الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أين موازنة 2014؟

2014-01-08 00:00:00
أين موازنة 2014؟
صورة ارشيفية

الإنفاق من الخزينة العامة غير قانوني اعتبـاراً من تاريخ 2014/1/1

عرض وزير المالية «خطة» إعداد الموازنة على نواب التشريعي  لا يغير في الأمر شيئاً

تصريحات وزير العمل بشأن الموازنة مخالفة لأحكام القانون

الآلية التي تُقر بها الموازنة العامة لا تحل المشكلة الدستورية

خاص بالحدث – إعداد الدكتور عصام عابدين (محاضر بجامعة بيرزيت) 

عرَّف قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية رقم (7) لسنة 1998 الصادر عن المجلس التشريعي الفلسطيني الموازنة العامة بأنها « برنامج مفصل لنفقات السلطة الوطنية وإيراداتها لسنة مالية معينة ويشمل التقديرات السنوية لإيرادات السلطة الوطنية والمنح والقروض والمُتحصلات الأخرى لها والنفقات والمدفوعات المختلفة». وبالتالي، فإنه يمكن القول بأن الموازنة العامة هي في حقيقتها الأداة التنفيذية التي تعبّر عن توجهات الحكومة وبرامجها وسياساتها المستقبلية، وعلى نحو تفصيلي وشفاف، في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.  

وإذا كان التعريف الذي جاء به المشرّع الفلسطيني للموازنة العامة كان ولا يزال يثير العديد من الأسئلة حول مدى الالتزام به (التعريف) في جميع الموازنات العامة للسلطة الوطنية منذ أول موازنة قدمت إلى المجلس التشريعي عام 1997 ولغاية الآن؛ والتي لطالما افتقرت لبرامج وكشوفات تبين وعلى نحو “شامل ومفصل” النفقات والإيرادات العامة على أساس وحدة حساب الخزينة، ودون إجتزاء يتنافى مع متطلبات الوضوح والشفافية في تقديم الموازنة ومقتضيات القانون، فإنّ تلك المسألة (المعضلة) القديمة الحديثة في تاريخ وحاضر الموازنات العامة والتي أربكت عمليات الرقابة البرلمانية عليها على مدار السنوات الماضية قبل أن تتوقف الأداة الرقابية الأهم على أداء الحكومة بغياب أو تغييب المجلس التشريعي، ستكون خارج حدود بحثنا، الذي يقتصر حالياً على سؤال مركزي واحد مفاده أين موازنة 2014 وقد انتهت السنة المالية في 2013/12/31 وبدأت السنة المالية الجديدة؟ 

 إن هذا السؤال يحتاج بداهة إلى توضيح موقف التشريعات الفلسطينية بشأن الموعد القانوني لتقديم مشروع موازنة 2014 وما يترتب على عدم الالتزام بتقديمها في موعدها المحدد؛ وبخاصة موقف القانون الأساسي وقانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية لسنة 1998 وتعديلاته والقرار بقانون بشأن الموازنة العامة لسنة 2013 والنظام الداخلي للمجلس التشريعي الذي نص على هذه المسألة.

وتأكيداً على السؤال المطروح، فلا بد أن نتوقف خلال العرض أمام التصريحات التي أدلى بها وزير العمل في 2013/12/26 ومفادها أن “موازنة العام الجديد للسلطة تتأخر ثلاثة أشهر عكس كل دول العالم نتيجة الظروف التي تعيشها فلسطين ويخولها بذلك القانون الأساسي الفلسطيني ويمنحها ثلاثة أشهر إضافية، لذلك فإن الحكومة الفلسطينية تعمل بموازنة تُطلق عليها موازنة مكررة حتى شهر آذار موعد إعلان الموازنة العامة”. وبالتالي مدى انسجام تلك التصريحات مع أحكام القانون.

والأمر يحتاج، بالضرورة، وعملاً بمبدأ سيادة القانون، إلى الوقوف عند الخطوة التي قام بها وزير المالية بتاريخ 2013/12/29، أي قبل يومين من نهاية السنة المالية 2013، والخاصة بعرض “خطة” إعداد الموازنة العامة للسنة المالية 2014 على نواب التشريعي ومدى كفايتها لتنفيذ الاستحقاق الدستوري والقانوني على الحكومة بشأن موعد تقديم مشروع موازنة 2014. 

