السبت  07 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيف يهدد تمرد ترامب الأمن القومي الأمريكي؟

2020-11-15 08:41:03 AM
كيف يهدد تمرد ترامب الأمن القومي الأمريكي؟
دونالد ترامب

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالاً للكاتبين آيفو دالدر رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، وجيمس ليندسي نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية في مركز الدراسات في واشنطن، وهما مؤلفا كتاب "العرش الفارغ: تنازل الولايات المتحدة عن قيادة العالم". وتناولا في افتتاحيته أنه أخيراً انتهت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفاز جو بايدن، ولكنه لن يتولى مهام منصبه لمدة عشرة أسابيع أخرى. وهذه الفترة الانتقالية الطويلة غير عادية في السياسة العالمية ومحفوفة بالمخاطر، خاصة عندما يرفض الرئيس الحالي قبول خسارته.

يضيف الكاتبان أن الولايات المتحدة تكاد تكون وحدها بين الديمقراطيات الكبرى التي تستغرق فيه كل هذا الوقت لتنصيب رئيس جديد للدولة. في فرنسا، يتولى الرئيس منصبه في غضون عشرة أيام من الانتخابات. وفي المملكة المتحدة، يستغرق الوقت لانتقال رئاسة الحكومة حتى صباح اليوم التالي. في المقابل تبدو الشهرين والنصف في انتقال الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة جيدة بالمقارنة مع المكسيك، حيث يستمر انتقال السلطة هناك خمسة أشهر شاقة.

يوضح الكاتبان أنه حتى في ظل الظروف المثالية، تشكل التحولات الرئاسية فترة فاصلة غير مستقرة في السياسة الأميركية. ومع استمرار الرئيس بممارسة السلطة، يبني الرئيس المنتخب فريقاً ويجسد رؤية للسنوات الأربع المقبلة. يصبح البلد عالق بين الرئيس السابق، وبين الرئيس القادم، ولكن هذه المرة، يرفض الرئيس ترامب قبول نتيجة الانتخابات، ويرفض فريقه التعاون مع الرئيس المنتخب. ونتيجة لذلك، ستكون الفترة الانتقالية أكثر خطورة من أي وقت مضى. إن تعنت ترامب لا يهدد الديمقراطية الأميركية فحسب، بل يعرض الأمن القومي للخطر.  ومن المفترض أن تحفز هذه التجربة صانعي السياسات في الولايات المتحدة على إلقاء نظرة جديدة تماماً على نهج البلاد في التعامل مع التحولات الرئاسية.

التاريخ الانتقالي

يقول الكاتبان بأن بعض التحولات الرئاسية سارت بسلاسة، حتى عندما انتقلت السلطة من حزب سياسي لآخر. ففي اليوم التالي لانتخابات عام 1992، حث الرئيس المنتخب آنذاك بيل كلينتون "أصدقاء أميركا وخصومها على حد سواء على الاعتراف، بأن أميركا ليس لديها سوى رئيس واحد في كل مرة". وقد حصل الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش الاب على موافقة كلينتون قبل التوقيع على اتفاق كبير حول الاسلحة الاستراتيجية مع روسيا.

وكان انتقال السلطة من جورج دبليو بوش إلى باراك أوباما أكثر سلاسة: فقد أدرك الطرفان أن التحولات هي لحظات ضعف يمكن للبلدان أو الجماعات استغلالها. فقد تعاون بوش وأوباما بشكل وثيق لدرجة أن المسؤولين المنتهية ولايتهم والجدد جلسوا جنباً إلى جنب في لحظة التسليم في حالة وقوع هجوم محتمل.

ينوه الكاتبان أنه في كثير من الأحيان، تكون التحولات الرئاسية صعبة ومثيرة للجدل. فقد يتخذ الرئيس المنتهية ولايته قرارات يعاضها الرئيس المنتخب: فعلى سبيل المثال، وقع كلينتون على معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر 2000، على الرغم من أن خليفته شن حملة ضدها. كما أن الرؤساء المنتخبين وفرقهم كثيراً ما يتخذون خطوات لاغتصاب سلطة الرئيس الحالي. فعلى سبيل المثال، نسف ريتشارد نيكسون جهود ليندون جونسون لعقد اجتماع قمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وسعى اختيار دونالد ترامب لمستشار الأمن القومي، مايكل فلين، إلى تقويض سياسات إدارة أوباما في مكالمات هاتفية مع السفير الروسي في واشنطن.

