الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السر في انتصارات هبات المقدسيين

2019-02-25 05:04:43 AM
السر في انتصارات هبات المقدسيين
مواجهات باب الرحمة في القدس المحتلة (تصوير: الحدث)

 

الحدث- إبراهيم أبوصفية

في الثامن عشر من فبراير/ شباط الماضي، تمكن المقدسيون من إزالة الأقفال والسلاسل الحديدية التي وضعها الاحتلال على الباب الذي يؤدي إلى منطقة باب الرحمة، متصديّنَ بذلك لمحاولات الاحتلال تغيير الوضع القائم في هذه المنطقة، وسعيه المستمر لاقتطاعها بهدف تجسيد التقسيم المكاني، وتحقيق حلم المستوطنين المتدينين في بناء كنيس في المنطقة الشرقية للمسجد الأقصى.

وأظهرت المشاهد التي خرجت من المكان، عظم التجاوب المقدسي مع الهبة الجماهيرية الشعبية في التصدي للمخطط الإسرائيلي في باب الرحمة، ولعلّ هذا التجاوب هو الإجابة المنطقية لانتصارات المقدسيين على كل مخطط إسرائيلي يحاك ضد القدس، ففي السنوات الأخيرة، استطاع المقدسيون إفشال مخططات أساسية استهدفت القدس والمسجد الأقصى، بدءا من إفشال التقسيم الزماني الذي يحاول الاحتلال تجسيده من خلال فتح الأبواب صباحا أمام المستوطنيين في مقابل إغلاقها أمام الفلسطينيين المقدسيين، وكذلك ما حدث في هبة الأسباط عام 2017 عندما أقدم الاحتلال على وضع "البوابات الإلكترونية"، وإجبار الجماهير المقدسية الاحتلال على إزالة البوابات والكاميرات،  وانتهاء "بهبة باب الرحمة" الأخيرة وفتح القاعات المغلقة منذ 16 سنة، والتحدي القائم في كسر قرارا الاحتلال بشأن هذه المنطقة.

خيار التصدي في القدس بعيدا عن الفصائلية

وفي البحث عن سر انتصارات المقدسيين في السنوات الأخيرة، بيّن الإعلامي المقدسي عنان نجيب.أن تبني الجماهير لخيار التصدي لقوات الاحتلال ومخططاته بعيدا عن أي جهات سياسية تملي وجهات نظرها، وعدم وجود سلطة سياسية أو دينية أو عشائرية تسير فعل الجماهير لمصالحها أو تقيد قراراتها، يكسب هذه الهبات روح الإنتماء الحقيقي للقضية، حيث يصبح الفرد مسؤولا عن تحقيق ما يصبو إليه الرأي العام الجماهيري في القدس.

وأوضح نجيب لـ " الحدث" أن الفرد في القدس ينظر للقضايا المصيرية بعين الحدث وما يمليه عليه ضميره بعيدا عن انتمائه السياسي، فيكون هناك شبه وحدة حقيقية في الميدان، خصوصا في ظل شعور المقدسي تخلي الجميع عن قضيته.

وأضاف أن محاولات الالتفاف السابقة على مطالب الجماهير بحل سياسي يأتي ربما عن طريق النظام الأردني كونه الوصي على المقدسات، أو عن طريق السلطة الفلسطينية، راكم وعيا عند الجماهير مفاده أن أي تدخل للسلطات السياسية هو بمثابة خسارة للمعركة وفقدان للقضية، لذلك أصبحت الجماهير مؤمنة بذاتها.

وأشار إلى أن الخبرات المتراكمة منذ عام 2003 حتى يومنا هذا شكلت حالة نضج سياسي، ووعي فطري بكل محاولات الاحتلال ومخططاته في القدس.