وأمّا فيما يخص الشرح الذي قدمه وزير المالية لنواب التشريعي حول استراتيجية منظومة الإيرادات للسنوات 2016-2014 وما تضمنه من عرض نقاط الضعف التي تعاني منها منظومة الإيرادات وعواملها الداخلية والخارجية؛ كسيطرة إسرائيل على المعابر والحدود وما يتعلق بعدم شفافية المعلومات التي تقدمها إسرائيل بشأن إيرادات المقاصة والتهرب الضريبي وأهمية تحسين الإدارة الضريبية وما يتعلق بتبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي وضرورة تعديل بروتوكول باريس الإقتصادي وغيرها من النقاط، فإن هذا الاستعراض النظري الهام، وإنْ لم يقدم جديداً في تشخيص مواطن الخلل، وإن كان أيضاً خارج حدود بحثنا الخاص بسؤال واحد مفاده إين موازنة 2014، فإن الحكم على هذا الاستعراض يبقى مرهوناً بالدرجة الأولى بمدى قدرة الحكومة على ترجمة تلك العناوين العريضة إلى آليات وإجراءات واضحة وأفعال ملموسة على أرض الواقع. وعلى أي حال سيكون لنا وقفة تحليلية أمام تلك العناوين حال تقديم الحكومة مشروع موازنة 2014. 

ما هو موقف القانون الأساسي من موعد تقديم الموازنة العامة؟

تنص المادة (61) من القانون الأساسي المعدل على ما يلي: «مع مراعاة ما ورد في المادة (90) من هذا القانون الأساسي: 1. على الحكومة عرض مشروع الموازنة على المجلس التشريعي قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية 2. يعقد المجلس التشريعي جلسة خاصة لمناقشة مشروع قانون الموازنة السنوية فيقره بالتعديلات قبل بدء السنة المالية الجديدة أو يعيده إلى الحكومة في مدة أقصاها شهر من تاريخ تقديمه إليه مصحوباً بملاحظات المجلس لاستكمال المقتضيات المطلوبة وإعادته إلى المجلس التشريعي لإقراره 3. يتم التصويت على الموازنة باباً باباً 4. لا يجوز إجراء المناقلة بين أبواب الميزانية إلاّ بالاتفاق بين المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية».

فيما تنص المادة (90) من القانون الأساسي المعدل المشار إليها في النص الدستوري أعلاه على ما يلي: «تحدد بداية السنة المالية ونهايتها وتنظم الموازنة العامة بقانون، وإذا لم يتيسر إقرار الموازنة العامة قبل ابتداء السنة المالية الجديدة، يستمر الإنفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 (واحد من اثنى عشر) لكل شهر من موازنة السنة المالية».

ماذا تعني تلك النصوص الدستورية المذكورة؟

تلك النصوص الدستورية تعني بوضوح أنه يتوجب على الحكومة أن تلتزم بالموعد الدستوري المحدد لعرض مشروع الموازنة على المجلس التشريعي، وهو قبل شهرين «على الأقل» من بداية السنة المالية الجديدة كما هو مبين بالمادة (61) من القانون الأساسي، أي في موعد زمني أقصاه 2013/11/1 فيما يخص تقديم مشروع موازنة 2014، وبخلاف ذلك فهنالك خرق دستوري وقانوني مؤكد.

ولكن المجلس التشريعي غائب أو مغيب فما العمل؟

هذا لا يغير شيئاً من الاستحقاق الدستوري المُلزم للحكومة والمتمثل بوجوب الالتزام بموعد تقديم الموازنة العامة قبل شهرين على الأقل من بداية السنة المالية الجديدة كحد أقصى. إذ يتوجب دوماً التفريق بين الالتزام الدستوري على الحكومة بعرض أو تقديم الموازنة العامة للمجلس التشريعي حسب الأصول الدستورية، وبين التزام دستوري آخر على المجلس التشريعي يتمثل بضرورة عقد جلسة خاصة من أجل «مناقشة مشروع الموازنة» وبالتالي لا يجب الخلط بين عرض أو تقديم الموازنة من جهة وبين مناقشتها من خلال جلسة خاصة للمجلس التشريعي من جهة أخرى. وعلى ذلك، فإن كون المجلس التشريعي موجود أو مُغيب يستطيع أو لا يستطيع عقد جلسة برلمانية خاصة حسب الأصول لمناقشة مشروع موازنة 2014 لا يغير شيئاً من وجوب قيام الحكومة بتنفيذ التزامها الدستوري المتمثل بتقديم الموازنة العامة في موعدها الدستوري بجميع الظروف والأحوال.

