الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

على عتبة المخيم.. جسد احترق بالملتوف ورأس فجرّه الرصاص قبل الوصية

2019-02-16 07:40:06 AM
على عتبة المخيم.. جسد احترق بالملتوف ورأس فجرّه الرصاص قبل الوصية

الحدث ــ لينا خطاب

"كان الجنود يشعرون بالنشوة عندما أوقفوا إطلاق النار اتجاهنا، فقد سمعت أصوات ضحكاتهم، عندما أوقفوا الجولة الأولى من إطلاق النار علينا و أخذوا يبدلون مخازن السلاح من جديد استعدادا للجولة الثانية. كنت ممددا على الأرض بعد إصابتي بالقرب من السيارة، وكان ابن عمي   بداخل السيارة مصاب، وسقط أحد أصدقائي بعدإصابته بطلق ناري و أغمي عليه وفي يده زجاجة ملتوف مشتعلة أشعلت جسده".

يروي الجريح موسى نخلة لصحيفة الحدث ما يمكن تسميتها بليلة الموت الجماعي لأبناء المخيم، فيقول: "شعرت أن شيئا ما سيحصل لنا قبل خروجنا من المخيم، وحتى اللحظة لا أجد تفسيرا لهذا الشعور، كنت أشعر فعلا قبل الخروج من المخيم بأن هناك شيئ ما سيحصل، كانت قدماي تعيدني عشر خطوات كلما تقدمت خطوة ، وتسارعت دقات قلبي لوماً ولم تهدأ، وحاولت إقناع من كانوا معي بأن لا نخرج من المخيم فقط لهذه المرة، لكنهم أصروا على قرارهم وخطتهم".

وأضاف: "نحن أربعة أصدقاء منذ مرحلة المدرسة.. نقضي جميع أوقاتنا مع بعضنا البعض، في الصفوف وما بينها، وفي ساحات المدرسة، وفي زقاق المخيم، كانت علاقة أخوة أكثر من كونها علاقة صداقة، لأننا تعرضنا لمواقف كثيرة خطيرة صنعت الثقة والمحية بيننا".

وتابع: "كان ابن عمي يصرخ بوجهي من داخل السيارة هيا امسك يدي لن نتركك وحدك، ورددت عليه من خارج السيارة أنا استشهدت.. أنا استشهدت.. إذهبوا و أنقذوا أنفسكم، فقد كنت مصابا بصلية من الرصاص ونزفت كثيرا، وفعلا كنت أريد أن يذهبوا بدوني، فأنا في طريقي للشهادة، أما هم فمن الممكن إنقاذ حياتهم".

واستكمل نخلة: "بعد هدوء دام لدقيقة أو أقل  بدأت جولة أخرى من إطلاق النار على أجسادنا وعلى السيارة، وقف خمسة جنود على مسافة قريبة مني، كنت أراهم بكل تفاصيلهم الحاقدة،  رأيتهم وهم  يتناوبون في إطلاق النار على أجسادنا، ومن  ثم اقترب أحدهم من جسدي و أطلق  عدد من الرصاصات نحو صدري، كنت لا أرى غير الدم و أجزاءا من جسمي تتطاير، وفقدت الاحساس بالجزء الأسفل من جسدي، كنت أظن بأن قد تم قطع أرجلي لكثرة الرصاص الذي أطلق".

وأردف: "لكن ما تعاهدنا عليه قبل وصولنا إلى هناك، بأنه لن يترك أحدنا الأخر حتى و إن استشهد، أو أصيب، أو مهما كان السبب، وكنا قد اتفقنا بأن لا نترك بعضنا، موتنا واحد، وحياتنا واحدة، وفعلا لم يتوقف ابن عمي عن محاولاته في سحبي إلى السيارة  وفي آخر محاولة أستطاع فعل ذلك، لكن بقي جزء مني خارج السيارة، ولم أفكر طويلا بالأجزاء التي تطايرت من جسدي، أو بنصفي الآخر الذي لا أشعر به، ففي لحظات الموت تبدو الحياة هينة جدا، وكان كل همي بأن ينجو أصدقائي".

ويضيف نخلة:  "كان صديقي الذي يقود السيارة مصاب وأغمي عليه أكثر من مرة، وكان يضع السيارة على عيار التوقف  ولم يستطع تحريكها من كثرة التوتر وعدم قدرته على التركيز ، كنا نصرخ عليه بأن يحاول ويحاول، إلى أن استطاع إعادة تشغيل السيارة وحركها، لكن ببطئ.. وهنا بدأ الجنود لعبتهم بسحبي إلى خارج السيارة، و أخذ ابن عمي يشدني نحو السيارة.. هم يدركون بأن حركتنا كانت شبه مشلولة، لكن كانوا قد اتخذوا القرار بتصفيتنا ببطئ، تركوا السيارة تمشي،  كان صديقي في الأمام يصرخ انطقوا الشهادة انطقوا الشهادة".

وعن لحظاته الأخيرة مع ابن عمه، يقول نخلة: "ظننت عندما تحركت السيارة بأنها النهاية، سأعود إلى المخيم شهيدا على أكتاف من كانوا معي، وكنت في تلك اللحظات أشاهد شريط حياتي أمامي، رأيت تفاصيلها منذ الصغر، مرت أمامي ذكريات لم أفكر بها يوما، فاقترب ابن عمي مني وهمس في أذني ما هي وصيتك الأخيرة، قلت له: وصيتي، بأن لا يقولوا  عني قيادي في فصيل معين، و بأن يكفنوني فقط بعلم فلسطين، وبدأ هو أيضا يتلوا لي وصيته،  وفجأة قطعت رصاصة من البرج العسكري حديثه بعد أن أصابت رأسه وأخرى أصابت ظهري، وسقط  على جسدي..  وهذا كان آخر عناق بيننا ".

 ويختم الجريح نخلة، بالقول: "استفقت عندما اصطدمت السيارة بساتر ترابي أمام المخيم، كانت حركتي مشلولة، وأنفاسي متقطعة، كنت أستطيع سماع صراخات شباب المخيم وهم يحاولن انتشالنا، سمعتهم يتلون أسماء من كانوا، شهيدا شهيدا، وسمعت أحد الشباب وهو يخبر أخي بأنني قد استشهدت، حاولت أن أحرك أي شيئ من جسدي، وحاولت الصراخ ، لكي يلاحظوا أنني على قيد الحياة، لكن لم أستطع.....".

المجزرة التي يتحدث عنها موسى، كانت قد وقعت في آذار من العام 2017، وقتلت "إسرائيل" فيها فتى فلسطينيا وأصابت ثلاثة، كان من بينهم موسى، الذي يكمل تعلميه الجامعي اليوم من على مقعده المتحرك.