الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فوق النّخل... صورة أمتع بقلم: الواثق طه

2018-03-19 07:41:30 PM
فوق النّخل... صورة أمتع
بقلم: الواثق طه
واثق طه

النصُّ بناءٌ ينساب بالأفكارِ المتشكلة من خيالٍ كاتبٍ أو قائلٍ أحسّ وتصوّرَ فأخرجَ ما نتلقّفه بالاستمتاع، والتذوقِ، والنقدِ والبحث في أسبابِ الكاتب، وظروفِ نصّه، وما يرنو إليه... هذا ما يمكن أن يُقال عنه دورة حياة النصّ، وبشكل أكثر تخصيصًا، النصّ الجيد... تلك الدورة التي يتوقف فيها دور الكاتب منذ أطلق النصّ إلى فضاء القراءة، ليترك لنا فرصة الاختلاف والتأويل.

النصّ تركيبة تقدمُ بلا إرشاداتٍ، بلا قاموسَ أو دليل استخدامٍ يُفشي أسرارَ الكاتبِ فيه، ليُحيل المُتسائلَ إلى محاولة الإجابةِ، بالتنقيبِ في الدلالاتِ والصورِ والرموز، هكذا يكون كلّ نصّ بارعًا في تثبيت نفسه في خيالِ القارئين.

والأغنياتُ نصوصٌ، صورٌ، لوحاتٌ تُجيد أو تفشل في التعبير عن نفسها، وطالما هي كذلك، ينجحُ كثيرٌ منها في إحداث الجلبة حولها كما في أغنية "فوق النخل".. تلك التي قيل في مطلعها إنه "فوق إلنا خل"... ليخطّئ أنصارُ كلّ رأي أنصارَ الرأي الآخر في فهم الأغنية، ولكن، لمَ يُقالُ أخطا الآخرون والمُغنّون في فهم الأغنية فالصواب كذا؟ إنّ التخطيء في تذوق الأدبِ حصرٌ لفضاءاته، وإقصاءٌ لروّاده، واحتكارٌ لجَنباته. لا أعتقد أنّ الأغنية مطلعها "فوق إلنا خل" ولا أعتقدُ أنّ الحديث هنا يدور عن بيت بطابقين يغازل في أولهما شاعرٌ محبوبةً تقطن في ثانيهما، لا تقنعني هذه الفكرة لأسباب كثيرة... وإن كانت تحمل من منطق الطرح.

الخِلّ هو الصديق المقرّب، ولا حُبّ يضع المحبوبة في خانة يوصف فيها الصديق، لا حُبّ يحيلُ الغزل والرومانسية إلى الوصف بالصداقة في سياقٍ من تأمّلٍ في جمال المحبوبة، الخلّ هنا كسرٌ وشذوذ في انسياب الحبّ من صدر قائل القصيدة، خلطٌ لن يليق ولكن، ماذا إن كان المطلع "فوق النخل"؟

لنعُد إلى الكلمات الأولى في هذه الأغنية، "فوق النخل.. مدري لمع خده، مدري القمر فوق"... ما الصورة التي تُحكى هنا؟ أخالني أجدُ من يعيش في بلد النخيل، ينظر إلى السماء إلى حيث يلوح القمرُ فوقَ الأشجار، ليتساءل متغزّلا بغرض الغزل بالمحبوبة: أهذا القمر أم خدّ محبوبتي يلوح فوق النخيل"...

إنها لوحة غزلٍ كاملة، رفع فيها القائلُ محبوبته وأعلى شأنها مكانًا وجمالا إلى منزلة القمر المضيء المستدير فوق نخيل يرنو بناظريه إلى ما يلوح فوقه، بدأ بالنخيل لنصعد بالنظر إلى ما يعلوه، القمرُ الذي رآه خدّ محبوبته يلمع في السماء، هي حالة من الوجدِ والشوق والوله جاءت في صورةٍ كاملةٍ تروقُ لي، وتحلو، ويلوح فيها أثرُ المكان في القصيدة مانحًا صورة أمتع من خلّ يقطن طابقا أعلى.

النصّ في جادّة النقدِ تأويلٌ طويل، يُترك للقارئ في خلاصته أن يتذوقّ كيفما يحلو له، وكيفما تقترب الصورة في خياله به صوبَ الاستمتاع والشعور الأمثل للإبداع... هكذا يكون النصّ في جادة التأويلِ، صوابًا كّلّما نقبنا في معانيه واستخرجنا منها ما يدفع للمتعة.