وحتى في ظل غياب أو تغيب المجلس التشريعي، وما يترتب عليه من غياب الأداة الرقابية الأهم على الحكومة وهي الموازنة العامة، وعدم قدرة المجلس على استخدام أدوات الرقابة البرلمانية من الأسئلة والاستجوابات ولجان التحقيق وحجب الثقة والتي تحتاج إلى جلسة للمجلس بالهيئة العامة لاستكمال إجراءاتها، وتأثير غياب المجلس وأدواته الرقابية على الأداء الحكومي وعلى النظام السياسي برمته، والتشكيك بمدى قانونية مجموعات العمل البرلمانية التي لا أساس لها في القانون الأساسي والنظام الداخلي للمجلس التشريعي، إلاّ أن كافة تلك العقبات لا تغير شيئاً من الالتزام الدستوري على الحكومة بعرض مشروع الموازنة على المجلس التشريعي في موعد أقصاه قبل شهرين على الأقل من بداية السنة المالية الجديدة، وبخاصة أن كل عضو من أعضاء المجلس التشريعي لا يزال يمتلك الحق الدستوري المكفول بموجب المادة (56) من القانون الأساسي الفلسطيني والتي تؤكد بالنص الصريح على أن لكل عضو من أعضاء المجلس «الحق» في التقدم إلى السلطة التنفيذية بكل الطلبات الضرورية والمشروعة اللازمة لتمكينه من ممارسة مهامه النيابة. 

وعليه، فإنه وعلاوة على أن عدم عرض الموازنة العامة للسنة المالية 2014 على المجلس التشريعي حتى موعد أقصاه 2013/11/1 يعني أن الحكومة قد انتهكت التزامها الدستوري المبين في نص المادة (61) من القانون الأساسي والتزامها القانوني المبين في القوانين الأخرى كما سنرى لاحقاً، فإنها تكون بهذا الانتهاك قد «عطلت» الحق الدستوري المتاح لكل عضو من أعضاء المجلس التشريعي بممارسة مهامه النيابة وحقه الدستوري بطلب كافة الإيضاحات اللازمة من الحكومة فيما يتعلق «بمشروع موازنة 2014» وهذا حق أصيل لكل عضو في المجلس التشريعي وينبغي التمسك به والدفاع عنه وعدم التخلي عنه في جميع الظروف والأحوال، وذلك من خلال الإصرار على وجوب تقديم الموازنة العامة في موعدها الدستوري المحدد، وبخلاف ذلك فإن أعضاء المجلس التشريعي سيقضون نهائياً على ما تبقى من أدوات رقابية ما زالوا يمتلكونها في مواجهة الحكومة.

ولكن وزير المالية عرض خطة إعداد موازنة 2014 على نواب التشريعي؟

إن قيام وزير المالية السيد شكري بشارة بعرض «خطة» إعداد موازنة 2014 على نواب التشريعي في 2013/12/29 لا يغير من الأمر شيئاً، أمام مبدأ سيادة القانون واجب الاحترام، فالقانون الأساسي، والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة كما سنرى، تؤكد وبوضوح على وجوب عرض مشروع موازنة 2014 على المجلس التشريعي قبل شهرين «على الأقل» من بدء السنة المالية الجديدة، أي في موعد زمني أقصاه 2013/11/1، وأمّا الاكتفاء بمجرد عرض «خطة» إعداد موازنة 2014 وليس «مشروع» موازنة 2014 كاملاً على نواب التشريعي، وقبل يومين فقط من نهاية السنة المالية المنصرمة، فإنه وعلاوة على أن هذا الإجراء لا يغفر المخالفة الدستورية والقانونية التي وقعت لا محالة، فإنه كان ينبغي عرض تلك الخطة قبل تاريخ 2013/11/1 بفترة زمنية كافية تُتيح إمكانية الاطلاع عليها ومناقشتها مع وزارة المالية والحكومة، وفي جميع الأحوال، فإنه يتوجب على الحكومة عرض «مشروع موازنة 2014» في موعده الزمني المحدد وحسب الأصول والقانون. 

