السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحوار الوطني الرابع بين القطاعين الخاص والحكومي مؤتمر لاحتواء الأزمات والهروب من مواجهة المسؤوليات في فشل وإفشال الشراكات

2014-02-18 00:00:00
الحوار الوطني الرابع بين القطاعين الخاص والحكومي
مؤتمر لاحتواء الأزمات والهروب من مواجهة المسؤوليات في فشل وإفشال الشراكات
صورة ارشيفية

هجوم القطاع الخاص يستفز رئيس الوزراء ويجبره على التخلي عن كلمته الرسمية والتحدث بصراحة 

الحمد الله، يطالب القطاع الخاص بالتقشف ليكون قدوة، وأفضل 600 شركة لا تدفع الضرائب، وإضراب يوم واحد يكلف الحكومة من 7 إلى 10 ملايين شيقل

د. عبد الكريم: إقرار الموازنة العامة بدون أخذ ملاحظات الآخرين يشكل بداية غير موفقة على الإطلاق في السياسات والحوار

المسروجي: السياسات الحكومة متخبطة وضبابية، وضعف واضح في وضع سياسات مالية شفافة قادرة على أن توجد توازنا منطقيا بين المقبوضات والمصروفات

سنقرط: المؤتمر تظاهرة اجتماعية اقتصادية داخلية لم ترتق إلى قدر كبير من المسؤولية

د. ناجي: الحكومة جاهزة بكل مؤسساتها لتوفير كل ما من شأنه أن يعزز أداء ونشاط القطاع الخاص

د. مجدلاني: على الحكومة أن تدير حواراً مسؤولاً في إطار سياساتها الاقتصادية والاجتماعية التي تضع في مقدمة أولوياتها العدالة الاجتماعية

 

رام الله ـ خاص بالحدث

هجوم لفظي شنه القطاع الخاص على زئبقية الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة وتهربها من مسؤولياتها التشاركية وبالذات مع القطاع الخاص. فشل رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله في احتوائه في مؤتمر «احتواء الأزمات» حينما حاول تصدير الأزمة البينية مع القطاع الخاص وتحميل مسؤوليتها للاحتلال رغم نجاحه الطفيف في دغدغة مشاعر مستمعيه التي لحن لها سيمفونية الأزمات المالية المتتابعة التي تتعرض له حكومته وتثقل أعباءها المالية، وما يرافقها من إجراءات احتلالية ميدانية.

لكن الحمد الله وإن كان قد لامس العواطف الوطنية، وما أكثرها جياشة وليس تجيشا، فإنه فشل في إقناع المشاركين في مؤتمر «الحوار الوطني الرابع الذي عقد مؤخرا في رام الله» بعدم تفرد حكومته باتخاذ القرارات ورسم السياسات ووضع الخطط والتوجهات والاستراتيجيات دون أدنى مشاركة ليس فقط للقطاع الخاص وإنما لكل الفعاليات المجتمعية وبضمنها المجلس التشريعي، فعن أي شراكة تتحدث عنها الحكومة مع القطاع الخاص وهي قد تجاهلته وأهملته في مناقشة مشروع موازنة 2014 التي أقرتها قبل يوم واحد من انعقاد المؤتمر الذي تداعت له وعلى ما يبدو بهدف احتواء عديد المشاكل التي تواجهها.

ولا نعرف إن كانت بادرة حسن أو سوء نية في التعامل معها بهذه الطريقة، لكن عدم الانتظار لطرحها على مؤتمر من هذا النوع كان رسالة لم يختلف عليها اثنان من القطاع الخاص بفشل الحوار الذي رغب البعض بتسميته «حوار الطرشان» حتى قبل أن يبدأ مع أن هدفه توطيد أواصر العلاقات التشاركية بين القطاعين الحكومي والخاص، وكأن لسان حالها يقول «قولوا ما تشاؤون والحكومة تفعل ما تريد».

كل هذا لم يغير من حقيقة أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها الحكومات المتعاقبة بحاجة إلى تصويب ولا يرضى عنها القطاع الخاص فلهذا السبب يأتي الحوار الآن والذي نعتقد أنه انتهى بانتهاء جلساته وبصورة أدق بانتهاء كلمات افتتاحه الرسمية لتبقى الفجوات بين الطرفين كبيرة ويصعب جسرها بالرغم مما تنطوي عليه القضايا المطروحة من أهمية كبيرة.

