الثلاثاء  24 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من يحمي الأسرى وقت الحرب؟| بقلم: عصام بكر

2025-06-24 01:51:30 PM
من يحمي الأسرى وقت الحرب؟| بقلم: عصام بكر
عصام بكر

في سجن مجدو، الذي كان سابقاً معسكراً للجيش البريطاني خلال سنوات انتدابه على فلسطين، وبالقرب من مرج بن عامر، يقبع نحو 950 أسيراً ومعتقلاً. يضم السجن 10 أقسام، يعيش الأسرى فيها مثل بقية السجون في ظروف اعتقالية بالغة القسوة، وجبات متواصلة من القمع اليومي والتنكيل، وانتشار وتفشي الأوبئة والأمراض الجلدية. السواد الأعظم منهم لا يتلقون العلاج الطبي اللازم. تفاقمت أوضاعهم بعد السابع من أكتوبر 2023 على نحو أكثر تدهوراً وخطورة، انعكست على مجمل الأوضاع في السجن. باتت الحياة الاعتقالية غاية في القسوة، تنعدم معها أبسط قواعد السلوك الإنساني، وأدنى متطلبات القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي تكفل معاملة الأسير وحقوقه، بما فيها تقديم العلاج الطبي، والطعام، والملبس. تكفلها جميعاً القوانين الدولية.

تقارير حقوقية أشارت إلى إصابة العشرات من الأسرى بفعل إطلاق صواريخ اعتراضية أثناء محاولتها التصدي لصواريخ إيرانية أُطلقت على شمال فلسطين المحتلة. التقارير المحدودة أشارت إلى وجود إصابات حرجة في صفوف الأسرى في السجن، مع تواصل الحرب لليوم الحادي عشر على التوالي، بعد أن شنت دولة الاحتلال هجومها على إيران، والتي لا مجال للتطرق إلى مآلات هذه الحرب وأهدافها، رغم الحديث الصريح الذي يكرره رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو حول تغيير “وجه الشرق الأوسط”، بكل ما تحمله هذه العبارة من معانٍ ودلالات على مستوى خارطة الإقليم، وربما العالم.
الموضوع الأساس في هذه الأسطر هو إلقاء الضوء على قضية الأسرى زمن الحرب، باعتبارها قضية (منسية) لا تحظى بالاهتمام المطلوب مع الانشغال بمجريات الأمور والتطورات التي تفرضها حرب شرسة مستعرة، قد تمتد حرائقها إلى المنطقة برمتها. وفي ذات الوقت علينا ألا ننسى أيضاً 20 شهراً من الإبادة المفتوحة التي لم تتوقف على قطاع غزة، ووقعها على الأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس عموماً.

على أي حال، بالعودة للموضوع وما يطرحه من أسئلة تتعدى التعبير عن “القلق العميق” أمام ما جرى، بسبب التعتيم الإعلامي ووقف زيارات المحامين، وسحب قنوات التلفزة، بحيث أصبح الأسرى بعد أكتوبر 2023 معزولين عن العالم تماماً، فإن الصليب الأحمر الدولي والمؤسسات الحقوقية لا تنجح في زيارة كل السجون ومراكز التوقيف إلا بشكل نادر وقليل.

هنا لا بد من طرح جملة من الأسئلة حول الشعور الذي ينتاب الأهالي بعد سماعهم عن سقوط شظايا على غرف أبنائهم في السجن؟ فقط، هل من أحد يمكنه أن يتخيل المشهد؟ لا أخبار على الإطلاق، ولا وسيلة اتصال تكشف ما جرى؟ أي الأقسام التي تضررت؟ كم عدد الأسرى؟ ومن هم؟ وربما الأهم: ما نوع الإصابات؟ تناولت بعض التقارير وجود إصابات خطيرة.
أكثر الأسئلة إلحاحاً ربما هو عدم تلقي العلاج أو نقل الأسرى للمشافي للعلاج الطبي، ما يعني بشكل مباشر أن هناك أسرى جرحى داخل السجن لم يتم نقلهم للعلاج.
هذا يقود إلى بعض المقاطع المسربة مؤخراً حول الاعتداءات التي تعرض لها الأسرى خلال الأيام القليلة الماضية، والتنكيل بهم من قبل إدارات السجون، بسبب ما سموه التعبير عن “الفرح” في إحدى الدفعات الصاروخية التي أطلقتها إيران على مناطق شمال فلسطين المحتلة.
يُظهر المقطع القصير أسرى تم التنكيل بهم واقتحام غرفهم بقوات مدججة من جنود الاحتلال، وإلقاء عدد من الأسرى أرضاً بعد تصويب بنادق آلية محشوة بالرصاص الحي باتجاههم.
هذه ليست حادثة عابرة، بل تصوير حقيقي لما يجري على مدار الساعة داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، تُلخص إلى حد كبير المعاناة، وتعكس الجزء اليسير مما يكابده الأسير لحظة بلحظة.

