العراق والأكراد. ولكن العقبة الكأداء أمام اجراء الاستفتاء توجد في انقرة وطهران، اللتان تمسكان بمفاتيح اقامة الدولة الكردية القابلة للعيش. لأنهما من دول الانطلاق الأساسية للبضائع والاشخاص من الاقليم الكردي.


وزارة الخارجية في تركيا نشرت أمس تهديدا مباشرا ضد الاستفتاء جاء فيه "سيكون للاستفتاء ثمن"، الذي يعني أنه في اسوأ الحالات سيكون اغلاق الحدود البرية والجوية بين الاقليم الكردي وتركيا. وهذه الخطوة تعني الحصار الاقتصادي على الاقليم. خطوة مشابهة يمكن أن تقوم بها ايران ايضا في الحدود الشرقية مع الاقليم، وبدون المرور عبر هاتين الدولتين فإن الاقليم سيتحول إلى مخيم كبير للاجئين الأكراد. صحيح أن خطوة كهذه ستضر بمئات الشركات التركية التي تعمل في الاقليم، وبآلاف رجال الاعمال الذين يتمتعون بعلاقة معه. ولكن أردوغان أثبت في السابق أن الاعتبارات الوطنية اكثر اهمية بالنسبة له من الاعتبارات الاقتصادية.


في الساحة الداخلية ايضا يقف أمام برزاني خصوم سياسيون يهددونه. بعد عدة محادثات مع حزب الاتحاد الوطني الكردي برئاسة جلال طالباني، الذي لا توجد له أي نشاطات منذ بضع سنوات منذ اصابته بجلطة دماغية، ومع حزب غوران (التغيير) الذي توفي رئيسه الكاريزماتي، مصطفى ناو شروان، في شهر أيار الماضي، تم الاتفاق على عقد جلسة جديدة للبرلمان الكردي، الذي حل قبل سنتين بخطوة أحادية الجانب من قبل برزاني. عقد البرلمان هو أمر هام من اجل المصادقة على الاستفتاء. وحسب تقارير كردية فإن برزاني ينتظره انتقاد شديد في البرلمان الكردي، وربما أن تطرح امامه شروط قاسية للموافقة على الاستفتاء.


خصوم برزاني يزعمون وبحق أن ولايته قد انتهت قبل سنتين (بعد تمديدها لسنتين)، ولهذا فهي غير شرعية. وكشرط للموافقة على اجراء الاستفتاء يمكن أن يطلبوا منه الاستقالة. وحسب التقارير هناك ايضا سيناريو يقول إن برزاني سيوافق على تأجيل الاستفتاء اذا وافق البرلمان على تمديد ولايته لسنتين، التي في نهايتها سيتم اجراء انتخابات يتعهد فيها بعدم التنافس. الآن يصعب تقدير كيفية تغلب برزاني على هذه المعارضة الداخلية، لكن مجرد طرح امكانية كهذه يبرهن على أن الاستفتاء يهدف، ضمن امور اخرى، وربما بالأساس، إلى أن يكون أداة في اللعبة السياسية من اجل أن يوفر له فترة ولاية اضافية.


الخلافات حول اجراء أو تأجيل الاستفتاء لا تهدئ نظام الحكم في العراق. البرلمان العراقي اتخذ أمس قرار يقضي بأن الاستفتاء غير شرعي. وخول الحكومة العراقية باتخاذ كل الوسائل لمنع اجرائه. التهديد الكامن في هذا القرار هو أنه توجد للحكومة الآن الصلاحية في استخدام القوة العسكرية لحل الخلافات السياسية، خلافا للاتفاق الذي وقع برعاية الولايات المتحدة بين الأكراد والحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي، والذي يقضي بأن الجيش العراقي لن يستخدم كوسيلة لحل الخلافات السياسية. 


رد برزاني بشدة على قرار البرلمان –الذي غاب عنه الأكراد– وعبر عن أمله بأن لا يجر هذا القرار إلى مواجهة عسكرية. ولكنه اضاف بأنه اذا تدهور الوضع، فإن الأكراد سيكونون مستعدين لهذا السيناريو. وقد حاول رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي تهدئة تبادل الضربات هذا عندما اوضح أن "الحل سيتم التوصل اليه فقط من خلال المحادثات" مع الأكراد، لكن من الواضح له أنه في محادثات كهذه سيكون عليه أن يعرض على الأكراد مقابل مهم من اجل تأجيل الاستفتاء. 


ومقابل كهذا يمكن أن يكون إجراء استفتاء شعبي في مدينة كركوك، حسب الدستور العراقي، الذي جاء فيه أن الاستفتاء يتم تقريره اذا تم ضم المدينة والولاية إلى الاقليم الكردي. الأكراد يرون في كركوك جزء لا ينفصل عن الإقليم الكردي، خلافا للحكومة التي تخشى من فقدان مدينة النفط الهامة. اضافة إلى ذلك، المدينة هي مختلطة يعيش فيها تركمان وعرب إلى جانب الأكراد. برزاني تعهد مؤخرا بأن تحصل المدينة على "مكانة خاصة" عند اقامة الدولة الكردية. وسيكون لكل طائفة فيها تمثيل محترم في الحكومة الكردية. ولكنه أوضح أنه على نفس هوية المدينة لن يكون تنازل.


يحتمل أن الاستفتاء الشعبي الكردي كان سيرفع عن الاجندة الدولية لو أن الأكراد لم يقوموا بدور مهم في الحرب ضد داعش. فقد أظهرت قواتهم قدرة عسكرية مبهرة، حيث طهروا مدنا وقرى في شمال العراق من سيطرة داعش، وهم يقفون الآن أمام معركة هامة على مدينة حويجة غرب كركوك، التي فيها معقل داعش الكبير في شمال الدولة. في هذه المعركة يتعاون الأكراد مع الجيش العراقي والمليشيات الشيعية. ومثلما في مناطق اخرى قريبة من الاقليم الكردي، يسعون إلى ضم هذه المدينة لمنطقتهم. 


الحرب ضد داعش خلقت نظام أولويات جديدا للأكراد. بعد حرب الخليج الاولى كان انجازهم الاهم هو الانضمام للنظام في العراق من خلال تعيين رئيس كردي لكل الدولة، والحصول على جزء مهم من ميزانية الحكومة. ولكن الحرب ضد داعش غذت عملية معاكسة تتمثل بالانفصال عن الدولة. ويرى الأكراد في هذا تعويض تاريخي عن اسهامهم الكبير في الحرب ضد داعش. ولكن منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى لم ينجح الأكراد في تحويل انجازاتهم إلى انجازات سياسية. وليس من المؤكد أنهم سينجحون في هذه المرة ايضا، حتى لو كانوا يحظون بالدعم الدولي، في تجسيد حلمهم والتغلب على الصراعات الداخلية.