السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"الأسيرة إسراء جعابيص وقرار الزواج"... بقلم: سماح خليفة/ فلسطين

2019-04-03 11:37:06 AM

 

لا أعتقد أن المرأة أكثر وفاءً لزوجها؛ بل هي أكثر وفاءً لأمومتها، لأبنائها، أكثر وفاءً لآلامها التي كابدتها خلال تسعة شهور وما تلاها، لتحتفظ لهم بأسرة طبيعية يكللها وجود الأب والأم ما داموا أحياء، ولا أعتقد أيضا أن وفاءها خاضع لخيارها مئة بالمئة بل خاضع لفطرتها التي فطرت عليها، لِكم الحنان والحب والرحمة التي حباها الله بها.

أن تحتفظ الأم بوالد أبنائها بجميع حالاته وبصورة لائقة هو أهم خياراتها، حتى ينمو أطفالها عاطفيا ووجدانيا نموا سليما، فتحتمل وتنتظر وتمنح طيلة حياتها من أجل تحقيق هذا الهدف، أما الرجل ولا أعلم أيضا إن كان ذلك يُعزى لفطرته أم لا حتى لا نظلمه، فالهدف الأول تحقيق سعادته، وحتى حرصه على سعادة زوجته يكون من أجل الحرص على تحقيق سعادته كتحصيل حاصل، على عكس المرأة فهي إن حرصت على سعادة الزوج فهو للزوج نفسه وإن حرصت على سعادة الأبناء فهو للأبناء أنفسهم، تمنح لترسم الابتسامة والسعادة على وجوههم حتى لو كانت تتألم من داخلها، حتى لو كانت مرهقة، مستنزفة، منكسرة...

"مذكرة تبليغ زواج ثاني صادرة عن محكمة أريحا الشرعية:

إلى الزوجة إسراء رياض جميل جعباص من القدس ومعتقلة لدى السجون الإسرائيلية أبلغك بأن زوجك......يرغب بالزواج من إحدى الفتيات المسلمات وعليه صار تبليغك......"

هل وقع هذا الخبر على إسراء جعابيص وبهذه الطريقة اللاإنسانية عبر إعلان عام في الجريدة كان أكثر إيلاما من حجم الألم والظلم الذي ترزح تحته الآن على أيدي جلادها؟ هل كان أكثر قسوة من ظروف اضطرتها لأن تحمل أغراضها في سيارتها بما فيها أنبوبة غاز لتنفجر وتحترق بها وتشوهها وتحاكم أيضا على الألم والوجع والقهر الذي أحل بها؟! ربما نعم وربما لا، في الحالتين لا خيار أمامك يا إسراء إلا التشبث بالأمل، والتركيز على الخرم الصغير هناك في أقصى الزاوية من جدار الصبر، ذاك الخرم الذي يسرب إليك أشعة الشمس ويُسري في عروقك دفء الحياة.

في الحقيقة مواقف البعض (الرافضة) من قرار الزوج بالزواج بثانية خلال تواجد زوجته المكلومة في السجن ليس هو المصاب الجلل بقدر الآلية في الإشهار بقرار الزوج بالاستغناء عن زوجته المتضررة نفسيا وجسديا وغيابها في سجون الاحتلال!!

البعض الآخر يتخذ موقف الدفاع بقوله: زوجها مقعد وبحاجة إلى من يعتني به، وطبعا هذه العناية لا يمكن أن تتوفر إلا من قبل زوجة ثانية!! وأما بالنسبة لإسراء فربما هي تقضي وقتها في فندق 5 نجوم وليست بحاجة إلى التضامن ولو حتى المعنوي الإنساني من قبل زوجها!

وأما بالنسبة لرأي البعض بأنها: شؤون خاصة بالعائلة، أستغرب كيف تكون شؤون خاصة والقرار موجود على صفحة جريدة عامة؟!

اعتقلت إسراء بعد حادثة الحرق في تشرين أول من عام 2015، تستمر محاكمتها سنة ليصدر قرار بسجنها أحد عشر عاما في 2016، وغرامة بقيمة 50 ألف شيقل، ثلاثة سنوات تقريبا مضت على غياب إسراء، فترة غياب لم يحتملها الزوج، فماذا عن الكم الذي احتملته وستحتمله إسراء؟!

لو لم تصب إسراء بهذا التشوه الخارجي، هل سيتخذ الزوج والعائلة هذا القرار بهذه السرعة؟ ماذا لو كان العكس؟ هل سيرحم المجتمع زوجة أسير من اتخاذ قرار الطلاق والزواج بغير زوجها وهو في هذه الحالة أم سيرجمها المجتمع وسيلعنها الأهل وكل من يعرفها؟!

زواج زوجك الآن هو رحمة لك يا إسراء، لأنه سيعفيك من رحلة التضحية للزوج الذي ستبدأ بعد خروجك من السجن، وهل سأخرج من السجن؟ نعم ستخرجين. وما فائدة خروجي بهذه الهيئة وهذا المنظر البشع؟ ستخرجين بقلبك وروحك الجميلة، سيخاف طفلي مني...بل سيحتضنك بكل الحب والشوق، ويكون قد تعلم العد على أصابعه حتى لا يرهقك بهذه المهمة...سيهرب مني الجميع...بل سيقترب منك الصادقون الأوفياء وهو اختبار العمر عزيزتي...

أتعلمين يا إسراء أنك ستجرين كل العمليات التي تحتاجينها قبل وبعد خروجك من السجن؟ نعم خروجك من السجن، أتعلمين أنك ستحتملين كل هذا الألم والعذاب الجسدي والنفسي؟ أتعلمين أنك ستصبحين أقوى؟ وستستعيدين مظهرك الجميل، لا ليعجب بك الآخرون، ويطمئنوا إليك، بل لتعجبي بنفسك وتحبي نفسك أكثر وأكثر وأكثر...ستؤسسين لعمل جديد، وستنهضين أكثر وأكثر، ستظلين نموذجا للمرأة الفلسطينية الصامدة القوية المتشبثة بحقها في الحياة، ستزورين زوجك لتقولي له: أنا حل منك ومن التضحية لأجلك، سأعيش لنفسي، لأعتني بها وأدللها وأمضي معها بكل ثقة، حرة خارج قيود السجن وخارج قيود التضحية.....شكرا لك...شكرا لأنك أعتقتني......