الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ترجمة الحدث | قصة العصابات اليهودية واغتيال رؤساء البلديات في الثمانينيات

"كتاب الاغتيال"

2017-09-27 12:02:30 PM
 ترجمة الحدث | قصة العصابات اليهودية واغتيال رؤساء البلديات في الثمانينيات
العصابات الصهيونية (ارشيفية)

 

الحلقة الخامسة 

جذور قاتلة

ترجمة الحدث – عصمت منصور

 

قائد الجيش يضحي برفيقه لخدمة العصابات

 

شعر قائد العمليات في جيش الاحتلال في رام الله الكابتن جيلو روني بشعور سيئ، لا بل سيئ جدًّا، في الساعات الباكرة من صباح الثاني من حزيران 1980 عندما دخل رئيس بلدية نابلس إلى سيارته التي انفجرت به عبوة ناسفة وضعت أسفلها لحظات بعد تشغيلها.

 

الشكعة أصيب بجروح بالغة نقل على إثرها إلى المستشفى في نابلس، وهناك اضطروا إلى قطع رجليه الاثنتين.

 

في ذات الصباح دخل كريم خلف رئيس بلدية رام الله إلى سيارته هو الآخر ليواجه نفس المصير ويفقد إحدى رجليه.

 

الانفجاران جعلا أجهزة الأمن في إسرائيل توقن أنّ هناك من يستهدف رؤساء البلديات في الضفة، ورؤساء البلديات أيضًا أدركوا أنهم تحت الاستهداف، وخشوا من الدخول في سياراتهم خشية وجود عبوات ناسفة أسفلها.

 

الكابتن جيلو أرسل إلى بيت رئيس بلدية البيرة إبراهيم الطويل بشكل عاجل ومعه رفيقه خبير المتفجرات سليمان حرباوي من أجل إنقاذ رئيس البلدية من مواجهة مصير زملاء.

 

حرباوي قدر أن وضع عبوة في سيارة الطويل سيكون حتمًا بداخلها تمامًا، كما حدث مع زميليه ولكن السيارة التي وضعت داخل كراج قرب البيت جعلته يقترب من الباب للوصول إليها، ولحظات بعد محاولة فتح الباب وقع الانفجار الضخم الذي أدى إلى إصابته بالعمي وفقدان عينيه.

 

الكابتن جيلو أصيب بالصدمة ورغم أنه لم يصب في الانفجار إلا أنه شعر بشكل سيئ، ونقل هو الآخر إلى المستشفى.

 

زملاؤه ظنوا أنه أصيب بهذا الشعور نتيجة إصابة رفيقه الذي فقد عينيه، وسيعيش بقيه حياته أعمى دون أن يتخيل أيًّا من قادته أنه يقف خلف سلسلة التفجيرات التي استهدفت رؤساء البلديات، ولم يعرفوا أيضًا أن مهمته كانت في إطار العصابة اليهودية هي ضمان عدم إصابة أيٍّ من جنود الاحتلال جراء الانفجارات.

 

لقد فشل في مهمته، ولم ينجح في منع إصابة رفيقه خبير المتفجرات، الذي رآه وهو يقترب ليفتح الباب الذي كان يعرف أنّ هناك عبوة مزروعة بداخله، واختار أن يصمت على أن ينقذه، وأن يضحي به؛ كي لا يفضح أمر العصابة التي ينتمي اليها.

 

قصة العصابة اليهودية بدأت قبل شهر من التفجيرات، ففي عشية يوم السبت خرجت مجموعة من اليهود المتدينين من بيت هداسا في الخليل، وألقيت باتجاههم قنبلة أدت إلى قتل ستة منهم.

 

في جنازة أحدهم ويدعى الي هزهاف حضر الكثير من المعزين من الخليل وكريات أربع من بينهم مناحم ليفني، وهو مهندس وكابتن في الجيش ذاع صيته كخبير في المتفجرات، وتمتع باحترام كبير في أوساط المستوطنين.

شارك في الجنازة أيضًا صديقه يتسحاق جينرام من مستوطنة رمات مجشميم.

 

الجنازة تتحول إلى غرفة عمليات للانتقام

 

جينرام اقترب من ليفني، وقال له: إنه لا يجب المرور على الحادث مرور الكرام، ليرد عليه ليفني أنه ليس الوحيد الذي يفكر في ذلك.