ماذا يعني دخول السنة المالية الجديدة دون تقديم موازنة 2014؟

هذا الأمر يعني بوضوح أن جميع أوجه الإنفاق من الخزينة العامة تصبح غير دستورية وغير قانونية اعتباراً من تاريخ 2014/1/1 وينبغي على الحكومة أن تُدرك هذا الأمر وأبعاده جيداً. 

فالمادة (90) من القانون الأساسي واضحة تماماً، وتؤكد على أن الإستمرار بالإنفاق مع بدء السنة المالية الجديدة 2014 باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 (واحد من إثنى عشر) لكل شهر من موازنة السنة المالية المنصرمة 2013 مشروط دستورياً بتقديم الموازنة العامة في موعدها الدستوري وهو كحد أقصى تاريخ 2013/11/1 حسب المادة (61) من القانون الأساسي، ومن ثم تعذُّر أو عدم تيسُّر «إقرار» الموازنة العامة رغم تقديمها في موعدها الدستوري قبل بداية السنة المالية 2014. وبعد ذلك فقط يسمح القانون الأساسي بأن يُصار إلى الاستمرار بالانفاق بالموازنة الإثني عشرية بنسبة 12/1 من موازنة السنة المالية المنصرمة. وعليه، فإن تجاهل الحكومة تلك الإجراءات الدستورية ولجوئها بشكل مباشرة إلى الإنفاق على أساس الموازنة الإثني عشرية خلافاً لأحكام القانون الأساسي يعني أن الإنفاق من الخزينة العامة بات غير دستوري بجميع أوجهه اعتباراً من تاريخ 2014/1/1. 

وللتأكيد على تلك النتيجة الحتمية، فإن السؤال المطروح هو: إذا كانت الموازنات العامة تقر حالياً بقرارات بقوانين من قبل سيادة الرئيس، وبمعزل عن الموقف الدستوري من هذا الإجراء، فكيف يمكن القول بذات الوقت أنه يتعذر إقرار الموازنة العامة حتى نهاية السنة المالية ومن ثم يُصار بعد ذلك إلى الاستمرار بالإنفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 من موازنة العام المنصرم؟!   

بمعنى أوضح: هل قدمت الحكومة الحالية مشروع موازنة 2014 أصلاً إلى سيادة الرئيس في موعدها القانوني، وتعذر إقرارها حتى نهاية السنة المالية بتاريخ 2013/12/31، ليُصار بعد ذلك إلى الاستمرار بالإنفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 من موازنة 2013؟! 

إن المادة (90) من القانون الأساسي واضحة تماماً، وتؤكد على أنه لا يستمر الإنفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 إلاّ بشرط دستوري واضح مفاده أنه «لم يتيسر إقرار الموازنة العامة» قبل بدء السنة المالية الجديدة، وبالتالي كيف يمكن تصور عدم تيسُّر أو تعذر إقرار موازنة 2014 قبل بدء السنة المالية الجديدة وهي لم تقدم أساساً حتى نهاية السنة المالية المنصرمة في 2013/12/31؟!

ينبغي على الحكومة أن تقدم إجابات واضحة ومقنعة على تلك التساؤلات التي تقود إلى نتيجة واحدة وحتمية مفادها أن الإنفاق من حساب الخزينة غير قانوني اعتباراً من تاريخ 2014/1/1.

ما هو موقف قانون تنظيم الموازنة من الموعد القانوني لتقديم موازنة 2014؟ 

إن موقف قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية رقم (7) لسنة 1998 وتعديلاته واضح تماماً فيما يتعلق بالموعد القانوني لتقديم الموازنة العامة، حيث تنص المادة (3/أ) من القانون المذكور الواردة تحت عنوان «تقديم مشروع قانون الموازنة العامة وإقراره» على ما يلي: «يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة إلى المجلس التشريعي قبل شهرين على الأقل من بداية السنة المالية».

فيما تنص المادة (4) من القانون المذكور على ما يلي: “إذا لم يتيسر إقرار مشروع قانون الموازنة العامة قبل بدء السنة الجديدة يكون للوزارة سلطة تحصيل الإيرادات وفق الآليات والشروط والمعدلات المنصوص عليها في التشريعات المرعية ويستمر الإنفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 (واحد من الاثنى عشر) لكل شهر من موازنة السنة المالية المنصرمة بحد أقصى مدته ثلاثة أشهر”.

