الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السيناريوهات الثلاثة التي ستحدد مصير آسيا بين أمريكا والصين

2019-10-08 12:45:11 PM
السيناريوهات الثلاثة التي ستحدد مصير آسيا بين أمريكا والصين
تعبيرية

 

 الحدث- جهاد الدين البدوي 

نشرة مجلة "الفورين بوليسي" الأمريكية مقالاً لستيفن إم والت الأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة هارفارد يتحدث فيه عن ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن القارة الآسيوية.

يتحدث والت أنه قضى الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضي في كوريا الجنوبية لحضور مؤتمر حول الدراسات الأمنية برعاية جامعة كوريا الوطنية للدفاع، ما دفعه للتفكير في البيئة الاستراتيجية المتطورة في آسيا، خاصة في الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى الترسانة النووية المتصاعدة لكوريا الشمالية والقدرات الصاروخية التي باتت في طور التحسن، وتدهور العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، والتعاون المتزايد بين الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى محادثات السلام المتوترة في أفغانستان، وتدابير الهند الصارمة في كشمير.

وأوضح والت الذي يعتبر نفسه واقعياً أهم العوامل التي يجب مراعاتها، وهي: أولا: توازن القوى بين الولايات المتحدة والصين، وثانياً: الاستجابة المحتملة من جانب الدول الآسيوية الأخرى لأي تحولات مهمة في هذا التوازن. هذه العناصر ليست هي الأشياء الوحيدة المهمة بطبيعة الحال، لكن القدرات النسبية لأقوى دولتين في العالم - واحدة منها تقع في آسيا - لا بد أن تلقي بظلالها على جميع البلدان الأخرى في منطقة.

 وأجمل والت السيناريوهات الثلاثة: باستمرار تقدم الصين على وقع تراجع الولايات المتحدة، أو بقاء الصدارة للولايات المتحدة على وقع تراجع الصين، وأخيراً، إبقاء حالة التنافس والاستقطاب بين وشنطن وبكين.

السيناريو الأول: استمرار تقدم الصين على وقع تراجع الولايات المتحدة:

يرى والت أن سبب التقدم الصيني والتراجع الأمريكي يكمن في السياسات المحلية الخاطئة (مثل التخفيضات الضريبية غير الحكيمة وسيئة التصوُّر، وقلة الاستثمار في التعليم، وعدم كفاية التنظيم المالي، والجمود السياسي)، وإما بسبب المستنقعات والانحرافات المكلفة في الخارج. مع بعض التحفظات، هذا السيناريو الذي يتصوره مارتن جاك، وارفيند سوبرامانيان وغيرهم الذين يعتقدون أن الصين فى طريقها في النهاية لتحل محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة على العالم. وبالطبع فإن هذا الخوف من الهيمنة الصينية هي التي تقود جهود إدارة ترمب إلى ابطاء الصعود الصيني.

يرى الكاتب بأنه في حال كانت هذه النتيجة ستحدث بالفعل خلال العقود المقبلة، فمن الصعب تخيل أن تحافظ الولايات المتحدة وحدها على موقعها الأمني الحالي في آسيا، فالصين الأكبر والأكثر ثراءً يمكنها أن تتفوق في النهاية على الولايات المتحدة في سباق التسلح، وقد تمكنها قدراتها التكنولوجية الآخذة في التحسن من وضع أسلحة تساوي أو تفوق أنظمة الأسلحة الأمريكية. وهكذا ستواجه الولايات المتحدة نفس القرار المحرج الذي واجهته بريطانيا العظمى في مطلع القرن العشرين - حيث سعت واشنطن بنشاط لإخراجها من نصف الكرة الغربي - ومن المحتمل أن تقرر تصفية دورها في آسيا والسماح للصين بإنشاء مجال النفوذ هناك.

يرجع والت أنه من المحتمل أن يتعاون جيران الصين الآسيويون من أجل التوازن ضد بكين حتى لو لم يعد الدعم الأمريكي متاحًا - كما قد تتنبأ به نظرية توازن القوى البسيطة - ولكن هناك أسباب تدعو إلى التساؤل. ما لم تنجح الهند بطريقة أو بأخرى في مواكبة الصين، فإن تحالف التوازن المحصور في آسيا سيظل أضعف من هذا العملاق الصيني الافتراضي وسيواجه معضلات العمل الجماعي المعتادة.

