الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

متابعة"الحدث" | رجال أعمال اقتصاديون وقانونيون يفقدون ثقتهم بالنظام القضائي الفلسطيني

2017-10-11 03:37:08 PM
متابعة
صورة تعبيرية

 

إقرار مسؤولين بكارثية الوضع القضائي الناتج عن قلّة عدد القضاة والاختناق في القضايا والتلهي في توزيع الأدوار والصلاحيات
توافق على محاكم الاختصاص ومشكلة النظام القضائي هي نتاج غياب الإرادة والرؤية السياسية ليكون في المجتمع الفلسطيني قضاء نزيه وعادل

 

خاص الحدث

رجال أعمال واقتصاديون ومستثمرون وخبراء في القانون يفقدون ثقتهم بالنظام القضائي الفلسطيني، فيما يتعلق بالقضايا التجارية رغم التحسن الحاصل عليها، في حين يقرّ مسؤولون في وزارة العدل بأن ما وصفوه بالكارثة الموجودة في القضاء الفلسطيني هو في قلة عدد القضاة، وضرورة التعديلات على النصوص القانونية، وبخاصة تعديل قانون السلطة القضائية، وبالذات فيما يتعلق بالأدوار والصلاحيات.

 

لكنّ آخرين ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، ويؤكدون أنَّ مشكلة النظام القضائي هي نتاج غياب الإرادة والرؤية السياسية؛ ليكون في المجتمع الفلسطيني قضاء نزيه وعادل، وكأنّ هذا القضاء إن لم يكن عادلاً ونزيهًا وحاسمًا ومستقلاً، فهو بالتأكيد لا يمكن أن يشهد تنمية اقتصادية، ولا اجتماعية؛ لأنّ العدل هو أساس كلّ شيء.

 

بعضهم حاول البحث عن البديل في القضاء والمحاكم المتخصصة في التنمية الاقتصادية، وإنشاء دوائر تجارية متخصصة، وتأهيل قضاة متخصصون معرفيًّا في موضوع النزاع، واخضاع المحكمة المتخصصة لإجراءات خاصة تختلف عن الإجراءات العامة الموجودة في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجزائية، بما يضمن سرعتها وفعاليتها، وتبني قواعد خاصة للإثبات أمام الدوائر التجارية المتخصصة تسهم في كفاءة التقاضي وسرعته.

 

واختلف هؤلاء حول عدم حاجة إنشاء الدوائر التجارية المتخصصة إلى قانون خاص، بينما يحبذ آخرون منهم إنشاؤها عبر قانون من أجل تبني إجراءات خاصة بسير الدعوى وإثباتها أو أي قواعد من الممكن أن تضمن فعالية ونجاح تلك الدوائر.

 

البيئة القانونية وآليات التقاضي واستقرار النظام القضائي أساس جذب الاستثمارات

ويلخص رجل الأعمال إبراهيم برهم، ما يعانيه وباقي المستثمرين والقطاع الخاص من ضعف البيئة القانونية والقضائية المتعلقة بعمل القطاع الخاص، "أيًّا كان، يحاول الاستثمار في أيِّ دولة، تنصب أولى اهتماماته على مدى توفر البيئة القانونية وآليات التقاضي واستقرار النظام القضائي، وتجنب تعديله؛ لأن كثرة التعديلات القانونية والقضائية، تحدث بلبلة وتخوفًا وردات فعل كثيرة".

 

ولا يستبعد برهم، أن يكون عدد القضايا التي لا تصل النظام القضائي يساوي عددها المعلن -إن لم تكن أكثر- بسبب ضعف الثقة بالنظام القضائي واللجوء للنظام العشائري والصلح؛ ما يؤدي إلى إجحاف وظلم كبيرين لأصحاب الحق.

 

ويقول برهم: بصراحة "نعاني من مشكلة كبيرة في عدم الثقة بالنظام القضائي، فيما يتعلق بالقضايا التجارية رغم التحسن الحاصل. ولكن كلما ازداد العمل تزداد المشاكل، ويضطر اللجوء للمحاكم، واسوأ ما يمكن التأثر به مبنى المحاكم في رام الله كمبنى حتى بيئته والظروف الموجود فيها تكاد تكون منفرة".