هل نحن بحاجة للمزيد من المؤتمرات الاحتفالية للاحتفاء بشراكة غير قائمة وإن وجدت أحيانا فهي مشوهة؟ هل نحن بحاجة إلى خلوات ولقاءات جماهيرية وقطاعية ومهنية خطابية؟ أم نحن بحاجة إلى إرادة جدية تمتلك ما يكفي من الجرأة والشجاعة لإشراك جميع مكونات المجتمع وبخاصة القطاع الخاص في صنع القرارات ورسم السياسات الآنية والمستقبلية بما يخدم التصدي لتحديات المرحلة الراهنة والمستقبلية؟

بقي أن نشير إلى أن الكثير من الشخصيات عبرت عن رأيها بخجل وأخرى أعلنت مواقفها بدبلوماسية، وثالثة كشفت فيه عن مواقفها انطلاقا مما ترتبط به من علاقات منفعية أو برامج ثنائية أو مشاريع تمويلية بمظلات تنموية مع الجهات المنظمة أو الراعية أو الشخصيات الحكومية ذات الشأن الاقتصادي، بما يخدم مصلحتها الفردية أو المؤسسية وتغليبها على المصلحة القطاعية.

الشراكة مع الحكومة على محك مشاركة رجال الأعمال في القرارات الاقتصادية 

وكان محمد المسروجي أمين سر المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص، رأس حربة القطاع الخاص وقائد الهجوم غير المسبوق والجريء على الحكومة وسياساتها المالية والضرائبية والجمركية ومواقفها العملية من شراكتها النظرية مع القطاع الخاص، مشددا على أن الحوار يجب أن يكون مستمرا ولا ينقطع، محملا الحكومة القسط الأكبر من المسؤولية وذلك بسبب السياسات الارتجالية في أغلب الأحيان الاقتصادية والمالية، وبسبب غياب التخطيط والعمل الجدي لخلق اقتصاد قوي ويتلاءم مع مواردنا وإمكانياتنا.

وقال: «إن الحكومات المتعاقبة لم تضع الخطط الكفيلة بتنمية الاقتصاد والعمل على التوجه نحو الاكتفاء الذاتي بقدر الإمكان. ففي مجال الزراعة لم نعرف يوما بأن الحكومات قد وضعت خطة لدعم المنتج الزراعي والاستغناء عن المنتج الإسرائيلي، وفي مجال الصناعة فالدولة لا تقدم أي شيء إلا من خلال تشجيع الاستثمار والذي أوقف بضغط من الحكومة (لسد جانب من العجز)، واصفا السياسات الآلية للحكومة بالتخبط والضبابية، وضعف واضح في وضع سياسات مالية شفافة وقادرة على أن توجد توازناً منطقياً بين المقبوضات والمصروفات. عليها أن تضع خطة للتقشف وعلى الحكومة أن تكون قدوة للمواطن في التقشف، وأن تقدم خطة للتوظيف، خطة للزيادات، وخطة لكافة النفقات.

مطالبة الحكومة بتوسيع قاعدة المكلفين

وشدد مسروجي على وضع الشراكة مع الحكومة على المحك من خلال مشاركة رجال الأعمال في القرارات الاقتصادية الحكومية التي تمس الاقتصاد الوطني وتهم القطاع الخاص ومأسسة علاقة القطاعين العام والخاص. وأن يؤخذ برأي القطاع الخاص عند إقرار السياسات المالية والاقتصادية وإصدار القوانين أو تعديلها أو عندما يعامل القطاع الخاص بموجبها، فطريقة التعامل وطرق فرض الضرائب والتحصيلات وجميع العلاقات بين القطاعين العام والخاص يجب أن توضع على المحك وتبحث.

وطالب الحكومة بتوسيع قاعدة المكلفين ووضع لوائح تشمل القطاع الأكبر من دافعي الضرائب ومحاسبتهم حسب دخلهم، واعتماد سجلات الشركات الكبرى وعدم معاملتهم كمتهمين وإلغاء موضوع مركزية متابعة ملفات كبار المكلفين.

