السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عشر ملاحظات على قضية د. نشأت الأقطش وموضوع التطبيع... كتب: أحمد زكارنة

2019-02-20 06:30:41 PM
عشر ملاحظات على قضية د. نشأت الأقطش وموضوع التطبيع...
كتب: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

بعيداً عن تَعيِير المواقف بالمعيار العاطفي في القضايا العامة والوطنية، ودون الانزلاق في إصدار الأحكام على الآخرين، وبما أن قياسات قضية التطبيع هي قياسات فضفاضة تتسع لكل اجتهاد محمل من هنا وهناك، وكي لا نُحمّل الأفكار وزر الأفعال، وكي يصبح قول الحقيقة عملاً ثوريًّا بحسب مقولة "جورج أورويل"

سأحاول هنا الوقوف أمام عدة نقاط تناولها الدكتور نشأت الأقطش في حواره مع أحد أوجه اليمين الصهيوني المتشدد المدعو "أيدي كوهين" على شاشة قناة الجزيرة. خاصة وأن ما تطرق له الدكتور يحمل الكثير من الدلالات السياسية المركبة والخطرة في آن.

1-      في القول إن منظمة التحرير لا تمثل سوى (20-30 %) مغالطة معيارية صريحة كون الدكتور اعتمد على نتائج الانتخابات التشريعية في العام 2006، ومن المعروف أن أية عملية انتخابية تجري في قطاع غزة والضفة الغربية هي بالأصل تجري على ما نسبته 30٪ من تعداد الشعب الفلسطيني المنتشر حول العالم في الشتات. فهل نقول: إن هذه النسبة هي من تمثل الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه؟

2-      حول نفس النقطة يدور الحديث حينما نشير إلى أن من يمارس حق الانتخاب هي شريحة لا تتجاوز 60 ٪ ممن يحق لهم الانتخاب في أحسن الأحوال، خاصة في بلادنا، فكيف ندّعي أن النسبة المؤيدة لفصائل المنظمة ممن مارس حق الانتخاب هي نسبة من يعتبرها أي "المنظمة" الممثل الشرعي والوحيد للكيانية الفلسطينية؟

3-      لا يصح ولا يستقيم من شخص نخبوي وأكاديمي درس العلوم السياسية ويترأس كلية الإعلام في جامعة مرموقة كما هي جامعة بيرزيت، أن يغفل الربط ما بين الواقع والرمز، فالكيانية الفلسطينية الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية كانت ولا تزال الرمز الذي يمثل الفلسطيني أينما وجد، وإن لم يشارك هذا الفلسطيني في ممارسة حق اختيار من يمثله في هذه الكيانية، وهذا لا ينتقص من وضعها ومكانتها، وإنما يأخذنا لفكرة أن الواقع بالضرورة هو أمر لا يتطابق بالكلية مع الرمز. فلا يمكن أن نضرب الواقع بالرمز أو العكس. وهو ما يدعو إلى ضرورة إصلاح المنظمة لا إلى القفز عنها.

4-      في القول: "إن منظمة التحرير لا تمثل سوى (20-30 %) "، ومن جهة تحليل المضمون، إشارات سياسية خطيرة، يمكن تفسيرها بأن على المعنيين سواء في دولة الاحتلال أو حلفائها حول العالم البدء في العمل مع أجساد موازية لكيانية المنظمة على اعتبار ما تفضل به الدكتور نشأت مؤكدا أنها لا تمثل حتى ثلث الشعب الفلسطيني، فرصة وجب توظيفها.

5-      نسي أو تناسى الدكتور نشأت بأن الأجساد الكيانية كمنظمة التحرير هي تعبير أصيل عن الوطنية الفلسطينية، التي لا يجب التنازل عنها في ظل الهجمة الممنهجة على الوجود الفلسطيني منذ عملية التطهير الأولى في العام 1948 وبالتالي جدير بالأكاديمي النخبوي أن يكون الدرع الحامي للمحافظة على هذه الكيانية بشتى الطرق الممكنة وغير الممكنة لا عرضها للمزاد العلني، علما بأن المطالبة بالحفاظ عليها لا تعني غض الطرف على ضرورة إصلاحها.

