الثلاثاء  16 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مقتطفات من كتاب "مديح الهويات المرنة"

2022-04-28 09:59:29 AM
مقتطفات من كتاب

الحدث الثقافي


صدرت مؤخرا، عن منشورات "ملتقى الطرق"، الترجمة العربية لكتاب "مديح الهويات المرِنة" للأنثروبولوجي المغربي حسن رشيق، أنجرها حسن الطالب.

وحسب الناشر، فإنه "بالنظر إلى أهمية هذا المؤلف، الذي صدرت نسخته الفرنسية سنة 2016، تحت عنوان " Éloge des identités molles"، فإن ترجمته إلى العربية فرضت نفسها".

وحسب المصدر ذاته، فإن القضية الرئيسية التي تؤطر تقود هذا الكتاب هي مسألة كلاسيكية في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وتهم العلاقة القائمة بين الفرد والجماعة، وبالخصوص درجة الاستقلالية المتروكة للأفراد المنتمين لهوية أو لأخرى.

وأضاف أن هذه المسألة يمكن أن تطرح أيضا على المستوى اليومي، مؤكدا أنه في عالم لا يفتأ الرصيد الهوياتي فيه يتمدد، وحيث الكلاشنيكوف على الأهبة عند بعض أشكال الهوية "فإننا ملزمون بمعرفة كيفية نتمثل الهويات اللغوية والدينية والسياسية لجماعاتنا، مع الحفاظ على استقلاليتنا".

وللمساهمة في هذه الإجابة، الفردية والجماعية، والقيمية والسياسية، والأكاديمية والوجودية، في الآن ذاته، يقترح حسن رشيق تحليلا نقديا لصنفين من الهوية الجماعية، الصلبة والمرنة، حسب درجة حظرها أو تشجيعها للاستقلالية الفردية.

إنّ مفهومَ الهويةِ هو أحدُ أكثرِ المفاهيمِ تداولا في أيامنا، سواء بين المتخصِّصينَ الأكاديميين في العلوم الاجتماعية والإنسانية أو بين المهتمين من مختلف المشارب. واللافتُ للانتباه أنَّ هذا الاهتمام ما انفكَّ يتنامى في ظل التَّحولات الكبرى -الاقتصادية والثقافية-التي شهدها القرن الماضي، مع ظهور مفهومٍ وإشكالٍ أثارا، هما كذلك، على التوالي، جدلا كبيرا بين المثقفين.
أوّل المفهومَين مفهوم “العولمة”، الذي “كان له أبلغ الأثر في إعادة تشكيل إدراك الإنسانِ، ووعيه بالمكانِ والزمانِ؛ وما يوجد بينه وبين مفهوم الهوية من تداخلٍ، وتفاعُلٍ، كلما أُثيرا في نقاشٍ خاصٍّ أو عامٍّ. إذ يستدعي مفهومُ العولمةِ، بالضَّرورةِ، الحديثَ عن مفهوم الهويةِ، والعكسُ صحيحٌ، وثانيهما إشكال “الهجرةِ”، بانعكاسَاته الدولية، المختلفة، في فضاءاتٍ متباينةٍ من المعمور؛ الذي من بين آثارهِ الجانبية تعميق النقاش بشأنِ الهوية، وإعادة النظَرِ في ماهيَتِها وقضَاياها، فرديةً كانت أم جماعيةً.
ورثت البشرية، قبل إشكالية الهجرة ومفهوم العولمة، أدبيات لا حصر لها، من القديم والحديث، قريبة من المفهوم، من قبيل 'القومية’، و’الوطنية’، و’العرقية’، اختلفَت مصادرها، وأجناسُها، وصيغُ التعبير عنها باختلاف الثقافات، والسِّياقات، من شعر، وملاحم، ومنظومات، ونصوص رحلية، ودينية، وفلسفية، وقصة، ورواية...

وقد يكون النقاش الدائر حاليا في العالَمِ بأسْرهِ بشأنِ الهجرةِ، بصرف النَّظر عن انعكاساتها الاجتماعية، والسياسية، “خير دليل”، على الأهمية التي أصبح يكتَسيها البحثُ الأكاديميُّ في مفهوم الهوية، وفي أبعادِه العلمية، والثقافية، والسياسية، وهي أهميّة تزدادُ مع تدفُّقِ آلافِ المهاجرينِ، الباحثين عن مستوى عيشٍ أفضلَ، في مناطق عديدة من المعمور، واختلافِ الآراءِ بين مَن ينادي بدمْجِهم، وحُسْن استقبالهم، لضروراتٍ أخلاقيةٍ، وإنسانيةٍ من ناحية، وبين من يُطالب بإبعادهم، أو طرْدِهم نحو بلدانهم، وتضييقِ الخناقِ عليهم من ناحية أخرى، خوفاً من هوياتهم المغايرة، أو الغامضة، أو العدوانية، أو حتى القاتلة...

إن السؤال الرئيس الذي يوجِّه بحثنا هذا سؤالٌ كلاسيكيٌّ في حقليْ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا.. سؤالٌ مرتبطٌ بالعلاقة بين الفرديِّ والجماعيِّ، وبدرجةٍ الاستقلالية المتروكة للأفراد المنتمين إلى هذه الهوية أو تلك. وفي عالم ما فتئت قائمة الهويات تزداد طولا، ما أحوجنا اليوم إلى معرفة كيف نتعامل مع هويات جماعاتنا الدينية والسياسية واللغوية مع احتفاظنا، في الوقت نفسه، باستقلاليتنا....

تتيحُ الهويات المرنة قدْراً من التَّعايُش، والانفتاح، والتفاعل والتناغم بين مكوناتها، والاعتراف المتبادل بين الأفراد، بما يتيحُ فتح أفُقٍ رحْبٍ للحوار الدائم والمتسالمِ، والعيْشِ تحت سقْفٍ مُشتَركٍ في منأى عن أيِّ اختزالٍ أو إقصاءٍ أو تهميشٍ...