 

 

جينرام طرق بابًا مفتوحًا؛ لأنّ ليفني عمليًّا قد بدأ في العمل، وكان توجه إلى يهودا عتصيون من سكان مستوطنة عوفرا، والذي شغل هو الآخر مهمة خبير متفجرات في الجيش وعرض عليه تشكيل خلية والانتقام من رؤساء البلديات في الضفة المحتلة، والذين شكلوا معًا ما عرف باسم لجنة التوجيه الوطني.

 

ليفني لم يخطط لقتلهم، بل إصابتهم وجعلهم عبرة لردع الآخرين، ووقف العمليات الموجهة ضد اليهود.

 

عتصيون انضم للمجموعة، وعلى مدار شهر خططوا، وبشكل مكثف ومتواصل في كيفية الانتقام، حيث قسموا أنفسهم إلى خمس خلايا منفصلة من الأشخاص الذين جندوهم لهذه المهمة.

 

من بين الأسماء التي اشتركت في الخلايا كان زئاف حيفر من كريات أربعة اوري مائير، وهو طيار من هضبة الجولان وموشي زار من كرني شمرون والصحفي حجاي سيجل ونتنان نتنزون وعيرا رففورت، وضابطان من الجيش يعملان هما الكابتن شلومو ليفتان من وحدة الضفة الغربية والكابتين جيلو روني وهو مسؤول العمليات في رام الله، بالإضافة إلى آخرين من مستوطنات الخليل والجولان.

 

ليفني كان المسؤول عن اختيار أماكن العمليات وطريقة العمل، وتصنيع العبوات وتدريب أعضاء الخلايا على كيفية استخدامها، وهذا ما قام به في أحد جبال القدس.

 

المواد المتفجرة أحضرها ليفني من معسكر لجيش الاحتلال في الجولان، حيث وضعها في صناديق خشبية، بينما قام يهودا عتصيون بجمع السلاح والمراقبة والإشراف على تدريب المخربين، بينما الهدف الذي تدربت عليه الخلايا كان كيفية زرع عبوة والعودة دون أن يكتشف أمرهم أحد.

 

الأهداف تم اختيارها والتاريخ حدد في ذكرى مرور شهر على عملية إلقاء القنبلة وقتل ستة مستوطنين في الخليل.

 

خرجت الخلايا لتنفيذ المهمة في الليل حيث استطاعت ثلاثة منها وضع العبوات، وهي التي أدت إلى إصابة رئيس بلدية نابلس ورام الله والبيرة، بينما خليتان لم تتمكنا من الوصول إلى بيت رؤساء البلديات في بيت لحم والقدس.

 

في الصباح أصابت الأخبار التي تحدثت عن الانفجارات إسرائيل بالصدمة، والعالم جميعه تحدث عنها حتى الإدارة الامريكية ذاتها أدانت التفجيرات، وحركة فتح هددت بتنفيذ عمليات ردًّا عليها، متهمة بيغن بالمسؤولية عنها، كما صرح الشهيد خليل الوزير أبو جهاد في حينه.

 

لكن المفاجأة الأكبر كانت لدى أجهزة الأمن وجهاز الأمن العام "الشاباك" تحديدًا والذي وصف أحد قادته (يعقوب بيري) العمليات بالفشل الاستخباراتي الكبير.

 

كان من المفروغ منه أن من يقف خلف العمليات هي عصابات يهودية، ولكن الشاباك لم يكن يملك أيّ معلومة أو طرف خيط عن المنفذين؛ لأنه لم يكن يجمع معلومات عن المستوطنين وكانت المهمة بالنسبة لقادة الجهاز كالبحث عن ابرة في كوم قش وسط الظلام.

 

عقد رئيس الشاباك ابراهام احيطيب جلسة طارئة لقادة الجهاز في أجواء مشحونة وصعبة جدًّا وقال لهم:

العدو الذي نلاحقه ليس من السهل الإمساك به؛ لأنه جاء من بين صفوفنا، وأنا أعتقد أنه سيصمد طويلاً، وسيأكلنا من الداخل مثل السرطان.

 

لم يكن يعلم في حينها أنه يطلق نبوءة ستتحقق، وأن أمر الكشف عن الخلية سيستغرق أربع سنوات كاملة.

 

نقطة التحول الرئيسية التي حدثت وقربت الشاباك من العصابة كانت في ٢٨-٣-١٩٨٢ عندما قدم عامل كهرباء في أحد ورش البناء شكوى للشرطة، والشرطة رفعتها للشاباك حول وجود عبوة ناسفة ملفوفة في أوراق صحف.

