نميل في عالمنا العربي الى إهمال صحتنا النفسية.. فنحن نتعامل مع أنفسنا وكأن لا شيء يحطمنا أو نسير وفق مبدأ بأن كل ألم سيختفي مع الوقت.
وربما لهذا السبب كان الاكتئاب وما يرتبط به من حالات انتحار أو حالات إدمان بات في معدلات مخيفة.
التعامل مع الصدمات النفسية وفق أسس صحيحة هام للغاية، لأنه نقطة مفصلية تحدد نوعية الحياة التي سنتخيرها.. فإما حياة سليمة نفسياً وبدنياً وإما معاناة دائمة.
الاعتراف بما تختبره
الخرافة الأكثر شيوعاً حول التعامل مع الأزمات النفسية هي أن على الشخص تجاوز الأمر سريعاً وإلا عانى الأمرين، ولكن المقاربة هذه مدمرة. أي صدمة نفسية، سواء كانت بسبب موقف صادم أو مخيف أو خطر كحوادث السير أو التعرض للسرقة أو فقدان من تحب يمكنها أن تجعل الشخص يشعر بمدى هشاشته، وبالتالي تؤسس لمشاعر من العجز أو الخوف أو فقدان السيطرة. لذلك لا داعي للقول بأنكم بخير، لأنكم لستم كذلك.
حين يختبر الشخص مواقف صادمة فإن الجسم يدخل في حالة الهروب أو المواجهة، وعليه فإن كل شيء له علاقة بالجهاز العصبي في الجسم يكون في حالة من الفوضى العارمة.
وفي حال كان الموقف قد أدى إلى أذى بدني أيضاً فإن الضرر مضاعف، لأننا نتحدث هنا عن مشاعر غضب وحزن وتوتر وربما الذنب وأحياناً الارتباك.
لا تقمع المشاعر السلبية
محاولة رؤية النصف الممتلئ من الكأس بعد الصدمة مباشر مقاربة خاطئة، لأن ذلك يعني كبت كل المشاعر السلبية من خلال إرغام النفس على اختبار المشاعر الإيجابية. صحيح أن مرحلة الإنكار هي جزء من عملية الشفاء من أي صدمة نفسية، ولكن كل الدراسات تؤكد بأنه في حال لم يتعامل الشخص مع مشاعره السلبية فهو لن يتمكن من الشفاء.
بطبيعة الحال ما يجب معرفته هو أن مدة عملية الشفاء النفسية تختلف بين شخص وآخر، لذلك لا تشعر وكأنك ملزم على الخروج سالماً بسرعة. بل تفهم واقع أن ما تشعر به يختلف تماماً عما يشعر به آخر مر بالتجربة نفسها.
تعامل مع المشاعر.. واحدة تلو الأخرى
البشر يمكنهم اختيار ٢٧ نوعاً مختلفاً من المشاعر.. وفي حال اختبرت صدمة عاطفية فأنت على الأرجح قمت باختبارها كلها دفعة واحدة. ما عليك أن تعرفه هو أنه لا بأس باختبار تقلبات حادة في المشاعر، فتارة قد تشعر بالهدوء وفي لحظة أخرى ستشعر بالغضب. حين تختبر هذه المشاعر قم بالتعامل معها واحدة تلو الأخرى. حاول معرفة ما الذي جعلك تغضب في هذه اللحظة وما الذي نقلك إلى الفرح بشكل مفاجئ ثم الحزن.
حين تتعرف على الأسباب ستتمكن من التعامل معها بشكل منفصل ما يسهل عليك مهمة تجاوزها.
قاوم الرغبة بعزل نفسك عن محيطك
ستشعر برغبة عارمة بالبقاء وحيداً بعيداً عن الجميع، وبالتأكيد ستشعر بوحدة قاتلة، رغم أن الجميع يسأل عن أحوالك ويحاول التخفيف عنك. ولا بأس بالشعور بهذه الطريقة، فالأمر طبيعي تماماً. الصدمات النفسية تجعلك تشعر بأنه لا يوجد حماية لأي مخلوق بشري وستجد نفسك تطرح أسئلة فلسفية عن جدوى حياتك كإنسان بما أنك ضعيف وهش لهذه الدرجة.
لا تقم بعزل نفسك، بل قم بإرغام نفسك على التواصل مع الآخرين وتحدث عن تجربتك وعما تشعر به، لأن ذلك يساعد جسمك على التخلص من مسببات التوتر، وبالتالي يمكنه استعادة معدلات الهرمونات الطبيعية، وبالتالي جعلك تشعر بأنك بحال أفضل.
أهداف صغيرة جديدة
الصدمات النفسية عادة تجعلنا كما قلنا نشكك بأهميتنا كبشر.. وعليه فإن الشعور بالعجز يكون هو المهيمن. المقاربة الوحيدة للخروج من هذه الحالة هي من خلال وضع بعض الأهداف الجديدة. تحديد أي هدف جديد لن يكون سهلاً، فوضعك النفسي لن يسهل عليك المهمة.. ولكن قم بتحديد بعض الأهداف البسيطة. كإصلاح باب معطل في منزلك ولاحقاً ربما تعلم لغة جديدة أو قراءة كتاب ما.. النجاح في تحقيق أي هدف مهما كان بسيطاً تأثيره الإيجابي أكبر بكثير مما يخيل إليك.
اللجوء لمن يفهم ما تشعر به
بقدر ما تشعر بالراحة بعد الحديث عما يزعجك مع الأصدقاء أو مع العائلة، ولكن إن لم يكن أي منهم قد مر بالتجربة نفسها فلا يمكنهم فهم ما الذي تشعر به. عليك بالحديث مع أشخاص مروا بالتجربة نفسها. في حال كنت قد تعرضت لحادث سير مريع يمكنك التواصل مع أي جمعية من الجمعيات التي تهتم بهكذا أمور، ومن خلالهم التواصل مع شخص اختبر تجربة مماثلة. المقاربة هذه ستزيل كل الثقل الذي يجثم فوق صدرك، وستجد القوة حين تستمع لتجارب الآخرين وستتعلم دروساً من مقارباتهم.
زر الإيقاف
عادة بعد أي صدمة من نوع ما فإن الحدث برمته يعاد تخيله في عقل الشخص مرة تلو الأخرى.. وعليه يعيش الشخص المشاعر نفسها مرة تلو الأخرى. الأمر منهك بشكل يفوق الوصف وقد يبدو وكأن المعني بلا حيلة ولا يمكنه القيام بأي شيء لمنع عقله من تذكر ما حصل.. كل ما يحتاج إليه الشخص هو مصدر للإلهاء.. حين تجد نفسك تتذكر الحادثة مجدداً قم بأي عمل يكسر الإيقاع، استمع إلى الموسيقى، اتصل بصديق أو قم بنزهة أو بأي نشاط من شأنه أن يمنعك من إعادة اختبار الصدمة مرة تلو الأخرى.