الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نجت من مجزرتين.. ميساء الخطيب تروي تفاصيل رحلتها بين الأرض والمسرح

2022-09-07 10:35:42 AM
نجت من مجزرتين.. ميساء الخطيب تروي تفاصيل رحلتها بين الأرض والمسرح
ميساء الخطيب

الحدث- سوار عبد ربه

في إحدى زوايا معرض سوق الفلاحين الذي يقيمه مركز خليل السكاكيني كل يوم أحد، تجلس ميساء الخطيب خلف طاولتها المملوءة بالمواد الغذائية الفلسطينية بكافة أنواعها، تبدو متعبة الملامح لكنها فرحة بما تقدمه لزائري المعرض لثقتها العالية بأن من يحب الأرض، ستحبه وتعطيه من خيراتها كل ما لذ وطاب.

على الطاولة يوجد دبس، ملبن، خبيصة، زبيب، المربى بكافة أطعمتها، الطحينة، الزعتر، البندورة المجففة، المخللات بأنواعها، الشطة والكثير من الصناعات الغذائية التي تعدها الخطيب بيدها، والتي يستغرق العمل في بعضها 13 ساعة متواصلة، تتطلب منها الاستيقاظ ما قبل ساعات الفجر أحيانا، بحسب ما روت الخطيب لصحيفة الحدث.

تقول الخطيب في لقائها مع صحيفة الحدث: "بدأت العمل في الأرض مع بدء جائحة كورونا في فلسطين وإغلاق البلاد، ففي حينها اتخذت قرارا بعدم الجلوس مكتوفة الأيدي سيما وأن عملي الأساسي توقف، فبدأت وزوجي بتنظيف قطعة أرض نمتلكها في قرية كفر نعمة، ثم زرعناها، ولما كنا نرى الثمار تنضج كنا نقيم عرسا، سيما وأنه بتذوقها اكتشفنا أننا نأكل ما هو مختلف عما نشتريه من السوق".

وتضيف: "مع مرور الوقت أصبحنا ننتج كميات هائلة من الأرض، فبدأنا بتوزيعها على أصدقاء لنا، رفضوا فيما بعد أن يأخذوها بشكل مجاني، وشيئا فشيئا أصبحت الناس تعرفني، وأصبحت أتلقى اتصالات من المعارض والمراكز والأسواق التي تدعم الفلاحين والمزارعين الصغار للمشاركة فيها.

وتردف: "بين موسم وآخر، يوجد موسم فارغ، قررت أن أملأه بصناعة المنتجات الغذائية على اختلاف أنواعها، وتعلمت ذلك ذاتيا، إما عن طريق "اليوتيوب" أو من خلال أصدقاء لي، أو بالتجربة، حتى أصبحت أتقن عمل العديد من المنتجات وأسوقها وأبيعها.

وعن دور المعارض في التسويق لمنتجاتها توضح الخطيب أنها أسهمت بشكل كبير في ذلك، حتى أصبح الناس يتصلون بها لحجز مونتهم مسبقا، وفي العام الماضي تمكنت من بيع 180 كيلو من الفول مثلا.

وعن عالم الزراعة تقول ميساء الخطيب، إنه عالم متعب لكنه جميل ومفرح، وهو وسيلة من وسائل النضال الفلسطيني، لأن أكثر ما يقهر العدو هو ارتباط الفلسطيني بأرضه.

"حاكورة الفرح" هذا الاسم الذي تطلقه الخطيب على أرضها، لأنها تنتج كل ما هو مفرح بالنسبة لها ولعائلتها ولأصدقائها، وفي الحاكورة مئة شجرة، كل واحدة منها تحمل اسما لشهيد أو صديق لا يستطيع الوصول إلى فلسطين، أو لمن تبقى من أفراد عائلتها الذين استشهد معظمهم في لبنان.

ناجية من مجزرتين ومؤسسة لأول فرقة للفنون الشعبية

والخطيب، مولودة في مخيم تل الزعتر في لبنان عام 1961، حيث ظلت هناك حتى لحظة وقوع المجزرة التي حصلت في 12 آب عام 1976، وحصدت أرواح 76 فردا من عائلتها، ونجت منها بالخروج من المخيم ثم الهجرة إلى أوروبا حيث كان يقيم والدها، وهناك تلقت تعليمها الجامعي في تخصص الترجمة الذي لم تتمكن من استكماله لاحقا.

وعام 1982 عادت الخطيب إلى لبنان، وبعد عودتها بيوم وقع اجتياح بيروت، الذي انتهى بخروج المقاومين الفلسطينيين منها، ولاحقا شهدت ميساء مجزرة صبرا وشاتيلا، وفيها استشهد 12 فردا من عائلتها وهم خالتها وزوجها وأولادهما التسعة، وجدتها، لتذهب بعدها إلى سوريا وتعيش فيها 6 سنوات.

والدة ميساء الخطيب تبكي على ضريح شهداء شاتيلا

وأثناء تواجد الخطيب في أوروبا التحقت بالاتحاد الطلابي الفلسطيني، وعملت مع زملاء لها على تشكيل فرقة للفنون الشعبية مستوحاة من فرقة الأرض في بيروت، وهي أول فرقة فلسطينية للفنون الشعبية، فكانت راقصة فيها، ما فتح لها بابا لم يكن يوما على بالها.

تقول الخطيب إنه أثناء تلقيها التدريبات على الرقصات الشعبية من قبل مخرج مسرحي اقترح الأخير أن يعد عملا مسرحيا عن مجزرة صبرا وشاتيلا، وكوني عايشتها كان لي 6 أدوار فيها، فكانت المسرحية، وعرضناها عشرات المرات في العديد من الدول العربية بالإضافة إلى لندن، وفي حينها اتخذت قرارا بأن تكون مسيرتي النضالية من خلال خشبة المسرح، لما أدركته من خلال ردود أفعال الناس أن المسرح مكان مؤثر، فأفرغت حياتي له.

ومنذ عام 1984 والفنانة تعمل في المسرح، لإحساسها بأن رسالته قوة ويمكن أن تفوق أي خطاب سياسي أحيانا، خاصة إذا كان العمل متعلقا بالإنسان الفلسطيني والوطن، وفقا للخطيب.

وعن دور المسرح الفلسطيني اليوم ترى الخطيب أن بعض المسارح كانت تقدم عروضا تليق باسم فلسطين في حين أن البعض الآخر كان يخضع لشروط الممول، والقسم الذي لم يخضع، واجه صعوبات في تقديم أعماله لما يمتكله من إمكانيات بسيطة ومتواضعة، إلى جانب الضغوطات الكبيرة التي يمارسها الممولون على المجالات الثقافية والإنسانية من بينها التوقيع على وثيقة ما يسمونه "نبذ الإرهاب الفلسطيني" الأمر الذي ترفضه ميساء والمسرح الذي تنتمي إليه، مشددة على أنهم لا يبيعون أنفسهم من أجل لقمة خبز.

أما عن التحول الذي جرى في حياتها وانتقالها من العمل المسرحي والرقص الشعبي إلى الأرض، توضح الخطيب أن كورونا التي عطلت أشغال الناس وحياتهم، كان لها دور إيجابي في حياتها، فما جعلها تنبته للأرض هو توقف كافة النشاطات الثقافية في البلاد.