السبت  31 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ترامب يتخذ إجراءات غير مسبوقة ضد المحكمة الجنائية الدولية.. هل تستمر في العمل؟

2025-05-15 01:16:40 PM
ترامب يتخذ إجراءات غير مسبوقة ضد المحكمة الجنائية الدولية.. هل تستمر في العمل؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

الحدث العربي الدولي

يواجه مكتب الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أزمة متصاعدة، بعد أن فقد المدعي العام كريم خان إمكانية الوصول إلى بريده الإلكتروني، وجمّدت حساباته المصرفية في بريطانيا، في ظل تصعيد غير مسبوق من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد المحكمة. وفي تطور لافت، تم تحذير أعضاء الطاقم الأميركي العاملين في المحكمة من إمكانية اعتقالهم في حال عودتهم إلى الولايات المتحدة، ما دفع ستة من كبار الموظفين إلى الاستقالة، بينما أوقفت منظمات غير حكومية عدة تعاونها مع المحكمة خشية التعرض لعقوبات أميركية.

هذه الإجراءات، التي كشفت عنها وكالة "أسوشيتد برس"، تأتي في أعقاب قرار إدارة ترامب في فبراير الماضي فرض عقوبات على المدعي العام خان، عقب إصدار المحكمة أوامر اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيش الاحتلال السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في غزة.

وبحسب شهادات موظفين سابقين وحاليين في المحكمة، إلى جانب محامين دوليين ونشطاء حقوقيين تحدثوا للوكالة، فإن العقوبات الأميركية تسببت بشلل كبير في عمل المحكمة، وأعاقت قدرتها على تنفيذ حتى المهام الأساسية، ناهيك عن تعقيد جهودها لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، لا سيما في ملفات متعلقة بإسرائيل. وأوضحت ليز أوفنسون، المسؤولة عن ملفات القانون الدولي في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن هذه الإجراءات "تحرم الضحايا من فرصة الحصول على العدالة".

تشمل العقوبات الأميركية حظر دخول خان وموظفي المحكمة غير الأميركيين، الذين يبلغ عددهم نحو 900 شخص، إلى الولايات المتحدة، وتهديد أي فرد أو مؤسسة تقدم دعماً مادياً أو تقنياً له بعقوبات تشمل الغرامات أو السجن. وأكدت الوكالة أن تأثير هذه العقوبات طال تحقيقات متعددة، منها تلك المتعلقة بجرائم في السودان، حيث كانت المحكمة قد أصدرت أمراً باعتقال الرئيس السابق عمر البشير بتهم الإبادة الجماعية، قبل أن تتوقف التحقيقات عملياً، رغم توارد أنباء عن فظائع جديدة في البلاد.

وتولت المحامية أليسون ميلر الدفاع عن المحكمة وموظفيها أمام القضاء الأميركي، في إطار دعوى فيدرالية ضد إدارة ترامب، لمحاولة كبح مفاعيل العقوبات. وصرّحت بأن موكلها، المدعي في المحكمة إريك إيفرسون، "لم يعد قادراً على ممارسة أبسط مهامه القانونية".

وتشير المصادر في المحكمة إلى أن المحامين الأميركيين العاملين فيها تلقوا تحذيرات من إمكانية اعتقالهم عند عودتهم إلى الولايات المتحدة. ومع تصاعد المخاوف، أقدمت شركات ومنظمات عدة على قطع علاقاتها مع المحكمة، مثل شركة مايكروسوفت التي ألغت بريد خان الرسمي، ما اضطره للانتقال إلى بريد إلكتروني من خدمة "بروتون ميل" السويسرية، كما تم تجميد حساباته المصرفية في بريطانيا.

وذكرت مصادر من منظمة غير حكومية تعمل مع المحكمة في جمع الأدلة والشهادات، أنها سحبت أموالها من البنوك الأميركية خشية مصادرتها من قبل الحكومة الأميركية، بينما أكدت منظمتان حقوقيتان أميركيتان للوكالة أنهما أوقفتا بالكامل أي تعاون مع المحكمة، إحداهما حتى امتنعت عن الرد على رسائل المحكمة الإلكترونية، خوفاً من التبعات.

هذا الوضع دفع موظفين في المحكمة إلى التساؤل علناً عمّا إذا كانت المؤسسة قادرة على البقاء في ظل استمرار سياسات ترامب، إذ قال أحد المسؤولين: "من الصعب تصور كيف ستتمكن المحكمة من الصمود خلال السنوات الأربع المقبلة".

وتصف الوكالة ترامب بأنه من أشد داعمي نتنياهو، مشيرة إلى أنه فرض العقوبات على المحكمة مباشرة بعد عودته إلى البيت الأبيض، بذريعة أن المحكمة "تستهدف بشكل غير شرعي وغير مبرر الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل". ويؤكد البيت الأبيض أن المحكمة تفتقر إلى صلاحية التحقيق في ملفات إسرائيل، وأن هذه الممارسات "تهدد الأمن القومي الأميركي، وتشكّل سابقة خطيرة تعرض الجنود الأميركيين للمساءلة القانونية".

وليست هذه المرة الأولى التي يعادي فيها ترامب المحكمة الجنائية الدولية؛ ففي عام 2020 فرضت إدارته السابقة عقوبات مماثلة على المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا ونائبها، على خلفية فتح تحقيق بشأن جرائم حرب مزعومة في أفغانستان. لاحقاً، ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، تم إلغاء تلك العقوبات، لكن العودة الحالية لترامب إلى الحكم أعادت المواجهة إلى الواجهة.

المقابلات التي أجرتها "أسوشييتد برس" تكشف أيضاً عن أجواء من السخرية السوداء داخل المحكمة، حيث يتداول الموظفون نكات عن أن تقديم قلم لخان قد يجعلهم "تحت رادار" السلطات الأميركية. وتفيد الشهادات أن العقوبات أدت أيضاً إلى تراجع تعاون دول كانت تُعتبر من أكبر داعمي المحكمة، حيث رفضت ثلاث دول، اثنتان منها من الاتحاد الأوروبي، تنفيذ أوامر توقيف أصدرتها المحكمة مؤخراً، ما يعكس أزمة أعمق في قدرة المحكمة على فرض ولايتها.