الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الانتقام البارد على حدود غزة.. لماذا حاصرت إسرائيل نفسها هذه المرة؟

2022-08-04 10:33:40 AM
الانتقام البارد على حدود غزة.. لماذا حاصرت إسرائيل نفسها هذه المرة؟
جنود إسرائيليون على غلاف قطاع غزة

خاص الحدث

عنوان رئيسي أورده موقع والا العبري يلخص ما يجري على حدود قطاع غزة في اليومين الأخيرين: "الغلاف محاصر، الهدوء الأكثر صخبا في السنوات الأخيرة". ولعلها المرة الأولى التي يجري فيها الحديث بهذا الوضوح عن حصار حقيقي لمستوطنات غلاف غزة، وعن قدرة الردع الفلسطيني على إدخال أداة حصار المستوطنين كتكتيك جديد في المواجهة. ثلاث مستوطنات يُمنع الدخول إليها والخروج منها، أما باقي المستوطنات فشوارعها الرئيسية مغلقة، والمستوطنون مضطرون لسلك طرق التفافية للوصول للخدمات الرئيسية والضرورية فقط. 

بدأ التوتر على حدود قطاع غزة في أعقاب عملية اعتقال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بسام السعدي، وهو صاحب رمزية عالية لدى حركته، وساهمت مشاهد السحل والاعتداء خلال عملية اعتقاله، والتي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، في رفع مستوى وتيرة التوتر، لتعلن سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي رفع درجة الاستنفار في وحداتها المختلفة. يبدو الإعلان مكررا وغير جديد، وفي الأشهر الأخيرة أعلنت السرايا أكثر من مرة عن رفع مستوى الجهوزية، لكن ما الجديد الذي دفع جيش الاحتلال لأن يحاصر مستوطنيه بالإجراءات؟!. 

السبب الأول في رفع الاحتلال لمستوى التأهب والجهوزية، هو التحرك العملي لمجموعات تابعة للجهاد الإسلامي على طول الحدود مع قطاع غزة. قد يكون ذلك من باب الحرب النفسية، ومن أجل دفع الاحتلال لإغلاق الطرق والمستوطنات، لكن جيش الاحتلال لا يتعامل بالاحتمالات عندما يتعلق الأمر بتحرك واضح لمجموعات مسلحة بأدوات قتالية قادرة على ضرب أهداف بالكورنيت الذي يصل مداه إلى 5 كم، وهي مسافة كافية لضرب مركبات المستوطنين على الشوارع وآليات جيش الاحتلال على الحدود.

أما السبب الآخر فهو محاولة رئيس وزراء الاحتلال يائير لبيد الوصول للانتخابات الإسرائيلية في مطلع نوفمبر القادم بدون أي جولات قتال قد تكون لها انعكاسات على نتائج الانتخابات، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيكون القوة الثانية في الكنيست بعد حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، وهو ما يضع على عاتقه مسؤولية الابتعاد عن الزوايا التي قد تشكل له إزعاجا مستقبليا ومادة لخصومه، ولعلّ ملف التصعيد هو أحد أهم الملفات التي يحاول تجاوزها في ظل أن سلفه نفتالي بينيت استطاع أن ينجو منها بمساعدة الأمريكيين والعرب واللعب على وتر الوقت. 

بالإضافة لما سبق، فإن هناك أسبابا تتعلق بحركة الجهاد الإسلامي نفسها، وتدركها إسرائيل جيدا، وهي أن الحركة تحاول منذ أشهر فرض مفهوم جديد في إدارة الصراع فيما يتعلق بقطاع غزة، يطلق عليه مفهوم "المشاغلة"، ويقصد به أن الاحتلال يجب أن لا يشعر بحالة من الاستقرار لفترة طويلة، ومن الضروري أن تبقى المواجهة حتى لو كانت بفواصل زمنية قصير، تشغل حيزا في الوعي الفلسطيني حتى لا يتخدّر بالتسهيلات والإجراءات الاقتصادية ويبتعد عن خيار المواجهة، وفي ظل أن حركة حماس تعتمد مفاهيم أخرى في إدارة الصراع مع الاحتلال انطلاقا من غزة، كان الجهاد ينتظر الفرصة المناسبة ليؤكد على التزامه بخياره. 

أيضا، لا يمكن إغفال أن هناك مصلحة مشتركة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي من توتير الأجواء على حدود غزة من أجل قضية مرتبطة بالضفة الغربية، لأن الحركتين وصلتا في السنوات الأخيرة إلى خلاصة مفادها أن تنشيط الضفة عسكريا يخفف الضغط على قطاع غزة ويدخل جبهة أخرى للمواجهة يمكنها تحمل مسؤوليات بعض المواقف والأحداث والتطورات، ولذلك فإن أي محاولة للمساس بالحالة العسكرية سواء في جنين أو غيرها من المدن، هو مساس باستراتيجية حماس والجهاد الإسلامي، وإن كانت الأخيرة هي من تتصدر الفعل العسكري المباشر في الضفة الغربية، وهذه تقديرات تعلمها كذلك إسرائيل جيدا.

أما الاستراتيجية المتبعة في إدارة حركة الجهاد الإسلامي لحالة التوتر في الأيام الأخيرة، فهي مستنسخة من تجارب حزب الله. في يوليو الماضي استشهد أحد عناصر حزب الله في قصف إسرائيلي على دمشق، ليلعن الحزب نيته الرد على الحدود. رفع جيش الاحتلال حينها درجة الاستنفار، وظل في حالة استنفار لأكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما دفع ضباط في جيش الاحتلال للقول إن "استراتيجية الانتقام البارد" تشكل استنزافا أكبر من الانتقام المباشر نفسه، لأنها مكلفة نفسيا وماديا وعملياتيا. 

للأسباب السابقة، ومن خلال استراتيجية الانتقام البارد، حاصر الإسرائيليون أنفسهم، واعترفوا في أكثر المرات وضوحا أنهم خسروا المعركة حتى ولو لم يكن القتال. ولعلّ أفضل من عبر عن ذلك الناطق السابق باسم جيش الاحتلال، رونين مناليس، الذي أشار إلى أن حركة الجهاد الإسلامي حققت إنجازاً في هذه المرحلة، دون أن تطلق رصاصة واحدة في إشارة إلى الإغلاق الشامل الذي فرض على المستوطنات المحيطة بقطاع غزة.

مناليس قال أيضا، إن الحركة واصلت التهديد رغم نشر جيش الاحتلال صوراً للقيادي السعادي تؤكد أنه ما زال على قيد الحياة، وأكد أن قرار وقف الحركة في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة "استثنائي". مشددا على أنه في حال تنفيذ الجهاد الإسلامي لعملية من قطاع غزة، قد يؤدي ذلك لتدهور الأوضاع الأمنية، فإن ذلك يعتبر تغييراً مقلقاً في استراتيجية تنفيذ العمليات لدى الحركة، وهنا يجب السؤال عن مدى نجاعة الردع الإسرائيلي. في المقابل يوضح بأنه في حال لم تنفذ حركة الجهاد الإسلامي أي هجوم، فإنها فازت بنقاط في هذه المرحلة بعد أن أجبرت جيش الاحتلال على إغلاق المناطق والمستوطنات المحيطة بغزة، وحققت إنجازاً في "حرب الوعي" بعد التوتر والخوف الذي عاشه المستوطنون.