وبالتالي، فإن قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية، كما القانون الأساسي، يُفرّق تماماً بين الموعد الزمني لتقديم الموازنة العامة والذي يجب أن لا يتجاوز تاريخ 2013/11/1 كحد أقصى فيما يتعلق بموازنة 2014 حسب النص القانوني المذكور، وبين مسألة إقرار الموازنة العامة التي تحتاج بداية إلى تقديم في الموعد القانوني ومن ثم تعذر إقرارها قبل بدء السنة المالية الجديدة ومن ثم يُصار إلى الاستمرار في الانفاق بنسبة 12/1 من موازنة السنة المالية المنصرمة.

ولكن في المقابل، فإن قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية قد وضع سقفاً زمنياً أعلى للانفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 من موازنة السنة المالية المنصرمة، وهذا الحد الأقصى يجب أن لا يتجاوز مدة ثلاثة أشهر تنتهي بتاريخ 2014/3/31 من السنة المالية الجديدة. وهذه الإضافة التي جاء بها القانون المذكور غير واردة في القانون الأساسي، وبالتالي فإن ما ورد في تصريحات وزير العمل د. أحمد مجدلاني من أن القانون الأساسي يمنح الحكومة ثلاثة أشهر إضافية فيما يتعلق بتقديم موزانة 2014 علاوة على أنه يخالف أحكام القانون الأساسي بشأن الموعد الدستوري لتقديم الموازنة العامة، فإن تلك التصريحات تنطوي أيضاً على خلط واضح بين القانون الأساسي الذي لم ينص أصلاً على مدة الثلاثة شهور وبين قانون تنظيم الموازنة والشؤون المالية الذي نص عليها.

وأمّا بشأن مصطلح «الموازنة المكررة» الذي ورد في سياق تصريحات وزير العمل فلا ندري ما المقصود به، وهو غريب على الموازنة العامة وقوانينها وأصولها ومفاهيمها، ويبدو أن المقصود به هو الاستمرار بالإنفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 لكل شهر من الموازنة العامة للسنة المالية المنصرمة 2013 وبحد أقصى مدته ثلاثة أشهر تنتهي في 2014/3/31. 

وللتأكيد أيضاً على عدم قانونية الصرف من حساب الخزينة العامة اعتباراً من 2014/1/1 نتيجة عدم الالتزام بالموعد الدستوري والقانوني في تقديم موازنة 2014، فقد نصت المادة (15) من قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية على ما يلي: «باستثناء ما ورد فيه نص ضمن أحكام هذا القانون أو أي قانون أو تشريع آخر، لا يحق لأي فرد أو مؤسسة عامة أو أية جهة تنفيذية أخرى في السلطة الوطنية دفع أية مبالغ من الصندوق الموحد أو عقد أي التزام يترتب عليه دفع أية مبالغ لاحقاً». وحيث أنه لا يوجد أساس قانوني يخول الحكومة صرف أية مبالغ مالية من حساب الخزينة اعتباراً من تاريخ 2014/1/1 فإن هذا الصرف محظور بموجب القانون وتتحمل الحكومة مسؤوليته.

وللمزيد من التأكيد، فقد نصت المادة (44) من قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية الواردة تحت عنوان «المحظورات» على ما يلي: “لا يجوز الصرف على أية نفقة لم يُرصد لها مخصص في قانون الموازنة العامة كما لا يجوز استخدام المخصصات في غير الغاية التي اعتمدت من أجلها”.

ولكن ماذا عن القرار بقانون بشأن الموازنة العامة لسنة 2013؟

إن القرار بقانون الصادر عن سيادة الرئيس بشأن الموازنة العامة لسنة 2013 يؤدي إلى ذات النتيجة التي مفادها أن الصرف من الموازنة العامة غير قانوني اعتباراً من تاريخ 2014/1/1. ولا أدل على ذلك من أن المادة الأولى من القرار بقانون المذكور قد اعتمدت تقدير الإيرادات والنفقات لاثني عشر شهراً تنتهي كما هو مبين في النص المذكور بتاريخ 2013/12/31. وكذلك أيضاً المادة (2/9) من القرار بقانون والتي نصت على أنه: «لا يجوز عقد أي نفقة أو صرف أي سلفة ليس لها مخصصات في هذا القرار بقانون ولا يجوز الالتزام بأي مبلغ يزيد عن هذه المخصصات». وهنالك نصوص قانونية أخرى في القرار بقانون واردة بذات السياق. وبالنتيجة، فإن الحكومة لا تملك أي غطاء قانوني على الإطلاق يخولها الإنفاق من الموازنة العامة اعتباراً من تاريخ 2014/1/1.

