الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لماذا تصر الحكومة على ربطنا بإسرائيل أكثر؟

2021-06-29 10:06:40 AM
لماذا تصر الحكومة على ربطنا بإسرائيل أكثر؟
الطاقة الشمسية

الحدث- عودة الصباغ

واحدة من القضايا التي أُثير أمرها في الأشهر الماضية كانت الطاقة المتجددة في فلسطين، ولعل الذي أعطى القضية زخما جديدا وغرابة في نفس الوقت، هو أن أبرز شعار لحكومة محمد اشتية كان الانفكاك عن الاحتلال الإسرائيلي، وكان ملف الطاقة أحد الملفات الأكثر إمكانية وإتاحة للتطبيق في سياق هذا المشروع، لكن وبشكل غير مبرر ومفهوم تسير الحكومة عكس شعاراتها في هذا الملف وغيره، وتوثيق ارتباطها بإسرائيل بالطاقة كما كان ملاحظا مؤخرا.

لم تعد الأسئلة الجزئية والتفصيلية تفي بغرض الإجابة على سؤال لماذا هذا التعطيل في مشاريع الطاقة الشمسية، والسؤال الأهم والأوضح والأشمل هو: لماذا تعطل الحكومة مشاريع الطاقة الشمسية وتزيد من اعتمادها في مجال الطاقة على الاحتلال؟ هل هذه هي الرؤية التي بشر بها رئيس الحكومة محمد اشتية؟ ما الذي يحدث ولمصلحة من؟.. الإجابة العامة على هذا السؤال تتلخص في كلمات محدودة: لا توجد إرادة سياسية لهذا الانفكاك.

تضرب الحكومة بعرض الحائط كل التحذيرات من تفاقم أزمة الطاقة في فلسطين، والتي لم يكن آخرها ما ورد في تقرير للبنك الدولي قبل 4 سنوات بأن الطاقة عامل مهم في النمو الاقتصادي؛ محذرا من حدوث كارثة إنسانية واقتصادية مع حلول عام 2030 إذا لم تتوفر الاحتياجات الأساسية من الكهرباء للفلسطينيين في ظل زيادة سنوية في عدد السكان بنسبة 3.5%، ومشددا على ضرورة تشجيع استثمارات القطاع الخاص لتلبية احتياجات الطاقة المستقبلية والاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، وأن الاستثمار المطلوب لن يتحقق ما لم تخلق السلطة الفلسطينية وإسرائيل بيئة مواتية مناسبة لذلك.

لماذا تقتل الحكومة البيئة المواتية للاستثمار في الطاقة الشمسية؟ أليست إسرائيل هي المستفيدة من كل ذلك؟.. يمكن بوضوح تخيل التالي: خلال سنة تستطيع الحكومة من خلال خلق البيئة المناسبة للاستثمار توفير ثلث الطاقة المستهلكة بفلسطين من الطاقة الشمسية، أي أن ثلث استخدامات الفلسطيني من الطاقة تصبح من إنتاجه، وهذا يتحقق في حال سمحت الحكومة ببناء محطات طاقة شمسية بمئات الميجاوات. وإذا كان المستثمرون لديهم الاستعداد والحكومة تصرح إعلاميا بأن لديها التوجه، فلماذا يحبط كل ذلك؟.

والبعض يحاول اللمز والهمس بأن الاندفاعة من قبل المستثمرين نحو هذه المشاريع مردها تحقيق الأرباح وليس بهدف تحقيق انفكاك. هذا أمر لا يحتاج لعبقرية في التفكير، كل من يسعى لمشروع يطمح لتحقيق الأرباح، لكن جزءا من هذه الأرباح يذهب إلى أين؟ أليس إلى خزينة الفلسطينيين والحكومة؟ من الأفضل أن تذهب أموالنا لخزينة الاحتلال الذي يستوطن ويستعمر ويقتل ويبطش أم للفلسطينيين؟ من الأولى بهذا المال؟ ثم إذا كان هذا الرأي بالانفكاك هو رأي المستثمرين فلماذا لا ندعمه بما أنه يتقاطع مع استراتيجية الحكومة المعلنة؟.

لكن هذا الرأي أيضا يتقاطع مع آراء جهات أخرى لا علاقة لها بالمستثمرين، فمثلا يشدد مساعد المدير العام للشؤون الفنية في شركة كهرباء القدس سابقا، منصور نصار، على أن الانفكاك عن إسرائيل في مجال الطاقة، ممكن في حال تم بناء محطات توليد طاقة كهربائية في شمال وجنوب ووسط الضفة الغربية، مشيرا لأنه لا يوجد ربط مع الدول العربية القريبة في مجال الطاقة الكهربائية، تبقى الطاقة الشمسية هي الخيار والبديل الوحيد، لأن الربط مع الدول العربية بحاجة إلى موافقة إسرائيلية، وأن الطاقة الشمسية هي الخيار الوحيد المتاح، الذي يساهم في الانفكاك الطاقي عن إسرائيل،  لكن توسيع الاعتماد على الطاقة الشمسية يحتاج إلى جهد كبير.

