الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جائحة كورونا ستغير النظام الدولي إلى الأبد!

2020-04-06 11:28:43 PM
جائحة كورونا ستغير النظام الدولي إلى الأبد!

الحدث - جهاد الدين البدوي

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالاً للدبلوماسي ووزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، وتحدث فيه أنه يجب على الولايات المتحدة حماية مواطنيها من الأمراض مع البدء في العمل العاجل للتخطيط لحقبة جديدة.

وقال كيسنجر إن المشهد السريالي الذي نعيشه اليوم على وقع تفشي جائحة فيروس كورونا "Covid-19" استدعى ذاكرتي كيف شعرت عندما كنت شاباً في فرقة المشاة 84 خلال معركة بولج، مضيفاً: "فالأجواء الآن كما كانت في أواخر عام 1944، فهناك شعور بالخطر الذي يستهدف الكل بشكل عشوائي ومدمر. مؤكداً أن هناك فرق مهم بين تلك الفترة البعيدة وزماننا الحاضر يتمثل في كون قدرة الأميركيين على التحمل في ذلك الوقت عززها السعي لتحقيق غاية وطنية عظمى. والآن البلد منقسم، ومن الضروري أن تتغلب الحكومة صاحبة الكفاءة وبعد النظر على تلك العقبات التي لم يسبق لها مثيل من حيث الحجم والنطاق العالمي للتأثير. منوهاً أن الحفاظ على ثقة الجمهور أمر بالغ الأهمية للتضامن الاجتماعي، وعلاقة المجتمعات ببعضها البعض، للوصول إلى السلام والاستقرار الدوليين.

يوضح كيسنجر بأن الأمم تتماسك وتزدهر على الاعتقاد القائم بأن مؤسساتها يمكن أن تتوقع الكارثة، وتوقف تأثيراتها ومن ثم تستعيد الاستقرار. وعندما تنتهي جائحة "Covid-19" سينظر إلى مؤسسات العديد من البلدان على أنها فشلت. ولا يهم ما إذا كان هذا الحكم عادلاً وموضوعياً أم جانبه الصواب. والحقيقة هي أن العالم لن يكون هو نفسه بعد فيروس كورونا. وإن الجدال الآن حول الماضي يجعل من الصعب القيام بما يجب القيام به الآن.

يشير كيسنجر إلى أن انتشار فيروس كورونا بنطاق وضراوة لم يسبق لها مثيل: حيث تتضاعف أعداد الإصابات في الولايات المتحدة الأمريكية كل خمس أيام، ولا يوجد حتى اللحظة علاج. كما أن المستلزمات الطبية غير كافية لمواجهة الموجات الآخذة بالاتساع في أعداد الإصابات. فوحدات العناية المركزة غير كافية. كما أن الاختبارات المتعلقة بتحديد المصابين غير كافية أيضاً. وقد يستغرق تطوير لقاح ناجح لفيروس كورونا بعد 12-18 شهراً.

وقال كيسنجر أن الإدارة الأمريكية قامت بعمل قوي لتجنب كارثة فورية. وسيكون الاختبار النهائي فيما إذا كان من الممكن ايقاف انتشار الفيروس؛ بل ومنعه بطريقة وأسلوب يحافظ على ثقة الجمهور في قدرة الأمريكيين على حكم أنفسهم. لكن يجب ألا تجهد إجراءات مواجهة الفيروس الخطط الاستراتيجية الكبرى التي يجب العمل عليها الآن في التو واللحظة للتهيئة والاستعداد لمرحلة ما بعد كورونا.

ينوه الدبلوماسي الأمريكي إلى أن قادة العالم يتعاملون مع أزمة جائحة كورونا على أساس وطني أو قومي إلى حد كبير، ولكن الفيروس يضرب بلا هوادة غير آبه للحدود ولا السيادة. في حين أن الفيروس يهاجم صحة الانسان، وآمل أن يكون ذلك مؤقتاً، ولكن التداعيات السياسية والاقتصادية التي أطلقها قد تستمر لأجيال. مضيفاً أنه لا يمكن لأي بلد، ولا حتى الولايات المتحدة أن تتغلب على الفيروس بجهد وطني بحت. كما ويجب أن تقترن معالجة ضرورات اللحظة في نهاية المطاف برؤية وبرنامج تعاونيين عالميين. إذا لم نتمكن من القيام بالأمرين معاً، فإننا سنواجه أسوأ ما في كل منهما.