 

ويشدد برهم، على أهمية التركيز على حاجة القطاع الخاص لحلّ الإشكالات التي يتعرض ويعاني منها، ومحاولة تحسين بيئة الأعمال، ويأسف؛ لأنها ليست في تحسن، بالرغم من أنّ هناك تحسنًا إيجابيًّا في بعض النواحي، لكن هناك تراجع كثير في نواحٍ أخرى.

 

وجدد تأكيده على عدم الثقة بالنظام القضائي، لكنه قال: "ومن أجل استردادها يجب اتخاذ إجراءات لزيادة عدد القضاة. بحسب اعتراف وإقرار وكيل وزارة العدل".

 

ولأنّ د. حسن أبو لبدة- رئيس اتحاد صناعات الطاقة المتجددة، من ذوي الباع الطويل والخبرة في شؤون التقاضي، فإنه يقول من واقع تجربته: "المشكلة في غياب الإرادة السياسية، ليكون عندنا قضاء نزيه وعادل، غياب الرؤية السياسية، وكأنّ هذا القضاء -إن لم يكن عادلاً ونزيهًا وحاسمًا ومستقلاً- لا توجد تنمية اقتصادية ولا اجتماعية؛ لأنّ العدل هو أساس كل شيء".

 

ويختلف أبو لبدة مع وكيل وزارة العدل، وقال: "إنه ليس واقعيًّا كثيرًا، والواقع أسوأ بكثير مما تحدث به بشأن القضاء والمحاكم، فمن تجربتي الخاصة، الكل مذنب في سوء حال القضاء، النظام السياسي بكامله يجب أن يحاكم على سوء حال العدالة والقضاء في هذا الوطن، لأنه توجد تدخلات سافرة في التقاضي، ولا توجد كفاءة في التقاضي، وبصراحة ممن يحاكمونني أشفق على أوضاعهم ومعروض عليه قضايا ليست اختصاص، ويستحيل في الوقت المتاح أن يتمكن أيّ منهم أن يحكم بالعدل".

 

وتابع: "إنّ نصيب القاضي 1200 قضية، فماذا عساه أن يفعل، فإنّ لم يحكم فيها سيُتهم بالتقصير، وحتى يكون هناك تنمية اقتصادية حقيقية، يجب أن يشعر كل مستثمر في هذه البلد وخارجها بالاطمئنان من ناحية الاستقرار والاستقلال القضائي وكفاءته، وسرعة البت في القضايا النزاعية، حتى يتم الفصل فيما له وما عليه، وهذا لا يتم إلا إذا كانت هناك إرادة سياسية".

 

فيما ينتقد د. نضال صبري خبير في القوانين المالية، سطحية تعليمات قانون ضريبة الدخل وتغيراته اليومية، "قانون من سطر ونصف السطر يفرض الضريبة على مكافأة نهاية الخدمة، فيه سبع مخالفات قانونية لقانون ضريبة الدخل، المادة 3 ضريبة الدخل سنوية. وموضوع الحوكمة خلق فوضى لا حدود لها، فوضى وقوانين مالية غريبة عجيبة. وقانون الضريبة المضافة لم يصدر بعد وإنما صدر دليل الضريبة المضافة".

 

ويستنتج صبري، أنه يوجد فراغ قانوني مالي وصفه بالرهيب "وإلغاء قانون ضريبة الأملاك في 2006 المفروضة على المجالس القروية، لا نستطيع من 10 سنوات إصدار قانون فرض ضريبة الأملاك، وحتى تكون لدينا محاكم متخصصة علينا أن ننظم القوانين المالية".

 

ولكن يبدو أنَّ الخبير القانوني هيثم الزغبي، ضد إصدار قوانين جديدة في موضوع القضاء؛ لانه حسب قوله: "غصب للسلطة التشريعية في غياب المجلس التشريعي، لا يجوز للسلطة التنفيذية ان تتدخل في اصدار قوانين خاصة بالقضاء ولو بنوايا جيدة، لان احترام الدستور وسموه وشعور المواطن بأن المنظومة الدستورية قائمة سليمة أهم من إجراء تحسين هنا وهناك".

