الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لكي لا يملّ البطل من دوره! بقلم: مهند ذويب

2019-03-21 07:56:39 PM
لكي لا يملّ البطل من دوره! 
بقلم: مهند ذويب
مهند ذويب

هَل يَخرجُ "البَطلُ" مِن أسمال الضّحية؟، هَل تخرجُ الضّحيّة من رداءِ "البَطل"؟، وهل نستطيعُ في غُمرة تيهنا تأصيلَ النّتائِج، وفهم مدخلاتِ هذه الحالة الغرائِبيّة، التي ستسمّى حينَ يُلتفتُ لها لاحقًا بـ "ما بعدَ بعد الفنتازيا"، وهَل "نثرُ القمح على رؤسِ الجِبال" استسلامٌ ضمنيّ لهذه الحالة، ومقاربةٌ غير صحيحة لأصلِ الجملة، نفرحُ من بعيد، ونبتسم عاجزين جماعيًا عن تحديد ما نُريد، فما أن يطلّ "البطل" برأسه حتّى تصطفّ مخاوفنا في الشّوارع الصامتة: "الطّفل المتكوّم في خاصرة الغرفة، المنزلِ، والأشياء/القلائِد التي تحني منّا الظّهر والعزائم أيضًا"، نغرقُ في وحل مخاوفنا، ولأنّ الشارع مزدحمٌ لا نجدَ مهربًا منّا، نتذكّر درويش: "ماذا يفعل البطل حينَ يملّ من دوره؟"، هل من المُجدي محاولة تَفكيك فكرة البطولة؟، بكلّ الأحوال ظهرت البطولة لأوّل مرّة في الأساطير القديمة، وتحديدًا اليونانية، فكانوا يعبدون الأبطال، ويعتبرونهم رموزًا لقوى خفية مجهولة، وبدأت فكرة البطل بالظهور اجتماعيًّا، وسياسيًّا، ودينيًّا؛ لأنَّ المجتمع يحتاج إلى من يقود، فالبطل لا بدَّ أن يأخذ بيد مجتمعه؛ لينطمه، ويقوده في الحروب إلى النَّصر، وهذه البطولة أفرزت الخارق في كلِّ عصر من العصور، فولدت الأسطورة التِّي ارتبطت بالبطولة، وجاءتا -أي الأسطورة والبطولة- كمحاولة لتفسير الظواهر الطبيعية، وفهم الكون، والإرادة، التّسيير، والموت، ليتشكل لدينا فيما بعد من الأسطورة مرجعًا دينيًّا، وروحيًّا، يحمل تساؤلات الإنسان ومحاولاته للإجابة، وكانت تظهر في البطولة الصِّفات المثالية والكماليًّة.

وكان الأبطال في الأساطير القديمة آله أو أنصاف آله، تأتي ولادتهم نتيجة علاقة غير مشروعه بين إله وابنته، أو أخته، وغالِبًا ما تأتي من ولادة غير طبيعيَّة، فينبثق البطل من جسد الإله، كولادة إثنة من رأس زيوس، وكان لتلك الصورة المثالية التِّي تولد من تعانق المخلوق بالخالق دور في تحليل أرسطو لبناء الشخصيَّة، إذ حَصَر ذلكَ في عَناصِر أربعة لا بُد مِن توافرها في البطل، وهي: اتّصاف الشّخصية بالسمو، التّوافق بين الشّخصيّة وصفاتها الفِطريّة، التماثُل بينَ ما تَقوله الشّخصية وما تَفعله، والتّناسق في بنائِها.

تَطورت البطولة بعدَ ذلك، لتتسم بالذاتيَّة، بمعنى أنَّ قدرات البطل أصبحت نابعة من ذاته، وليس من القوى الخارقة، وظهر هذا في الآداب الشَّعبيَّة عند العرب، لكن معظم الأبطال في الحكايات الشعبية كانوا يعانون من عيوب خلْقية، رغم أنَّهم امتلكوا كمال الصفات النفسيَّة، فكان منهم الأعور، والأعرج، وجاءت هذه الرؤية في تشكيل البطولة الجديدة من المقولة الشعبية المشهورة التِّي تقول: "إنّ الإنسان الكامل لديه من الدَّوافع الخاصَّة ما يؤهله ليكون بَطلًا، أمَّا الإنسان الناقص فتظل حاجته أكبر لبطولة تظهره، مما يخلق لديه قدرات خارقة تضعه في مصاف الأبطال".

ربّما لا يهمّ كلّ هذا أمام ما يُمكن أن يطلق عليه "بطولة اللابطولة"، وأن يصبحَ تلاشي شخصيّة البطل/قدسيّته/مفهومه أمرًا محتّمًا، أو أمرًا ظاهرًا، في ظلّ تحوّل مفهومات البُطولة، أو على الأقل عدم الإجماع على فكرة "البطل المقاوم" كثيمة مشتركة في المشهد الفلسطيني.

التّشويه الذي تُمارسه الأحزاب ضدّ البطولة كمفهوم ودلالة ساهم أيضًا في توتّر صورة البطل، حماس التي تمارس أبشع أنواع القمع ضدّ المواطنين العزّل في غزّة كسرت مفهوم البطولة/البطل المقاوم تمامًا، هي نفسها حماس التي جوّعت الشّعب بحجّة المقاومة، وساهمت في توجيهه نحو السّياج الفاصل، وحمّلته ثقل ثلاثة حروبٍ أطاحت به، تحت مانشيت ضخم "المقاومة"، وكلاشيه أضخم: "غزّة المحررّة"، ثمّ قمعته في الشّوارع بلا أيّة اعتبارات لتضحيات 12 عامًا ذاق فيها كلّ مرارات الجواع والفقد والاحتلال، وإنّني لأستغرب أيضًا من المستهجنين لقمع حماس لهذه المسيرات السّلميّة، فحماس لم تدخًل غزّة بالورد، إنّما بالدّم والسّلاح، وحماس التي بُني فكرها على الإقصاء والتّكفير وشيطنة الآخر لها تجارب فرديّة فظيعة في القمع والتّكفير، فقد سقط القناع تمامًا منذ سنواتٍ عدّة.

إنّ صورة البطل الإشكاليّة تعتلي المشهد، وتعتلي حالة العَجز، وضياع القرار فرديًا وجماعيًا، لكنّ هذا لم يَمنع استمرار العمليّات الفرديّة، هذه الحالة التي لا يُمكن السّيطرة عليها، التنبّؤ بها، تمامًا كما لا يُمكن تبنيها من أي فصيل، في ظلّ عجزه عَن توفير ملجأ على الأقلّ "وذلك أضعف الإيمان"؛ لأجل هذا كلّه، ولأجل "أحمد الزّعتر، المنسيّ بين فراشتين، أحمد الكونيّ: اندلاع ظهيرة حاسِم، الولد المكرّس للنّدى، المقاوم، الذاهبُ في الحصار، المكتمل في الأسئلة"، ولأجل أن لا يملّ البطل من دوره، وفرديّته، آخر "ما تبقّى لنا"، ولأجلِ الفرحِ الخجول المخبّأ في المخاوف، ولأجل النّبض "بيروت لا".