يضيف كيسنجر: وباستخلاص الدروس من تطوير خطة مارشال ومشروع مانهاتن، فإن الولايات المتحدة ملتزمة ببذل جهد كبير في ثلاثة مجالات: 

أولاً: يجب تعزيز القدرة العالمية على التكيف مع الأمراض المعدية. إن انتصارات العلوم الطبية مثل لقاح شلل الأطفال والقضاء على الجدري، أو الأعجوبة الإحصائية والتقنية الناشئة للتشخيص الطبي من خلال الذكاء الاصطناعي، قد أوقعتنا بحالة من الرضا عن النفس وهو أمر خطير. ونحن بحاجة إلى استحداث تقنيات وتكنولوجيات جديدة لمكافحة العدوى ولقاحات متناسبة بين أعداد كبيرة من السكان. ويجب على المدن والولايات والمناطق أن تستعد باستمرار لحماية سكانها من الأوبئة من خلال التخزين والتخطيط التعاوني والاستكشاف على حدود العلم.

ثانياً: يجب السعي إلى تضميد جراح الاقتصاد العالمي. وقد تعلم قادة العالم دروساً هامة من الأزمة المالية لعام 2008. ولكن الأزمة الاقتصادية الحالية أكثر تعقيداً: إن الانكماش الذي أطلقه فيروس كورونا هو في سرعته ونطاقه العالمي، على عكس أي شيء معروف في التاريخ. وتساهم تدابير الصحة العامة الضرورية مثل الابتعاد الاجتماعي وإغلاق المدارس والشركات في الألم الاقتصادي. وينبغي للبرامج أيضاً أن تسعى إلى تخفيف آثار الفوضى الوشيكة على أكثر سكان العالم ضعفاً.

ثالثاً: يجب حماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي. الأسطورة التأسيسية للحكومة الحديثة هي مدينة مسورة يحميها حكام أقوياء، وأحياناً مستبدون، وأحياناً أخرى خيرة، ولكنها قوية دائماً بما يكفي لحماية الشعب من عدو خارجي. وقد أعاد مفكرو التنوير صياغة هذا المفهوم، بحجة أن الغرض من الدولة الشرعية هو توفير الاحتياجات الأساسية للشعب: الأمن والنظام والرفاه الاقتصادي والعدالة. ولا يمكن للأفراد تأمين هذه الأشياء بمفردهم. وقد أدى الوباء إلى مفارقة تاريخية، وإحياء المدينة المسورة في عصر يعتمد فيه الازدهار على التجارة العالمية وحركة الناس.

 يوضح كيسنجر أن الديمقراطيات حول العالم تحتاج إلى الدفاع عن قيم التنوير والحفاظ عليها. كما ان التراجع العالمي عن الموازنة بين السلطة والشرعية من شأنها أن تؤدي إلى تفكك العقد الاجتماعي على الصعيدين المحلي والدولي. ومع ذلك، فإن مسألة الشرعية والسلطة الألفية هذه لا يمكن تسويتها بالتزامن مع الجهود الرامية إلى التغلب على جائحة "Covid-19". كما أن ضبط النفس ضروري من جميع الأطراف - في كل من السياسة الداخلية والدبلوماسية الدولية. ويجب تحديد الأولويات.

يختتم كيسنجر مقالته بالقول: لقد انتقلنا من معركة بولج إلى عالم من الرخاء المتزايد وتعزيز الكرامة الإنسانية. الآن، نحن نعيش فترة تاريخية. ويتمثل التحدي التاريخي الذي يواجه القادة في إدارة الأزمة مع بناء المستقبل. والفشل يمكن أن يُشتعل العالم.