 

تأزّم المنظومة القضائية وغياب المحاكم المتخصصة

وبينما شدد برهم، على الحاجة الملحة للمحاكم المتخصصة بشكل كبير جدًّا وبالذات في مجال العمل التجاري "التأمين والأرضي" "فهاتان أكثر قضيتين فيها حجم كبير من المشاكل، ولا يتم البت فيها الا بنسبة ضئلة جدًّا منها، ولهذا تأثير وإجحاف على حقوق الناس وعلى حركة الاستثمار، لأن تعطيل قضية محددة في مجال التأمين أو في قضايا الاراضي او غيرها ليس مرتبطًا بشخص، وإنما بمنظومة وبحجم استثمار قد يعطل استثمار بعشرات الملايين لشركة محددة، أو لمجموعة من الشركات، ورغم التحسن في بعض الهيئات، لكن الأمر بحاجة لتطوير افضل من شأنه أن يخفض جزءًا كبيرًا من الاشكاليات القانونية الحاصلة في النظام القضائي".

 

فإنّ الدكتور فراس ملحم -باحث قانوني- يشدد في دراسته "دور المحاكم والدوائر المتخصصة في التنمية الاقتصادية" التي أعدها لصالح معهد (ماس)، على انه يجب ألا يذهب التفكير إلى إنشاء محاكم أو دوائر متخصصة بهدف معالجة الوضع المتأزم حاليًّا داخل المنظومة القضائية.

 

ويقول: "بل يجب أن يتم الأمر وفق استراتيجية تقود إلى النهوض بالجهاز القضائي وسبل تطويره، لأن مجرد إنشاء محاكم أو دوائر متخصصة قد لا يؤدي إلى تحقيق الأهداف المتوخاة منها دون أن يؤخذ بعين الاعتبار عوامل النجاح".

 

ويرى، أنَّ نجاح محاكم أو دوائر متخصصة يتوقف على إعادة النظر بمنظومة القضاء الحالية من إجراءات الدعوى، والبينات والتبليغ، أو تبني بعض القواعد الاجرائية التي تضمن فصل متن القضية بفعالية واستقلالية تضمن محاكمة عادلة في زمن معقول، "هذا الأمر قد يتم إما من خلال تعديل المنظومة القضائية القائمة، أو من خلال القانون المنظم لإنشاء القضاء المتخصص".

 

في حين تعدّ عبير عودة –وزير الاقتصاد الوطني، المحاكم والإجراءات القضائية تحديًّا للوزارة وتعيق النمو الاقتصادي، وتقول: "من أهم أولوياتنا البيئة القانونية، وندعو إلى إصلاح وتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية وخلق اطار قانوني منافس ومراجعة تطوير مجموعة القوانين والانظمة والتعليمات الاقتصادية، بما يشمل التسريع بالمصادقة عليها لتعزيز دور التحكيم التجاري وبناء قدرات الجهات ذات العلاقة".

 

وترى عودة، أنَّ البيئة القانونية من أكبر التحديات في جذب المستثمرين للاستثمار في فلسطين، لذا فإنها شددت على تحسين الأداء وحماية صغار المستثمرين والحماية القانونية الممنوحة للمساهمين في الشركات المحلية.

 

وفي هذا السياق، ذكرت عودة، أنَّ ترتيب فلسطين في حل النزاعات والقضايا التجارية متدنٍّ جدًّا في التصنيف العالمي 158 من 160، بينما كان تصنيفها في البت وتنفيذ العقود 122 من 190، والتي يستغرق المحكمة للبت في القضية التجارية أكثر من 540 يومًا.

 

ولم تخفِ وزيرة الاقتصاد الوطني قلقها من المشكلة التي تعاني منها قضايا المنازعات التجارية والاقتصادية، المتمثلة في الفترة الزمنية الطويلة التي تستغرقها في المحاكم، لذا نجدها تشدد في مطالبتها على ضرورة توقفها، "تعدّ إجراءات المحاكم طويلة وغير فعالة وتضعف قراراتها التي لا يُحدد لها سقف زمني لاتخاذها، حيث تؤجل القضايا كثيرًا ولمرات طويلة دون أن يحدد سقف زمني لحلها".