وماذا عن النظام الداخلي للمجلس التشريعي؟

إن أحكام النظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني تؤدي إلى ذات النتيجة، مع ملاحظة أن أحكام هذا النظام تكتسب قوة دستورية مستمدة من المادة (2/47) من القانون الأساسي والتي أكدت صراحة على أن يتولى المجلس التشريعي مهامه التشريعية والرقابية على الوجه المبين في نظامه الداخلي. وبالعودة للنظام الداخلي للمجلس بشأن تقديم الموازنة العامة فقد جاءت المادة (74) منه على غرار النصوص القانونية المقابلة الواردة في المواد (3) و(4) من قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية لعام 1998 وتعديلاته سابقة الذكر.

ويكفي هنا أن نشير إلى ما ورد في البند الأول من المادة (74) من النظام الداخلي للمجلس التشريعي والذي أكد صراحة على وجوب أن يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة قبل شهرين من بداية السنة المالية، وكذلك البند السادس من النص المذكور والذي أكد صراحة على أن الاستمرار في الانفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 لكل شهر من موازنة السنة المالية المنصرمة بحد أقصى مدته ثلاثة شهور مرهونٌ بعدم إمكانية إقرار الموازنة قبل بدء السنة المالية الجديدة. 

إقرار الموازنة العامة بقرار بقانون لا يحل المشكلة الدستورية

لا بد وأن نؤكد على أن إجراءات عرض ومناقشة وإقرار الموازنة العامة والرقابة عليها هي إجراءات دستورية بالمقام الأول، وهي واردة على نحو واضح في القانون الأساسي الفلسطيني، وبالتالي فإنه لا يمكن تغيير أو تعديل أو تبديل تلك الإجراءات الدستورية من خلال قرارات بقوانين، لأن الأخيرة لها قوة القانون العادي الصادر عن البرلمان ليس إلاّ، ولا تستطيع بداهة أن تتجاوز إجراءات دستورية مؤكد عليها صراحة في القانون الأساسي بشأن الموازنة العامة إعمالاً لمبدأ سمو الدستور.

وتلك الإجراءات الدستورية تتناول عرض الموازنة العامة على المجلس التشريعي في موعد أقصاه قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية الجديدة، ووجوب عقد جلس خاصة للمجلس التشريعي لمناقشة وإقرار مشروع الموازنة بالتعديلات قبل بدء السنة المالية الجديدة أو إعادته للحكومة في مدة أقصاها شهر من تاريخ استلام المجلس لمشروع الموازنة مصحوباً بملاحظات المجلس التشريعي عليه لاستكمال المقتضيات المطلوبة وإعادته مرة أخرى للمجلس للمناقشة والإقرار، وكذلك وجوب التصويت على الموازنة باباً باباً، وعدم جواز إجراء المناقلة بين أبواب الموازنة إلاّ باتفاق بين المجلس التشريعي والحكومة، وما يتعلق أيضاً بعملية الاستمرار بالانفاق باعتمادات شهرية بنسبة 12/1 (واحد من اثنى عشر) لكل شهر من موازنة السنة المالية المنصرمة في حال تعذر إقرار مشروع الموازنة العامة من قبل المجلس التشريعي قبل بدء السنة المالية الجديدة. 

وبالتالي، فإن تلك المشكلة الدستورية، الناجمة عن إقرار الموازنات العامة بقرارات بقوانين خلافاً للأحكام الدستورية الواردة القانون الأساسي الفلسطيني ستبقى مستمرة، إلى أن ينعقد المجلس التشريعي بهيئته العامة في جلسة خاصة لمناقشة وإقرار الموازنة العامة حسب الأصول الدستورية والقانونية. وما من شك، في أن استعادة دور المجلس التشريعي (السلطة التشريعية) من شأنه أن يساهم في إعادة التوازن تدريجياً للنظام السياسي الفلسطيني ومبدأ الفصل بين السلطات مع وجود السلطة التشريعية التي تشكل حجز الزاوية في النظام السياسي، وما يترتب على ذلك من إمكانية لملمة النظام السياسي الذي تعرض لضربات قاسية نتيجة غياب المجلس التشريعي، وبالتالي استعادة دوره الأصيل في التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية والتي تشكل الموازنة العامة جوهرها. 