ولفت نجيب إلى أن المقدسيين يقاومون على أكثر من جبهة، تكللت معظمها بالانتصار، مشيرا إلى هبة التعليم في مواجهة فرض المنهاج "الاسرائيلي" في مدارس القدس، إذ أن هناك مدارس جبل المكبر والعيساوية التي ترفض هذا المنهاج وقد نجحت في منع دخوله لمدارسهما.

لا يوجد ممثل للتفاوض معه

وقال نجيب إن الاحتلال فشل في مواجهة هذه الهبات، لأنه لا يوجد ممثل لها يمكنه التفاوض معه، ويدرك بأن هذه الهبات هي شعبية لا يستطيع مواجهتها. موضحا أن الاحتلال عندما  وضع السلاسل الحديدية التي لا يتجاوز سعرها " 20 شيقلا" ظن أنه حقق هدفه، إلا أن وعي الشبان المقدسي حطم هذه الأقفال وأحيى قضية مضى عليها 16 سنة بإعادة قاعات باب الرحمة المغلقة، وخسر الاحتلال كل ما خطط له منذ ذلك الحين إلى اليوم.

وأكد أن هذه الانتصارات ينظر إليها المقدسيون على أنها مستمرة، وأن هناك أهدافا أخرى يُخطط لها من قبل الشارع المقدسي، وهي وقف اقتحامات المستوطنيين للمسجد الأقصى، وطرد الشرطة " الإسرائيلية" عن أبوابه، وحرية الحركة في ساحات المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وترميم كل ما يحتاج ترميمه.

تراكم فعل التصدي

بدوره، قال مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في مدينة القدس زياد الحموري، إن الشارع المقدسي يدرك الخطر الوجودي علي حياته ومقدساته، وإن أي لحظة يغفل فيها عن مخططات الاحتلال ربما تفقدهم حياتهم، خصوصا أن هناك محاولات كبيرة في إعادة ما حدث عام 1948 من عملية تصفية لوجودهم، لذلك فإن هذا الخطر يحتم عليهم التصدي والإصرار في المواجهة.

وبين أن الخبرة المتراكمة على مدار سنوات الاحتلال، جسدت عند المقدسيين قوة حقيقية نابعة من ذواتهم، مشيرا للإضرابات التي كان يقودها المقدسيين خلال الانتفاضتين، وكذلك التصدي " للبوابات الإلكترونية" وصولا لهبة باب الرحمة، معتبرا أن هذا التراكم من الفعل جسد تكاتف حقيقي لإفشال أي مخطط " إسرائيلي".

وأشار إلى أن الاحتلال يدرك جيدا أن هذه الأحداث شكلت حالة احتقان داخلي، وأن ممارساته المستمرة في خنق الشارع المقدسي، تحضر لانتفاضة شاملة حقيقية، فهو يحاول إخماد هذه الانتفاضة لعدم معرفته إلى أي حد ممكن أن تصل الأمور، لذلك عندما يخلق وقائع على الأرض ويصطدم بواقع ضاغط، فإنه يتراجع حتى لا تنفجر الأوضاع  وتُنسف كل الوقائع التي أوجدها.

التنوع السياسي والاجتماعي والديني

وفي ذات السياق قال الكاتب  والمحلل السياسي والصحفي  المقدسي راسم عبيدات لـ " الحدث"، إن مشاركة الكل المقدسي بمركباته وأبعاده السياسية والاجتماعية والدينية، ووجود أهداف يراد تحقيقها من قبل الجماهير، جعل الاحتلال يتخوف من وجود هذه الحشودات الهائلة ويتراجع أمامها. 

وأشار إلى أن أي قضية تمس المعتقدات الدينية، فإن النصر فيها شبه حتمي، خاصة وأن التعاطف الجماهيري يصل لمرحلة التضحية بالنفس في هذه القضايا لأنها تمثل خطا أحمرا، وأن الاحتلال يخشى أن يصل لعودة انتفاضة تمس أمنه وحياة مستوطنيه، ويدرك أنها مواجهة خاسرة.