 

وتتطلع الوزيرة عودة، إلى إيجاد آلية لتنفيذ القرارات الصادرة عن المحاكم؛ لأنها تعاني من ضعف كبير، في الوقت الذي شددت فيه على أهمية إيجاد محاكم تجارية متخصصة لحل النزاعات فيها بشكل كفؤ وسريع، وزيادة اعداد القضاة المختصين في القضايا المتخصصة كالتأمين، والأوراق المالية، والمعاملات التجارية وغيرها.

 

أما الزغبي، فيرى انه لا يمكن الحديث عن المحاكم المتخصصة ضمن الرؤية الاجمالية لموقع القضاء ككل، "في تجربتنا العملية امام القضاء فإن رجال الأعمال والاقتصاديين تستهويهم المحاكم المتخصصة، في حين نعتقد أنَّها من الناحية العملية ليست الحل السحري، وانما الحل يكمن في المنظومة القضائية كلها".

 

ويعدّ الزغبي، المحاكم المتخصصة جزءًا من القضاء؛ لذا يجب ان تخضع لمجلس القضاء الاعلى، ويقول من العيب الدستوري الذي يجب ان يرفضه المجتمع تعيين موظفين من الجمارك والمالية كقضاة في عضوية محكمة الجمارك؛ لانه قضاء مستقل، فمن العيب ان يقوم موظف دولة في فصل بين السلطات ولا يجوز".

 

في حين أعلن الدكتور محمد أبو سندس وكيل وزارة العدل، تأييده لوجود قضاء متخصص، ولكنه  قال: "يجب أن يتم الفصل فورًا في القضية قيد البحث، وألا يتم ارهاق القاضي بملفات ومحاولات بعض المحامين ارهاقه بأمور كثيرة او طلبات كبيرة، حتى لا يرجع ويرفع الجلسة لمدة 3 شهور".

 

وقال: "الكارثة الموجود فيها قضاؤنا الفلسطيني هو في عدد القضاة نفسه، وهناك الكثير من النصوص بحاجة الى تعديل قانون السلطة القانونية، فيما يتعلق بالأدوار والصلاحيات، ولا بد من تعديل قانون السلطة القضائية وتعيين عدد كافٍ من القضاة لتحقيق العدالة وسرعة البت في القضايا".

 

ويؤكد ابو سندس، أنَّ رجل الاقتصاد يبحث أولا عن الامان القانوني والقضائي وقوانين متطورة تحقق للرأسمال الاستثماري الامن والعدالة، وقضاء يطبق القواعد القانونية بما يحقق العدالة والمساواة وسرعة الفصل في القضايا.

 

وذكر ابو سندس، أنَّ عدد قضاة البداية 73 قاضيًا موزعين على 8 محاكم بداية على مستوى الوطن، "ومن أجل إنشاء محاكم متخصصة ابتداء يجب ان يكون عدد القضاة كافيًا لتوزيعهم على هذه التخصصات من المحاكم التي يمكن انشاؤها بموجب قانون او بقرار من مجلس القضاء الأعلى".

 

ولكن أكد أبو سندس، أنَّ ثلاثة قضاة محكمة الجمارك ينظرون طيلة السنة في 8 قضايا فقط، فصلوا في أربع منها، وهو عدد قليل، في حين أن بعض زملائهم في المحاكم الاخرى يفصلون في آلاف القضايا، ويرى انه قد يكون هناك محاكم تجارية، واخرى عمالية وغيرها متخصصة، وقد يقوم القاضي بالفصل في هذه القضايا خلال فترة وجيزة؛ ليصبح فيما بعد طول السنة بلا عمل.

 

 لذا يرى أبو سندس، انه يجب ترك المرونة لمجلس القضاء الأعلى ليقوم بتشكيل هذه المحاكم المتخصصة وفي حال أصبح الفصل فيها مرتفعًا، ممكن الاستفادة من قضاتها بتدويرهم على المحاكم الاخرى لمساعدة زملائهم في الجوانب الأخرى.

 

ويحمل ابو سندس، مجلس القضاء الاعلى مسؤولية المشكلة حينما قال: "لا احد من مجلس القضاء الاعلى او غيرهم لجأ للحكومة وشخّص لها الاشكالية ومكانها، نحن نبحث عن الصلاحيات والأدوار، هنا تكمن المشكلة ولو ان رئيس واعضاء مجلس القضاء الاعلى اطلع رئيس الحكومة، لا اعتقد انه لن يتجاوب معهم في هذا الجانب، وقاموا بتشخيص الكارثة لديهم، بكل تأكيد الحكومة بأمن البلد، ولكن التقصير من جانب رئيس واعضاء مجلس القضاء الاعلى وانا من ضمنهم".