 يشير والت بأن هذا السيناريو المفضل للصين، وقد اقترح الرئيس الصيني شي جين بينج هذا السيناريو في الماضي، ويضيف أن إخراج الولايات المتحدة من آسيا ودفع جيرانها المباشرين إلى الإذعان إلى التفضيلات الصينية من شأنه أن يزيد من أمن الصين إلى الحد الأقصى، بينما يسهل على بكين إبراز القوة في مناطق أخرى قد تعتبرها ذات أهمية بالغة، مثل الخليج الفارسي. لهذا السبب، يمكنك أن تراهن على أن المخططين الاستراتيجيين الصينيين يأملون في أن تواصل الولايات المتحدة التورط في صراعات لا طائل من ورائها في البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية الهامشية، وأن تواصل قيادتها من قبل أشخاص تتشكل قراراتهم عن طريق النزوات ورغاباتهم أكثر من كونها إحساساً بالوعي بالمصالح والاستراتيجية.

السيناريو الثاني: بقاء الصدارة للولايات المتحدة على وقع تراجع الصين

 حسب تعبير الكاتب فإن هذا السيناريو المظلم (من منظور الولايات المتحدة) المرسوم أعلاه ليس حتميًّا. في الحقيقة، يعتقد بعض العلماء – وأبرزهم مايكل بيكلي من جامعة تافتس- أن المستقبل الآخر هو الأرجح. في هذه الرؤية، فإن الصين التي ستتعثر، بينما تتحدى الولايات المتحدة آخر توقعات الهبوط /التراجع الحتمي.

كان المتنئون بالتراجع الأمريكي مخطئين في ثمانينيات القرن الماضي، وقد يكونون مخطئين اليوم. فإن الصين تواجه اليوم عددًا من العقبات الخطيرة (شيخوخة السكان، والتدهور البيئي، ونقص الإمدادات الكافية من المياه، والقيود الجيوسياسية، والأقليات المضطربة، والاختلالات المالية) ، بينما تحتفظ الولايات المتحدة بعدد من نقاط القوة المهمة، مثل الموقع الجغرافي الملائم للغاية، والموارد الطبيعية الوفيرة، والاقتصاد المتجدد.

يرى والت أنه في حالة نجاح هذا المستقبل، ستظل الولايات المتحدة في وضع مثالي لقيادة تحالف متوازن في آسيا. ويشير إلى أن الولايات المتحدة لديها بالفعل علاقات ثنائية جيدة مع الدول الآسيوية الرئيسة (اليابان، أستراليا، كوريا الجنوبية، سنغافورة، ...إلخ.)، وقد تحسنت علاقاتها مع الهند والآسيان. وسيكون الغرض من هذا التحالف دفاعيًا بشكل أساسي: وهو منع الصين من ترهيب جيرانها أو توسيع نفوذها بشكل مفرط. وتقتضي الحصافة على الولايات المتحدة وشركائها ألا يحاولوا إفقار الصين أو السعي لتقويض الحزب الشيوعي الصيني، لأنها سياسة من شأنها أن تنذر حلفاء أميركا في آسيا وتزيد من خطر الحرب. لذا سيتعين على واشنطن أن تتعامل مع المشكلات المعتادة المتمثلة لدى الحلفاء الذين لا يريدون تحمل الأعباء وتسعى جاهدة لتهدئة الخلافات بين مختلف شركائها، ولكن دورها المركزي سوف يوفر لها الكثير من الأدوات لإنجاز هذه المهام.

 يضيف والت أنه في هذا العالم، من الواضح جدًا ما ستفعله معظم الدول في آسيا. ستظل الولايات المتحدة أقوى دولة في النظام الدولي، لكن قرب الصين من جيرانها سيجعلها أكثر تهديدًا لهم. وفقًا لذلك، ستكون معظم الدول في آسيا "موازناً اقليمياً" وتسعى للحفاظ على شراكة وثيقة مع الولايات المتحدة. وقد تتلاشى الحاجة إلى الحماية الأمريكية تمامًا إذا تراجعت القوة الصينية بشكل كبير، لكن هذه الرؤويا من المستبعد حدوثها، وربما تفضل بعض الدول الآسيوية الحفاظ على اتصال أمني مع واشنطن تحسبًا لحالة انعدام اليقين.

السيناريو الثالث: إبقاء حالة التنافس والاستقطاب بين وشنطن وبكين.

يرى الكاتب أنه قد يكون السيناريو الثاني هو الأفضل من منظور الولايات المتحدة ، ولكن السيناريو الثالث هو الأرجح. يفترض هذا السناريو أن تستمر الصين في نموها، ولكن الولايات المتحدة تواكب ذلك الصعود او النمو. وقد تتقلص الفجوة الحالية بين الدولتين إلى حد ما، دون أن تتخطى الصين الولايات المتحدة وتؤسس قيادة واضحة. ويشير الكاتب إلى أن ذلك سينتهي بالعالم إما إلى حالة من القطبية الثنائية (كما في الحرب الباردة الأمريكية السوفيتية) أو إلى شكل شديد التباين من التعددية القطبية، مع تقدم الولايات المتحدة والصين بفارق كبير عن القوى العظمى الأضعف مثل روسيا والهند.