وما زال هناك أمل، رغم كل الصعاب، بصدور مرسوم رئاسي بدعوة للمجلس التشريعي للانعقاد بالهيئة العامة في الضفة والقطاع وفقاً للقانون الأساسي والنظام الداخلي للمجلس التشريعي، والاتفاق على جدول أعمال محل توافق بين الكتل والقوائم البرلمانية في المجلس التشريعي، والعمل تدريجياً على إصلاح وترميم النظام السياسي الفلسطيني، بما يساهم بالدفع قدماً بالمصالحة الداخلية وتحريك المياه الراكدة والتقريب من موعد إجراء الانتخابات العامة التي ينبغي أن تجرى في أسرع وقت ممكن كاستحقاق وطني وقانوني لازم لتجديد الثقة الشعبية بالمؤسسات وإعلاء النهج الديمقراطي في التداول على السلطة، وبخاصة أنه قد مر على المرسوم الرئاسي السابق الذي صدر بتاريخ 2007/7/5 بدعوة المجلس التشريعي للانعقاد بهيئته العامة في 2007/7/11 مدة ست سنوات ونصف.

هل يمكن أن تغير تلك المشكلة الدستورية شيئاً بشأن موعد تقديم موازنة 2014؟

لا قطعاً. فالمسألة باتت واضحة تماماً على المستوى الدستوري والقانوني، بأنه يتوجب على الحكومة في جميع الظروف والأحوال أن تقدم مشروع موازنة 2014 في موعد زمني أقصاه 2013/11/1، امتثالاً لمبدأ سيادة القانون كأساس للحكم في فلسطين، وبخلاف ذلك فإنها تنتهك أحكام القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات ذات الصلة كما سبق وأن أوضحنا على نحو تفصيلي.

النتيجة النهائية... 

لا يوجد أيّ غطاء قانوني على الإطلاق يخول الحكومة إمكانية الإنفاق من الخزينة العامة اعتباراً من تاريخ 2014/1/1 ومَن يقول بخلاف ذلك أو لديه شكٌ في خلاصة ما توصلنا إليه فليقدم السند القانوني والبرهان على صحة ما يقول، وبيننا وبينه المنظومة التشريعية الفلسطينية برمتها.

المطلوب من الحكومة...

إن الحكومة مطالبة، وعلى وجه السرعة، بتوضيح سبب مخالفتها لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات ذات الصلة بشأن الموعد المحدد لتقديم موازنة 2014، فهي التي تتولى مقاليد الأمور حالياً، ولا يُجدي نفعاً القول بأنه لم يجر الالتزام بالموعد الدستوري والقانوني لتقديم الموازنة في ظل الحكومة السابقة، لأننا أمام مسألة سيادة قانون أولاً وأخيراً، ويجب أن يسري على الجميع، ومن باب أولى على من يتولى مقاليد الحكم حالياً، ولا عذر لأحد في انتهاك أحكام القانون. كما أن الحكومة مطالبة بذات الوقت، وعلى وجة السرعة، بإيجاد مخرج قانوني من المأزق الخطير الذي تسببت فيه وما يمكن أن يترتب عليه من آثار، وقد أدى بالنتيجة إلى عدم قانونية الانفاق من الخزينة العامة.  

ماذا بعد...

بعد أن فرغنا من توضيح مسألة قانونية واحدة تتعلق بالموعد الدستوري والقانوني لتقديم موازنة 2014 وما يترتب على عدم الإلتزام بتقديمها في موعدها المحدد، فإننا نعد قراء صحيفة «الحدث» بقراءة تحليلية تفصيلية معمقة لمشروع موازنة 2014 بعد تقديمه من قبل الحكومة بما يشمل بيان وزير المالية وخلاصة الموازنة والوضع المالي للسلطة الوطنية وأبعاد قانون الموازنة وكشف الإحداثات الجديدة والبرامج المعتمدة ضمن قانون الموازنة وتفاصيل كافة مراكز المسؤولية في الموازنة المقدمة والدين العام الداخلي والخارجي، وما يتعلق بالتقارير الربعية والحسابات الختامية.