 

إيجابيات إنشاء محاكم متخصصة منفصلة بقانون

فيما شدد ملحم، على ايجابيات انشاء محاكم متخصصة، بضمنها انه يمكن تعيين قضاة في المحاكم المتخصصة من غير خريجي كليات الحقوق. وفي مسائل معينة قد يكون من المفضل تعيين قضاة من حملة شهادات تقنية متخصصة مثل الاقتصاد، ويتيح القانون الخاص المنشئ للمحاكم المتخصصة أن يتبنى قواعد قانونية وإجرائية تيسر التقاضي وتبسط الاجراءات وتتبنى قواعد اثبات جديدة؛ مما ينعكس إيجابيًّا على تحقيق عدالة في وقت معقول.

 

أما سلبيات القضاء المتخصص حسب ملحم، فهي عدم إعداد دراسة متأنية لجدوى إنشاء المحاكم المتخصصة بجسم منفصل، الأمر الذي يلقي عبئًا ماليًا على الموازنة. "بالرجوع إلى إحصاءات محكمة الجمارك الفلسطينية نجد أنَّ عدد القضايا الواردة إلى المحكمة في عام 2014 بلغ ثماني قضايا، وفي عام 2016 بلغ عدد القضايا الواردة 16 قضية، فصل منها فقط 4 في العام نفسه".   

 

بينما يرى برهم، أنَّ التخصص في غاية الاهمية "ولأن عدد القضاة مهم، ولكن التخصص لا يقل اهمية عن عدد القضاة، حينما نتحدث عن قضايا مرتبطة بالمشاكل التجارية نريد من يفهم بها. بالتجربة من خلال عملي مع شركات عالمية، حينما نسمع أنَّ الشركات العالمية لا تثق بالنظام القضائي في فلسطين فهذه مشكلة كبيرة للقطاع الخاص".

 

ويطالب برهم كقطاع خاص، بنظام بحيث يكون القضاء أداة من شأنه أن يحسن الاجواء الاستثمارية، "لذا يجب تحديد نوع القضاء المتخصص الذي نطمح له، وبالإشارة الى محكمة الجمارك ليست المشكلة في عدد القضايا؛ لانه لا توجد قضايا في الجمارك فهناك قضايا كثيرة، ولكن الإجراءات التي تتبعها وزارة المالية باتجاه رفع القضايا لمحكمة الجمارك او التخصص الموجود فيها، فيه ضعف وبحاجة الى تعديل، وان تم تعديل الاجراءات المعمول بها في محكمة الجمارك، فان عدد القضايا ستزيد بالعشرات، كما سيتم البت فيها بشكل سريع، وذات جدوى، ولكن واضح أن الإجراءات أو النظام القائم عليها فيه ضعف كبير".

 

وهو ما توافقت معه وزيرة الاقتصاد الوطني، التي أيدت وجود محاكم متخصصة، والحرص على استقلاليتها، لما لذلك من أثر ايجابي على إجراءات المحاكم والتقاضي وضمان شفافيتها وتحديد مدة التقاضي الزمنية وتنفيذ قراراتها. الى جانب دعوتها الى إنشاء هيئة تحكيم تجارية في نقابة المهندسين وتفعيلها في المجالات كافة.

 

الى جانب ذلك، تؤكد عودة، أنَّ الوزارة شكلت لجنة فنية لإعداد خطة عمل لتحسين مؤشر فلسطين في ممارسة إنشاء الاعمال، اضافة الى اعداد قانون الشركات، وهو في مراحله النهائية، وترى انه من الضروري جدًّا أن يكون لدى الوزارة مختصون لمعالجة القضايا الفنية، وليس بالضرورة ان يكون أعضاؤها قانونيين، وإنما أن يكونوا ذوي اختصاص.