ومع ذلك، من المرجح أن يمثل الانتقال الرئاسي الحالي مستوى منخفض جديد. ويزعم ترامب أنه فاز في الانتخابات، وبالتالي يرفض فكرة الانتقال إلى رئاسة جديدة. وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في وقت سابق من الأسبوع الماضي: "سيكون هناك انتقال سلس إلى إدارة ترامب الثانية". وتأكيدًا على هذه النقطة، قام ترامب هذا الأسبوع بإصلاح القيادة المدنية للبنتاغون، فأقال وزير الدفاع مارك إسبر وغيره من كبار المسؤولين وانتقل إلى تنصيب موالين في مناصب عليا في وكالة الأمن القومي وأماكن أخرى. كما أمر إدارته بإعداد ميزانية جديدة لتقديمها إلى الكونغرس في شباط/فبراير - بعد أن يترك منصبه.

يرى الكاتبان بأن كل هذه الإجراءات تشير إلى انتقال سيكون غير أي انتقال للسلطة في تاريخ الولايات المتحدة: مرحلة تستخدم فيها الإدارة المنتهية ولايتها السلطة التي لا تزال تملكها لتقويض شرعية وقدرة خليفتها على تولي السلطة بسرعة وفعالية.

خيارات بايدن:

لا يشمل النظام الأمريكي مفهوم الحكومة المؤقتة – حكومة أنشئت فقط للحفاظ على استمرارية العمليات إلى أن تتمكن الإدارة المنتخبة حديثاً من التدخل. وتنتخب البلاد رؤساءً للعمل لمدة أربع سنوات كاملة – لا أكثر، بل أيضاً لا أقل. وبالتالي، ليس أمام إدارة بايدن القادمة سوى خيار انتظار خروج ترامب، طالما أن سلوك الرئيس لا يزال دستورياً ومتماشياً مع واجباته القانونية. فلا يوجد أيّ علاج قانوني يمكن أن يُجبر ترامب على التعاون– بخلاف نهاية ولايته في 20 كانون الثاني/يناير 2021.

لذا ينبغي على بايدن وفريقه أن يقاوموا إغراء تولي سلطات الرئاسة قبل ذلك اليوم. فقد مارس الرئيس المنتخب وفريقه انضباطاً ملحوظاً على هذه الجبهة قبل الانتخابات– متجنبين بدقة أي سلوك يوحي بمحاولة تقويض إدارة ترامب. فعلى سبيل المثال، وجهت الحملة أولئك الذين يعملون لصالح نائب الرئيس السابق وينصحونه بعدم الاجتماع بمسؤولين حكوميين أجانب. وتنطبق القاعدة نفسها الآن على أولئك الذين هم جزء من عملية الانتقال الرسمية. وسيكون الحفاظ على ضبط النفس هذا مهماً: ان القفز على رئاسة بايدن من شأنه ببساطة أن يغذي رواية ترامب عن الازدواجية الديمقراطية. وحتى لو بدا أن الفترة الانتقالية طويلة الأمد، فإن وقت بايدن لممارسة السلطة سيأتي قريباً بما فيه الكفاية.

يتابع الكاتبان: ومع ذلك، فإن الاعتراف بسلطات الرئاسة واحترامها لا يعني الوقوف مكتوفي الأيدي. وقد أعرب العديد من الرؤساء الجدد علناً عن خلافاتهم مع أسلافهم، وأحياناً على أمل التأثير على تصرفات الإدارة المنتهية ولايتها في الأسابيع الأخيرة. من غير المرجح أن يكون لبايدن نفوذ كبير على ترامب، ولكن من خلال تقديم فريقه الجديد وإصدار سيل مستمر من التصريحات السياسية والاحاطات الإعلامية، يمكن لبايدن أن يشير إلى الرأي العام الأمريكي والعالم كيف ستبدو إدارته وماذا ستفعل. وقد تختار العواصم الأجنبية بعد ذلك انتظار تولي الإدارة الجديدة مهامها بدلاً من التعامل مع رئيس سيغادر في غضون أسابيع.

ففي نهاية المطاف، وعلى الرغم من دراما خطاب ترامب، من المرجح أن تكون معظم الإجراءات التنفيذية المتبقية في سلطته أكثر إزعاجاً من كونها كارثيةً بالنسبة للرئيس المنتخب: إذ يمكن لبايدن أن يعكس أي أمر تنفيذي بجرة قلم، أو يطرد أو يعيد تعيين مسؤولين كما يشاء، وأن يلغي أي وعد لم يتم توقيعه ليصبح قانوناً.