نصوص القانون الدولي واتفاقيات جنيف للعام 1949 تنص بشكل واضح وصريح على حق الأسير وقت الحرب، وتعتبر نقل الأسير من مكان سُكناه إلى أراضي الدولة القائمة بالاحتلال جريمة حرب، وتضمن معاملته معاملة إنسانية بعيداً عن التعذيب أو الإهانة والمعاملة الحاطة بالكرامة.
كل ذلك على مدى سنوات الاحتلال يُنتهك يومياً بشكل فاضح، بشهادات مشفوعة بالقسم لأَسيرات وأسرى تحرروا من الأسر يروون فيها ما تقشعر له الأبدان عن سوء المعاملة، والضرب، والتجويع، والإخفاء القسري، إلى جانب سياسة ممنهجة من الإهمال الطبي المتعمد، وسلسلة طويلة من الحملات الوحشية التي لم تشهد لها السجون مثيلاً في تاريخها.

ما جرى بحق الأسرى مؤخراً، إلى جانب ما يجري منذ أكتوبر 2023، ليس معزولاً عن سياق كامل من مدارس تغذي النزعات المتطرفة والأكثر إجرامية على مدار سنوات الصراع، لا يجب المرور عليها مرور الكرام.
هي ليست خبراً عادياً تورده بعض الوكالات الإخبارية ويُطوى طيّ النسيان.
فالمطلوب اليوم رسمياً وشعبياً، وعلى المستوى القانوني والإعلامي بالذات، تحركاً ملموساً وفورياً يرتقي لمعاناة الأسيرات والأسرى، للضغط بكل الأدوات المتاحة، وكشف حقيقة ما جرى في مجدو، ونقل الأسرى لتلقي العلاج، المصابين بالشظايا، وكذلك المرضى ضحايا “سكابيوس” الذي يفتك بأجسادهم، والأمراض الجلدية الأخرى.
والإصرار على توفير حماية للأسرى، والعمل على وقف كل أشكال التعدي وحملات الانتقام الممنهج بحقهم. علينا العمل جميعاً، كلٌ بموقعه ومسؤوليته، من باب الواجب الأخلاقي والوطني، على إيجاد إطار قانوني دولي واضح، يضع ثقله بكل قوة تحت مظلة الأمم المتحدة وهيئاتها، من أجل إلزام دولة الاحتلال بتطبيق القوانين الدولية، وفتح سجونها ومعتقلاتها أمام لجان التحقيق الدولية.

ما جرى خطير، يدق ناقوس خطر حقيقي، تُتهدد فيه حياة الأسرى أكثر من أي وقت مضى، بعد الذي مُورس على مدار الأشهر الماضية، وسجن “سيديه تيمان” القريب من قطاع غزة خير شاهد على حجم المأساة التي يعيشها الأسرى والأسيرات، والتي ستتكشف يوماً فصولها، على فظائع مروعة ارتكبتها دولة الاحتلال عن سابق إصرار وتحدٍ لكل المواثيق والقوانين الدولية.
أما الأسرى والأسيرات، فرغم المعاناة، فهم على ذات الإرادة العصية على الانكسار مهما حصل، وأيقونات العطاء التي لا تنطفئ، مهما حاولوا إخماد عنفوانها المشتعل.