 

ولكن الخبير القانوني الزغبي، يدعو للتنبه لاقتراح محاكم متخصصة، وقال: "الاقتراح يبدأ مهنيًّا، ويوظّف سياسيًّا، واعتقد انه يجب ان نكون واعين لهذه القضية. نحن مع تخصص ضمن الغرف بحكم التخصص يجب تخصيص قضاة للبت في قضايا جمرك، ومثلهم تأمين، وآخرين عمال، وهذا حدث في الماضي، ولكن ضعف الارادة السياسية ورغبتنا في ترحيل الموضوع للتشريع هو المشكلة".

 

متطلبات نجاح القضاء المتخصص

ولكن د. ملحم، يعتقد أنَّ تأهيل قضاة متخصصين معرفيًّا في موضوع النزاع مهم جدًّا قبل بدء عمل تلك الدوائر، واخضاع المحكمة المتخصصة لإجراءات خاصة تختلف عن الإجراءات العامة الموجودة في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجزائية يضمن سرعة وفعالية الدوائر المتخصصة.

 

ويؤكد ملحم، وجود متطلبات لنجاح الدوائر المتخصصة تتمثل في عدد القضاة في محكمة البداية "وهو غير كاف، إذا ما تم التوجه للقضاء المتخصص، وعليه يجب تعيين المزيد منهم، وتجب دراسة جدوى إنشاء دوائر متخصصة. وبتحليل للواقع الفلسطيني، تتركز معظم القضايا التجارية في ثلاث مدن، هي "رام الله، الخليل ونابلس". وعليه، قد يكون إنشاء دوائر في محاكم البداية الثمانية كافة غير مجدٍ من ناحية اقتصادية".

 

وبدراسة للمنازعات الادارية لعام 2016، يتضح أن 47% من المتقاضين هم من رام الله، و11% من نابلس، و9% من جنين، و5% من الخليل، و8% من دورا، وعليه إذا ما تم إنشاء غرف إدارية من الواضح أن ثلاث غرف بداية في المنازعات الإدارية تكون كافية.

 

ويحث على تبني قواعد خاصة للإثبات أمام الدوائر التجارية المتخصصة؛ تسهم في كفاءة التقاضي وسرعته، وتنظيم الخبرة امام المحاكم بشكل عام والدوائر المتخصصة بشكل خاص، لما لهذا الأمر من أهمية في الامور التقنية ومنها التجارية.

في حين يرى الزغبي، انه بالامكان معالجة مشاكل ارتفاع عدد القضايا بازدياد وقلة عدد القضاة، بإجراءات بسيطة اهمها رفع رسوم المحكمة التي لا تزيد على 500 دينار لقضايا بالملايين، مع مراعاة انه يمكن إعفاء المحتاج والفقير والعامل ولكن يجب عدم تشجيع المقتدر؛ لان يجعل اللجوء للقضاء كيديًّا.

وفيما يتعلق بإجراءات الحد من التبليغات، فان الوغبي يقترح خصخصة هذه الخدمة، ولتصبح كل التبليغات الكترونية، والحفاظ على كفاءات محاكم الدرجة الاولى وعدم تفريغها منهم بالترقيات، وتغيير نظام سماع شهادات الشهود لتصبح خطية ومكتوبة مشفوعة بالقسم عند كاتب العدل.

 

اما د. ابو لبدة، فانه قال: "لأنه يوجد إهدار مال قاتل يصل الى حدّ الجنون في هذه البلد؛ فان تطلب الوضع القضائي تعيين 400 قاضٍ او اكثر، فانّ بلدًا يتطلع للتحرر والاستقلال والتنمية الاقتصادية يستحق ذلك، والقادر على تعيين 3 آلاف هنا، و2 هناك، فبمقدوره تعيين 400 قاضٍ من أحسن القضاة والرواتب؛ لأن العدل اساس كل شيء، وهو ما هو غائب في البلد، نحن نتلهى في صغائر الامور، بينما اساس استمرار هذه البلد ينخره كل شيء".

 

وابو لبدة من اشد انصار التخصص في التقاضي والمحاكم المختصة، وفي رأيه: "تجب اعادة الهيبة للقضاء، وان يُسمح للقضاة ان يكونوا جديين في الفصل في القضايا، بحيث لا يشعر أيٌّ منهم بوجود مسدس فوق رأسه ليحكم في اتجاه معين، بعض القضاة امامهم قضايا لا يستطيع ان يفصل فيها كما تملي عليهم ضمائرهم".