لا تتوقف ذرائع الحكومة التفصيلية، فمثلا دائما ما تسوق حجة عدم توفر الأراضي خاصة وأن الاحتلال يمنع أي مشاريع في مناطق ج، لكن الحكومة قادرة على تجاوز عقدة المساحات الكبيرة وأيضا الاعتبارات السياسية في ما يتعلق بمناطق (ج) من خلال دعم المشاريع الصغيرة في تلك المناطق ومن ضمنها انتشار ألواح الطاقة الشمسية على الأسطح سواء على أسطح المباني الخاصة والعامة والمساحات المتوفرة، وهذه النصائح والمقترحات قدمت لها، لكن دون رد أو استجابة أو حتى دراسة، وحتى الجوانب الفنية يمكن معالجتها من قبل جميع الجهات ذات العلاقة، لكن الأمر بحاجة فقط إلى إرادة سياسية أولا وأخيرا.

وفي مقابل هذه المقترحات لمعالجة أزمة السيادة على مناطق ج،  يرد رئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم في تصريح له في شهر يونيو الجاري خلال المؤتمر الوزاري الثالث حول الطاقة للاتحاد من أجل المتوسط بأن تأمين الطاقة للمواطن الفلسطيني من مصادرها وبأسعار معقولة بما ينسجم مع الهدف السابع للتنمية المستدامة، يستلزم سيادة فلسطينية كاملة وإنهاء الاحتلال. هذا خطاب جيد حين يوجه للعالم، لكن أليس من المنطق وكمدخل للتحرر البدء بخطوات عملية للانفكاك عن الاحتلال؟.

ملحم قال في ذات المؤتمر إن الضفة الغربية وقطاع غزة يعانيان من نقص في التيار الكهربائي، رغم عمليات إعادة التأهيل وتطوير شبكات النقل والتوزيع، مشددا على الآثار السلبية الجسيمة للعدوان الأخير على قطاع غزة في تدمير البنية التحتية للكهرباء وتدمير العديد من أنظمة الطاقة الشمسية بشكل جزئي أو كلي، حيث وصل العجز الكهربائي في القطاع إلى 55%. وأضاف أن الحكومة عملت جاهدة لسنوات طويلة لتجاوز النقص في التيار الكهربائي من خلال إصدار التشريعات اللازمة في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، بالإضافة إلى مشاريع الربط مع مصر والأردن بهدف تنويع مصادر الطاقة والحد من الاعتماد على المصدر الواحد، وهذا أيضا جيد، لكن أين ترجمته على الأرض؟.

هذا التجاهل من قبل الحكومة لمشاريع الطاقة الشمسية والتي تؤدي في فلسطين تحديدا غرضا وطنيا، يأتي أيضا في ظل التغيرات المناخية العديدة الحاصلة في العالم بفعل الانبعاثات السامة وغيرها، تتجه الدول لوضع حلول عدة للتغلب على هذه التغيرات والحد منها، فتلجأ مثلاً، لمصادر الطاقة المتجددة التي تعد أحد أهم الحلول للتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، تعهدت المملكة المتحدة على سبيل المثال، لمواطنيها أنه بحلول عام 2050 ستكون مصادر الطاقة المتجددة هي السبيل الوحيد الذي ستستخدمه المملكة للحصول على الطاقة. ويذكر أنه عام 2019، كانت انبعاثات المملكة المتحدة أقل بنسبة 42% مما كانت عليه في عام 1990، مما يثبت أن إدخال مصادر الطاقة يساعد بإيجاد الحلول.

وتخيلوا أن الكنيست الإسرائيلي قبل حله في الفترة التي تلت الانتخابات الأخيرة قد سارع إلى إقرار قانون يتعلق بالطاقة الشمسية.. قبل حل الكنيست بدقائق، تخيلوا؟ وقد وافقت الكنيست بكامل هيئتها في القراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون لدعم توليد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية، وبموجبه يمكن تركيب نظام توليد الطاقة الشمسية بموافقة ثلثي سكان البناية وليس جميعهم كما كان سابقا، وقد صرح وزير إسرائيلي بعد إقرار القانون بأن الهدف هو الحد من التلوث الناجم عن توليد الكهرباء في محطات الطاقة، وسيدعم توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة ويساهم في تخفيض كبير في تكاليف الكهرباء للمستهلكين.

وتخيلوا أنه في المقابل لدينا مشكلة مزمنة في الكهرباء بطولكرم منذ 12 عاما وحتى اللحظة لم تقرر الحكومة اللجوء للطاقة الشمسية لحلها؟ ومستعدة لاتخاذ أي خطوة أو إجراء مقابل عدم الذهاب بهذا الخيار، أو على الأقل عدم دعمه وعرقلته، ليصبح السؤال الأهم في ضوء كل ما تقدم ليس عن السبب وراء عرقلة مشاريع الطاقة الشمسية في فلسطين، بل عن السر وراء محاولة ربطنا بإسرائيل أكثر في هذا المجال أو إبقاء الحال على  ما هو عليه.