الأربعاء  08 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ثلاث غرائز هي سرّ الحياة، وسرّ تطورها

2014-06-10 00:00:00
ثلاث غرائز هي سرّ الحياة، وسرّ تطورها
صورة ارشيفية

من النافذة

بقلم عبد الفتاح القلقيلي

سميت الغرائز بالغرائز لأنها صفات “مغروزة” بشدة في الإنسان، ولذلك هي جزء من طبيعته وبنائه. غالباً ما ينظر الناس، وخاصة المتدينين منهم، إلى الغرائز نظرة سلبية، ولكنني من نافذتي هذه سأنظر إليها بموضوعية:

الإنسان مجموعة من الغرائز، ومن وظائف العقل أن ينظم علاقاتها وظهورها وكتمانها. بعض هذه الغرائز مذموم وبعضها ممدوح، وهنالك ثلاث غرائز مذمومة، ولكنها سر الحياة وتطورها، وربما هنا يحسن أن نردد قوله تعالى في الآية 216 من سورة البقرة: “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم...”، خاصة أن الآية جاءت في سياق فرض القتال.

الغرائز الثلاث التي أقصدها هي: الغريزة الجنسية، وغريزة الخوف من الموت، وغريزة حب التفوق.

الغريزة الأولى، الغريزة الجنسية: يطلق عليها البعض الغريزة الحيوانية إمعاناً في ذمها وتحقيرها، وغالباً ما يجتهد المربون والمسؤولون بإدانتها والنهي عنها، وتهديد من يتجاوب معها، مع أنها هي عامل الإخصاب، فبدونها ينقطع النسل، وتخلوا الأرض من الأحياء عليها، من الحيوانات والناس، ولذلك جاءت القوانين والأعراف لا لتهاجمها، بل لتنظم تفعيلها.

الغريزة الثانية، غريزة الخوف من الموت، أو غريزة حب الحياة: هي من الغرائز المذمومة في الثقافات عموماً، وفي الثقافة العربية خصوصاً، وعند الناس عموماً، وعند الرجال خصوصاً، باعتبارها جبناً يخجل منه الرجال لأنه، وحسب الأعراف الاجتماعية في الشرق والغرب، ينقص من رجولتهم، وبذلك يكون النقيض، أي الشجاعة، صفة حميدة.

يقول الشاعر العربي القديم مخاطباً نفسه:

أقول لها وقد طارت شعاعاً     من الأبطال، ويحك لم تراعي؟

فصبراً في مجال الموت صبراً     فما نيل الخلود بمستطاع

فإنك لوسألت بقاء يوم       على الأجل الذي لك لن تطاعي

أما الشاعر العربي الحديث فقال:

سأحمل روحي على راحتي     وألقي بها في مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق     وإما ممات يغيظ العدى 

وحكاية الـ “ممات الذي يغيظ العدى” فيها قمة البلاغة، وعمق التحليل النفسي، فالعدو لا يريد قتلك، وإنما يريد الهيمنة عليك، فإذا هربت أو رضخت، تكون قد أدخلت السرور إلى قلبه وحققت أهدافه، أما إذا استشهدت، تكون قد أغظته لأنك حرمته من الهيمنة عليك، والرضوخ له.

وأما الشاعر العربي الأحدث فيقول:

على هذه الأرض ما يستحق الحياة!

وسرى قوله هذا مسرى الأمثال والحكم التي يرددها الفلسطينيون جميعاً: من في السلطة، ومن في المعارضة، الحكام والمحكومون، المدنيون والعسكريون، وإن كان بعضهم قد عدل في النصّ ليكون: سنجعل حياتنا تستحق أن تعاش!

ومن نافذتي أعتز بالشاعر العربي القديم والحديث، ولكنني أتجاوب مع الشاعر العربي الأحدث، لأن النظرة الموضوعية ترى أنه إن كانت الغريزة الجنسية منبع وجود الإنسان، فإن غريزة الخوف وحب الحياة هي طريق بقائه، ووجود الناس جميعاً على هذه الأرض هو أحد ثمار غريزة حب الحياة والخوف من الموت.

وفي أشهر الروايات الروسية “الرعب والجرأة” للروائي الكسندر بيك، يسأل القائد جنوده في ساحة المعركة: ما هو واجبكم؟

فيجيب الجنود كما العادة في الجيوش: “واجبنا أن نقاتل العدو حتى نستشهد دفاعاً عن وطننا”، ويردّ القائد قائلاً: “بل واجبكم أن تقاتلوا حتى النصر، وألا تتيحوا لعدوكم الفرصة لقتلكم”. وقد قال الشاعر ناظم حكمت: “اقهر عدوك بأن تعيش يوماً آخر”.

الغريزة الثالثة، غريزة حب التفوّق: هذه الغريزة مذمومة وممدوحة في ذات الوقت. ممدوحة عندما تسمى طموحاً، ومذمومة عندما تسمى أنانية، ولكنها في كل الحالات أهم عامل من عوامل تطور الحياة، وكل الأنظمة، السماوية منها والوضعية، وضعت شرائع وقوانين لتشجع التنافس وتحميه من الانحراف (كالاحتكار)، ومن الاستبداد والطغيان.