 

حقائق حول القضاء الفلسطيني

وذكر د. ملحم أنَّ نتائج أداء المحاكم تدلُّ على فعالية المحاكم من حيث أعداد القضايا الواردة والمفصولة والمدوّرة، خاصة بعد عام 2007. فقد حافظت المحاكم على نسب مرتفعة من القضايا الواردة ونسب ثابتة من القضايا المفصولة والمدوّرة. فبمقارنة إحصاءات محاكم الصلح والبداية في الضفة الغربية بين عامي 2014 و2016 نجد ما يأتي: ازداد مجموع عدد القضايا المدنية والجزائية الواردة في محاكم الصلح بواقع 2489 قضية، (من 49528 قضية في عام 2014 إلى 52017 في عام 2016. أما القضايا المدوّرة فقد شهدت نقصانًا إيجابيًّا من 30765 قضية في 2014 إلى 29714 في عام 2016.  أما أعداد القضايا المفصولة في محكمة الصلح فقد زاد بشكل ضئيل من 50861 في عام 2016 مقارنة مع 49475 في عام 2014.

 

وبمقارنة إحصاءات محاكم البداية في القضايا المدنية والجزائية نجد أن عدد القضايا الواردة بلغ 7995 في عام 2016 مقارنة مع 6842 في عام 2014.  أما القضايا المدوّرة فقد ارتفعت بنسبة ضئيلة من 13261 في عام 2014 إلى 13342 قضية في عام 2016.  أما القضايا المفصولة في تلك المحكمة فقد بلغت 5549 في عام 2014 مقارنة مع زيادة مهمة بواقع 12943 في عام 2016 مضافًا إليها قضايا محاكم البداية بصفتها الاستئنافية.

 

وتتركز أنواع القضايا المدنية الواردة في محكمة البداية في عام 2016 في ثلاثة تصنيفات رئيسية: أولاً، القضايا المتعلقة في منازعات الأراضي والعقارات وتبلغ قرابة 1671 قضية. ثانيًا، القضايا المتعلقة بمنازعات التأمين وتبلغ حوالي 522 قضية إضافة إلى المنازعات التجارية والمطالبات المدنية البالغ عددها حوالي 1700 قضية منها 1272 مطالبة مالية، وثالثًا، القضايا المتعلقة في المنازعات العمالية وتبلغ حوالي 931 قضية. تعدّ هذه التصنيفات مؤشرًا مهمًّا حول جدوى إنشاء قضاء متخصص في ثلاثة مجالات، وهي: العقار، والمنازعات التجارية، وتشمل مطالبات التأمين، وأخيرًا المطالبات العمالية. إلا أنه وعند دراسة جدوى إنشاء قضاء متخصص، يجب علينا الأخذ بهذا المؤشر في سياق عوامل أخرى تحدّد الجدوى من تأسيس هذا القضاء كما سنرى لاحقًا. 

 

وبخصوص أعداد القضاة في المحاكم النظامية، فيعدّ ازدياد أعدادهم أمرًا ايجابيًّا. فيجلس للقضاء في جميع درجات التقاضي مائتا قاضٍ في الضفة الغربية. وحسب التشكيلة القضائية 2016-2017 بلغ عدد القضاة في محاكم الصلح 64 قاضيًا، و73 قاضيًا في محاكم البداية. وبلغ عدد القضايا التي ينظرها قاضي الصلح 1239 قضية سنويًّا في عام 2016.  أما عدد القضايا لكل قاضٍ في محكمة البداية فقد بلغ 405 قضايا سنويًّا.

 

يبلغ عدد القضاة لكل مئة ألف نسمة في الضفة الغربية، ستة قضاة موزّعون في جميع المحاكم. وهو عدد ضئيل وبالرجوع إلى الضفة الغربية يتوزع حوالي 2.1 قاضي في محاكم الصلح، وحوالي 2.5 في محاكم البداية لكل مئة ألف نسمة. تؤكد هذه الإحصاءات العبء الملقى على عاتق القضاء الفلسطيني، أضف إلى أنها تعد مؤشرًا قويًّا على ضرورة تعيين قضاة جدد في أهم درجتي تقاضٍ، وهما محكمتا الصلح والبداية، بخاصة إذا ما تم التوجه نحو إنشاء دوائر متخصصة.