 يضيف والت بأنه ليس من الواضح كيف ستستجيب بقية دول آسيا في حالة تطور المستقبل بهذا النسق، لكن النظرية الواقعية تشير إلى أن معظمهم ما زالوا يفضلون التوازن مع الولايات المتحدة. ولن يكون اختيار الحياد أمرًا سهلاً لأيٍّ منهما، حيث من المحتمل أن تضغط كل من الولايات المتحدة والصين على المحايدين المحتملين للتخلي عن الحياد واختيار جانب منهما. قد يكون الانحياز للصين مغريًا للوهلة الأولى، لكن القيام بذلك يعني القبول بوضعية المرؤوس والاذعان للأهواء الصينية، مما قد يجعل هذه الدول عرضة للخطر إذا أصبحت النوايا الصينية أكثر افتراسًا. على النقيض من ذلك  فإن التوازن مع الولايات المتحدة من شأنه أن يساعد على إبقاء الصين في وضع حرج، وستضطر واشنطن إلى إيلاء الاهتمام الواجب لرغبات حلفائها، لأنها لا تستطيع الحفاظ على موقع في آسيا بدونهم. إذا بقيت الولايات المتحدة والصين متساويتين تقريبًا - أو استمرت الولايات المتحدة في الصدارة، ولكن بهامش أصغر- فإن تحقيق التوازن مع الولايات المتحدة هي الدعوة الأكثر ذكاءً لليابان وكوريا الجنوبية ومعظم القوى الأخرى في آسيا.

ويرى الكاتب: هذا لا يعني أن هذه النتيجة مؤكدة. ووفقاً لوالت، فإن إدارة ائتلاف متوازن في آسيا ليس بالمهمة السهلة، نظرًا للمسافات الشاسعة، والإغراءات التي لا مفر منها للتهرب من المسئولية أو الانتفاع المجاني، والمفاضلات الاقتصادية المشمولة، والعلاقات الحساسة بين بعض الدول الآسيوية (أبرزها كوريا الجنوبية واليابان). إذا كان هناك أي منطقة في العالم تحتاج إلى قيادة تحالف يقظة وبراعة ومهارة، فهي آسيا.

وأرجع والت أداء إدارة ترامب المخيب للآمال والمقلق للغاية بسبب: بدلاً من الاعتماد على جهود الرئيس السابق باراك أوباما لإعادة التوازن ودفع الشراكة عبر المحيط الهادئ من خلال مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون، مزق الرئيس دونالد ترامب ذلك في يومه الثالث في منصبه. بدلاً من اصطفاف اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي واقتصادات كبرى أخرى لمواجهة الصين بسبب ممارساتها التجارية غير العادلة، اختار ترامب معارك تجارية مع الجميع تقريبًا وتُركت الولايات المتحدة لمواجهة الصين بمفردها. وبدلاً من اتباع نهج ثابت ومتطور بشأن البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، اختار ترامب التقاط صور فوتوغرافية وتوظيف جاذبيته الشخصية لحسد الدعم، وهو ما لم يأتِ بشيء يذكر، مما أثار شكوكًا جديدة حول موثوقية واشنطن وفطنتها الإستراتيجية. وبدلاً من التركيز على أدق تفاصيل ميزان القوى الآسيوي - والذي سيؤدي إلى تأثيرات عميقة على السياسة العالمية لسنوات عديدة قادمة - لا يزال ترامب غارقًا في أفغانستان ويسعى خلف الهاجس المدمر المسمى بممارسة أقصى قدر من الضغط ضد إيران، وهي استراتيجية لا يمكن إلا أن تدفع إيران أكثر من أي وقت مضى إلى بكين وتجعل سعيها أحادي التفكير لخيار نووي قابل للاستمرار وأكثر احتمالاً.

 يختتم والت مقالته بالقول: لم يصل الموقف بعد إلى مرحلة تعذُّر فيها الإصلاح، لكن إنقاذه سيتطلب وجود فريق سياسة خارجية أمريكي يرى الصورة كاملة، ويعرف كيفية تحديد الأولويات، ويكون بارعًا في تجنيد دعم الحلفاء، ويرفض أن يشتت الانتباه عن الأشياء اللامعة التي تنثرها الدول العميلة المبالغ في تقديرها في المناطق الأقل أهمية. إذا استمرت الحماقات الحالية، فقد ننظر إلى الوراء في غضون 25 عامًا ونتساءل كيف نجحت الصين في إخراج الولايات المتحدة من آسيا لتصبح القوة المهيمنة الإقليمية الثانية في العالم. كما كتبت في عام 2005، "إذا انتهى الأمر بالولايات المتحدة إلى تسريع زوال شراكاتها الحالية وإحداث ترتيبات جديدة هدفها الرئيس هو احتواءنا، فلن نلوم إلا أنفسنا".