6-      لا يمكن القبول بفكرة نقد الأفعال والقيام بمثلها، ففي أمر قبول الحوار مع صهيوني محتل ضمن "برنامج إعلامي سياسي" فعل تطبيعي صريح لم يفوت الدكتور نشأت فرصة إلا وشن الهجوم علي من يمارسه في الكثير من الحوارات التي كان ضيفا عليها على نفس شاشة قناة الجزيرة التي تمارس كافة أفعال الفحش الإعلامي حينما تقدم للجمهور العربي رواية المحتل مغلفة بمغلف الحوار الإعلامي.

7-      التعبيرات التي ركن إليها الدكتور نشأت لتشريح الحالة الفلسطينية خلال حواره مع أحد سارقي تاريخه وأرضه هي نفسها التعبيرات التي أتاحت وتتيح للأخير مناقشة الوجود الصهيوني في بلادنا... فما نقده الدكتور نشأت في سياسة النظام العربي عبر تماهي هذا النظام الذي أدى إلى ترسيخ وجود المحتل على الأرض الفلسطينية، وكذا فعل مستضيفه فيصل القاسم حول متاجرة النظام الإيراني بالقضية الفلسطينية، فعله الأول بموافقته الأساسية في حوار المحتل، والثاني في فتح نوافذ برنامجه لتطل منها رواية هذا المحتل.

8-      الدكتور نشأت الأقطش ومن خلال معرفتي الشخصية به، وتأكيده هو لي ولغيري، كان أحد إفرازات المنتج الإخواني في النصف الأخير من القرن الماضي، وهو بهذه الصفة ينتمى فكريا لتيار بعينه حتى وإن لم ينتمي إليه بشكل معلن وصريح، علما بأن للرجل ملاحظات على حركة حماس من جهة الممارسات لا من جهة الأفكار والفرق هنا شاسع ولا يعني بأنه لا ينتمي لهذا التيار الفكري. وبالتالي فإن مواقفه من منظمة التحرير هي مواقف راسخة وقديمة ليست وليدة اللحظة، وإنما هي مواقف متراكمة منذ لحظة انتمائه الأول.

9-      تحدث الدكتور نشأت في توضيحه على صفحته الشخصية على الفيس بوك، عن معايير لجنة المقاطعة الاكاديمية والثقافية لإسرائيل ومقاومة التطبيع في جامعة بيرزيت بأنه يتمثل في الاقتباس التالي: "التطبيع يعني المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط محلي أو دولي مصمم خصيصاً للجمع بين فلسطينيين أو عرب وبين إسرائيليين"... السؤال هنا للدكتور نشأت وأنصاره: ألا تعتقدون بأن إدارة حوار مع يميني مستوطن هو فعل مشاركة فعلية وحقيقة ومباشرة مع المحتل في نشاط إعلامي؟

10-    الدكتور نشأت ليس محاضرا عاديا في جامعة بيرزيت، ولكنه رئيسا لدائرة الإعلام فيها، وهذا يعني أنه كادرا جامعيا لا يمثل نفسه وفقط، وإنما أيضا يمثل الجامعة بشكل أو بآخر، وعليه فإن الجامعة مسؤولة مسؤولية مباشرة وغير مباشرة عن أفعال أحد كوادرها الأكاديمية الفعالة. وهو ما دفع طلاب الجامعة للاعتراض ومطالبة إدارة الجامعة اتخاذ موقف واضح لا لبس فيه. فهل سيكون لإدارة الجامعة موقف مما حدث على هذا الصعيد؟

أخيراً وبالرغم مما ذكر أعلاه، لست من أنصار تخوين الآخر لمجرد الاختلاف معه سواء على المستوى الفكري أو الحزبي، فلا يستقيم أن نرفع أصواتنا عالية باتجاه المطالبة بالحريات، ولا نتحمل أوزار فعلها من الآخر المختلف معه. وهو ما دفعني لكتابة هذه الملاحظات بالرغم من علاقتي الطيبة من شخص الدكتور نشأت.

وختاماً أهمس في أذن الدكتور نشأت قائلا: من الطبيعي، بل ومن الشرعي أن تؤمن الشعوب بمقولة المقاومة حدّ تلاوة آياتها، كونها آية حق شرعي لأي شعب محتل، ولكن الأمر غير الطبيعي أن تصبح المقاومة مجرد جغرافية صوتية لشعارات لا تقرن القول بالفعل. وأنت محسوباً بأكثر من تعبير على جهة المقاومة.