نهاية التعاون:

يقول الكاتبان بأن الخطر الأكبر الذي يشكله ترامب هو على العملية الانتقالية نفسها. وبموجب القوانين المصممة لتسهيل التسليم الرسمي للسلطة، فإن فريق بايدن الانتقالي الصغير نسبياً يجتمع منذ أيلول/سبتمبر، وينتظر الآن حتى يندفع لاجتماعات واسعة النطاق. فقد عين بايدن ما يسمى بفرق المراجعة التابعة للوكالة التي من المفترض أن تجتمع مع كبار المسؤولين في جميع أنحاء الحكومة الاتحادية استعداداً لليوم الأول للإدارة الجديدة في منصبه. وتوفر الاجتماعات للمسؤولين الجدد المعرفة التي يحتاجونها لاتخاذ قرارات مستنيرة في أول يوم لهم في مناصبهم.

يتابع الكاتبان: ومع ذلك، فقد ألقى عداء ترامب بهذه العملية بظلال من الشك. وقبل أن يبدأ الانتقال من الناحية القانونية، يجب على رئيسة إدارة الخدمات العامة، إميلي ميرفي، أن تصادق على أن الانتخابات قد تمت. وقد رفضت ميرفي، المعينة من قبل ترامب، حتى الآن القيام بذلك، تاركاً المرحلة الانتقالية في طي النسيان. حتى عندما لا تبدأ ميرفي العملية، فمن غير المرجح أن تكون سلسة. وقد يؤخر كبار المسؤولين في الإدارة، إن لم يكن يرفضون رفضاً باتاً، الاجتماع مع فرق المراجعة التابعة للوكالة. إذا وافق مسؤولو ترامب على الاجتماع، فقد لا يكونون صريحين بشأن ما يعرفونه. ويمكنها أن ترفض منح الفريق الانتقالي إمكانية الوصول إلى الوثائق التي يطلبونها أو حتى أن تدمر السجلات (على الرغم من أن هذه الأخيرة قد تشكل جريمة اتحادية). وحتى لو انتهى الأمر بترامب بالسماح للمسؤولين المهنيين بلعب الأدوار الانتقالية التي ينيطها لهم القانون، فإن فريق بايدن قد لا يجد الكثير من المساعدة من قبلهم، لأن الإدارة الأمريكية اتخذت مثل هذا النهج العشوائي وغير المنظم في صنع السياسات.

يشير الكاتبان إلى أنه لا يمكن لعداء ترامب أن يعرقل جميع جهود بايدن. ويمكن للفريق الانتقالي للرئيس المنتخب أن يمضي قدماً في تحديد الأشخاص لشغل المناصب المعينة سياسياً التي يبلغ عددها حوالي 4000 وظيفة في جميع أنحاء الحكومة، ويمكنه فتح محادثات مع مجلس الشيوخ حول التصديق السريع على 1200 وظيفة سيحتاجون إليها. ويمكن للفريق إعداد بعض القرارات الرئاسية الأولية لبايدن والتخطيط لطرحها. ويمكن أن يحدد مواعيد الاجتماعات الهامة، والمكالمات، والزيارات، سواء في الداخل أو في الخارج.

يرى الكاتبان بأن الأسابيع العشرة المقبلة ستكون مضطربة، وسيكون تعنت ترامب هو السبب. كما تعمل مجموعة مخصصة من الأشخاص ذوي الخبرة الواسعة في الحكومة بالفعل بجد لضمان أن تكون إدارة بايدن مستعدة لتولي المسؤولية في 20 كانون الثاني/يناير. ومع ذلك، يثير سلوك ترامب سؤالاً عما إذا كانت الولايات المتحدة تحتاج بالفعل إلى مثل هذا الانتقال الطويل. إن تسليم الحكومة مسألة معقدة حتى في أفضل الظروف. مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الأسابيع العشرة ستكون كافية لذلك. فالفترة قصيرة جداً بحيث لا يمكن أن تقوم الإدارة باختيار الموظفين بشكل كامل: إذ تستغرق هذه العملية عدة أشهر وتستمر بعد يوم التنصيب. ولكن تسليم السلطة في الواقع، والذي يتطلب ببساطة أداء اليمين الدستورية، يستغرق مجرد ثوان، وليس عشرة أسابيع.

يختتم الكاتبان مقالتهما بالقول: إن الدراما والفوضى في المرحلة الانتقالية الحالية قد تجعل من هذه اللحظة المناسبة للنظر في تقصير الإطار الزمني للمرحلة الانتقالية الرئاسية، ربما من خلال تقريب الانتخابات من يوم التنصيب الذي ينص عليه الدستور. وفي غضون عشرة أسابيع، تكون التحولات الرئاسية طويلة جداً بحيث لا يمكن أن تكون مطمئنة، وقصيرة جداً بحيث لا يمكن أن تكون شاملة، ولكنها الفترة الزمنية المناسبة لإثارة المتاعب.