 

العامل خاف الاقتراب من العبوة، وظن أنها موجهة ضد المستوطنين، ولم يسمح لأحد من العمال بالتحرك إلى أن جاء ضابط أمن المجلس في المستوطنة وأزالا العبوة.

 

الفحص الأولي للشاباك كان للصحف التي لفت بها العبوة، حيث تبين أنها تعود لتاريخ ٢-٦-١٩٨٠، وهو تاريخ تنفيذ العمليات ضد رؤساء البلديات.

 

ضابط الأمن في المستوطنة واسمه زامبيش، وزميله روزنتال اعتقلا من قبل الشاباك، ولكنهما ادعيا أن العامل هو الذي أحضر العبوة، وأنهما أتلفاها على تلة قريبة في الخليل، ونفيا أن لهما أي علاقة في العمليات التي استهدفت رؤساء البلديات، ورفضا أن يتم فحصهما على جهاز كشف الكذب الخاص بالشاباك.

 

في هذه الأثناء عقد اجتماع خاص لطاقم من الشاباك الذي اعتاد الاجتماع بشكل أسبوعي، وهو طاقم عين كرمي جيلون ليترأسه وخصص تحت اسم القسم اليهودي في الشاباك، حيث أعطي تفويضًا كاملًا للبحث والتحقيق والتخطيط وتجنيد عملاء من بين صفوف المستوطنين.

 

نتائج التحقيق الأولية أفادت ان العمليات نفذت بدقة متناهية، وبشكل احترافي، وأن من يقف خلفها محترفون من الدرجة الأولى، وأن المواد المستخدمة من النوع الذي يملكه الجيش فقط، ولكن هذه النتائج لم تنجح في تقريب الشاباك من الخلايا؛ لأن جمهور المستوطنين احتضن الخلايا، وغطى عليها، ولم يقدم أي معلومة يمكن أن تساعد في الوصول اليهم، كما أن أعضاء الخلايا أنفسهم اختفوا، ولم يقوموا بأي نشاط آخر يمكن أن يدل عليهم.

 

بدأت المعلومات ترد للشاباك بشكل متقطع، وإحداها تحدثت عن مستوطن له قصة حب خارج الزواج من مستوطنة كريات أربع وهذه القصة التي وصلت للشاباك حاول الجهاز استغلالها لتجنيده وزرعة بين المستوطنين، إلا أن رئيس الجهاز رفض هذا الأسلوب مع المستوطنين، لا بل وبخ الضباط الذين حملوا له الاقتراح، معتبرا أن هذا أسلوب مرفوض لجمع المعلومات.

 

في السابع من تموز ١٩٨٣ قتل اهارون جروس، وهو طالب في معهد ديني في كريات أربع بجانب السوق في الخليل.

 

الشاباك افترض أن الخلية لا بد أن تفكر في الانتقام؛ لأنه الدافع الأساسي الذي يحركها، وأن العملية لن تمر بهدوء.

 

بالفعل وكالمعتاد، وقبل أسبوع من مرور ذكرى الثلاثين على العملية هاجمت العصابة الكلية الإسلامية في الخليل والتي وقع عليها الاختيار كي تكون هدف الانتقام، حيث حضر ثلاثة مستوطنين ملثمين تمامًا عندما خرج الطلاب للساحة، وأخرجوا أسلحتهم النارية، وأطلقوا النار على الطلاب دون تمييز، وبعد ذلك قاموا بإلقاء قنبلة وسط جموع الطلاب؛ ما أدى إلى استشهاد ثلاثة طلاب، وإصابة ٣٣ آخرين بجروح مختلفة.

 

رجال الأمن الذين وصلوا إلى المكان قالوا: إن العملية نفذت بمستوى عسكري رفيع وحرفي جدًّا، إن كان في التخطيط أو في مرحلة التنفيذ.

 

تبيّن بعدها أن العملية بادر إليها شاؤل نير، والذي يعد مساعد ليفني، وأن الاثنين أجريا جولات فحص ومراقبة للمكان، وتفقدا الكلية، وإنهما قررا استخدام الكلاشنكوف تحديدًا في تنفيذها والقنابل المتفجرة.

 

ليفني أيضًا اهتم بإحضار سيارة من نوع بيجو ٤٠٥، والتي كانت شائعة الاستخدام في الخليل في أوساط السكان العرب كي لا تثير الشكوك.

 

أحد شهود العيان قال: إنه شاهد السيارة، وهي تفر من المكان وقدم للمحققين معلومة قيمة جدًّا، وهي أن السيارة لم تحتوِ خطوطًا زاهية، وأن جزءًا منها طلي بالأسود.