الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لا يمكن محاربة الإرهاب بروح انهزامية

2014-06-24 00:00:00
لا يمكن محاربة الإرهاب بروح انهزامية
صورة ارشيفية

بقلم: هارون يحيى- مفكر إسلامي تركي  - خاص بالحدث

قد يكون عدد كبير من السياسيين الأتراك لا يعلمون أنه بإمكاننا تعلم الكثير من خبرة وتجربة نيبال في محاربة الإرهاب، حيث أن تجربة هذا البلد مع الإرهاب مشابهة إلى حد كبير لتجربة تركيا.

بدأت تجربت نيبال مع الإرهاب عندما قام عدد قليل من الإرهابيين باللجوء إلى الجبال بعد انهيار الفكر الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، بدأ الإرهابيون فيما بعد بالذهاب إلى القرى والقيام بأعمالهم فيها، بالإضافة إلى الترويج للأفكار الشيوعية، وقد تمت مواجهة من لم يساند هذه الأفكار بالتهديد والتخويف تحت تهديد السلاح. قامت المؤسسة بعد ذلك بالتصعيد من أنشطتها، وبدأت تحظى بدعم كبير في القرى، كما بدأت بتأسيس مؤسسات شيوعية محلية في المناطق الريفية، وقد قامت هذه الجماعات بدعم الحزب الشيوعي الماوي، والذي كان يمثل الفرع القانوني لهذا الحزب. وفيما بعد، بدأت الحرب الأهلية بين القوات الحكومية ومقاتلي الحزب الشيوعي الماوي في نيبال، وامتدت من عام 1996 واستمرت حتى عام 2006.   

بعد ازدياد وتيرة العنف واتساع حلقة الصراع، بدأت المفاوضات بين الحزب الشيوعي الماوي في نيبال عام 2006، حيث بدأ قادة الحزب بالدخول في محادثات مباشرة مع الحكومة، وتلى هذه المفاوضات الإفراج عن المقاتلين مقابل وقف الاقتتال بين الطرفين؛ مباشرة بعد ذلك، بدأت عملية تشكيل حكومة ائتلافية لتشمل الحزب الشيوعي الماوي. وتبعاً لمطالب الحزب الشيوعي، تم تمرير قانون ليرسخ فكرة الجمهورية الفدرالية عن طريق البرلمان، وبالرغم من ذلك، قام الحزب الشيوعي بالتهديد بالانسحاب من الحكومة في حال عدم مرور عدد من القوانين التي أراد تطبيقها.

وقد جاء الحزب الشيوعي الماوي في المرتبة الأولى في العملية الانتخابية للجمعية التأسيسية في نيبال، والتي تم عقدها في العاشر من نيسان عام 2008، وقد تلى هذه النتائج إلغاء لنظام الحكم الملكي الذي استمر لمدة 239 عاماً في الثامن والعشرين من نيسان، وتم تأسيس دستور شيوعي لنيبال، كما تم انتخاب براتشاندا، والذي كان رئيساً للحزب الشيوعي الماوي في نيبال، كرئيس للوزراء في شهر آب، مما شكل الإعلان الرسمي عن تحول نيبال إلى دولة اشتراكية.

وتشهد تركيا الآن حالة مشابهة جداً لما حصل في نيبال، حيث أنه عندما بدأت أعمال الإرهاب من قبل حزب العمال الكردستاني PKK، وقام عدد من المؤسسات الرسمية بالتقليل من شأن هؤلاء الإرهابيين بحيث وصفوهم بحفنة من قطاع الطرق. وبدأت الحكومة بالتركيز على أعمال العنف عندما ازدادت وتيرتها، وبدأت المؤسسات الإرهابية بالضغط والتأثير على سكان عدد من المناطق بشكل ملموس، ولكن من الجدير بالذكر أنه عندما تعتمد الدولة على القوة وحدها لمقاتلة الأحزاب الشيوعية، عادة ما تخسر الدولة هذا الصراع. ويعتبر ما حصل في كل من روسيا والصين ويوغسلافيا وألبانيا وأنجولا والسودان وفيتنام وكوبا وكوريا ولاوس وكمبوديا ونيبال أمثلة على دول قامت بمحاربة الفكر الشيوعي وفشلت.

هنالك عملية سلام قائمة الآن في تركيا لمحاربة انتشار الأعمال العدائية من قبل حزب العمال الكردستاني، كما يرحب الشعب التركي بأية محاولات قد تؤدي إلى وقف الاقتتال ووقوع الشهداء والقتلى. ولكن، وبسبب عدم حدوث أي تغيير في عقلية ومبادىء حزب العمال الكردستاني، والقائمة على الأفكار الماركسية- اللينينية، يبقى الحزب مصراً على الوصول إلى الحكم الذاتي. وقد قام عدد من المسؤولين في الأحزاب الموالية لحزب العمال الكردستاني (BDP/HDP) بالإدلاء بتصريحات قبل وبعد الانتخابات المحلية تؤكد هذا الاستنتاج. ويقوم حزب العمال الكردستاني على استراتيجية قائمة على هذه الفلسفة، والتي تسعى إلى تأسيس دولة شيوعية كردستانية في المنطقة، وليس فقط على أراض تشمل المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا، بل وتشمل مناطق في العراق وسوريا كذلك. وتمثل هذه الاستراتيجية خطراً حقيقياً على شعوب المنطقة، بل وعلى الأمن والسلام العالمي ككل. ويظن حزب العمال الكردستاني بأنه أصبح أقرب إلى تحقيق هذه الأهداف، ويسعى الآن بكل الطرق الممكنة إلى إنهاء اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة مع الحكومة بشكل يظهر مسؤولية الحكومة عن إنهاء هذه الاتفاقية. 

وتقوم الحكومة التركية والجيش التركي بمحاولة إيقاف الأعمال الإرهابية التي تتم ممارستها وتنفيذها من قبل حزب العمال الكردستاني، دون اللجوء إلى ترويج العنف والسعي له، إلا أن تصريحات ومواقف عدد من الإعلاميين والسياسيين تجاه ما يجري قد يقوم بتقوية موقف حزب العمال الكردستاني في المنطقة، فتصريحات مثل هذه تظهر نوعاً من التساهل والتقبل لأفكار وممارسات حزب العمال الكردستاني، والذي أظهر بأنه على استعداد تام إلى تحييد الضمير والقيام بأعمال تصل إلى قتل الرضع في المهد. أما هذه التصريحات الصادرة عن السياسيين والإعلاميين، فهي لا تقوم إلا على تصريحات انهزامية قائمة على الاستسلام لمطالب حزب العمال الكردستاني.

 

أما أخيراً، فمن الجنون سعي أي شخص إلى والرغبة بسفك الدماء، وإشعال فتيل الحرب مرة أخرى، ولكن على الحكومة التركية القيام بأمرين مهمين جداً، إذا ما أرادت أن لا تكرر تجربة نيبال في هذا السياق. أولاً، عليها أن تمنع إظهار الروح الانهزامية أمام حزب العمال الكردستاني، ثانياً، عليها القيام بحملات صراع فكري ضد أيديولوجيا المنظمات الماركسية- اللينينية، عوضاً عن القيام بشن هجمات مسلحة ضدها.