وقال المسروجي “القطاع الخاص يطالب بدفع مستحقاته وحتى يتم ذلك يطالب بدفع فوائد على تأخير السداد ومنذ استحقاق الفواتير”.

أفضل 600 شركة لا تدفع الضرائب

ويكشف رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله (الذي تخلى عن كلمته الرسمية المكتوبة ورد مرتجلا ومتحدثا بصراحة تعقيبا أو بردة فعل على كلمة المسروجي) عن عدم دفع أفضل 600 شركة الضرائب بفعل قانون الاستثمار، وأن نسب التهرب الضريبي تصل إلى %86، بينما يكلف إضراب يوم واحد الحكومة من 7 إلى 10 ملايين شيقل، في الوقت الذي أكد فيه توجه الحكومة لتخفيض الضرائب مع توسيع الشريحة. 

وأكد الحمد الله، قيام إسرائيل بخصم المقاصة على مزاجها، وقال: «علينا التوقيع وإلا لن تحول المقاصة، حيث يقوم الجانب الإسرائيلي بخصم 120-100 مليون شيقل شهريا دون معرفة طبيعة هذا الخصم والذي يكون بالعادة لصالح التحويلات الطبية وفاتورة كهرباء».

وطالب الحمد الله، القطاع الخاص بالتقشف ليكون قدوة، طالما هو يطالب الحكومة بأن تشكل هذه القدوة ويتخلى عن رواتب موظفيه العالية، متسائلا: كيف يمكن ضبط النفقات وفاتورة الرواتب تشكل %80 من الموازنة؟

وقال: «علينا أن نكون جاهزين لسيناريوهات كثيرة، وخاصة الأسوأ، في حال فشل المفاوضات. علينا أن نكون والقطاع الخاص شركاء في الهم، والأوضاع القادمة تحتم علينا جميعا أن نكون وحدة واحدة، موجها خطابه للنقابات».

إقرار الموازنة رسالة هامة تنذر بفشل الحوار

ينتقد سمير حليلةـ الرئيس التنفيذي لشركة فلسطين للتنمية والإعمار “باديكو” القابضة بشدة شكل المؤتمر الذي يحتاج بنظره للنقاش في كيفية التحضير له لإنجاحه وكيفية متابعته ما بعد انتهائه فهنالك نقص في هاتين الجهتين.

ولا يعول حليلة على المؤتمر في إحداث تغييرات هامة جوهرية سواء في علاقة الحكومة بالقطاع الخاص أو في إحداث تغييرات جوهرية على محاور التنمية، ويعتبر إقرار الحكومة للموازنة العامة قبل يوم من المؤتمر دون مشاركة ومناقشة القطاع الخاص رسالة هامة لهم تنذر بفشله بالرغم من أنه يرى «بأن سماع الرأي والرأي الآخر موضوع مهم ولكن ليس من المفروض أن يتم في إطار علني من هذا النوع وبهذا الحجم، الحوار الجدي هو حوار يتم على قضايا محددة في تجمعات أصغر ومحددة وليس بشكل عام».

وينتقد حليلة إعداد الحكومة خطة للتنمية لثلاث سنوات، وموازنة لعام واحد دون أن تكون هناك علاقة بينهما، مبينا أن تواصل بقاء معدلات الفقر والبطالة مرتفعة خاصة خلال الـ 14 عاما الماضية، يعتبره تحديا أساسيا يستدعي من السلطة العمل على تجاوزه وإحداث تغيير إيجابي فيه.

ويرى أن هناك حاجة لضبط النفقات الحكومية، وتحسين مستوى الجباية الضريبية، وآلية وضع الموازنة، التي قال عنها بأنها لا تختلف عن السابق، مؤكدا أن البيئة الاستثمارية في فلسطين غير مواتية، ونسب الضرائب غير مناسبة، لافتا في الآن نفسه، إلى أن هناك “عشوائية” و “غوغائية” في الرسوم المفروضة على الشعب الفلسطيني والقطاع الخاص، الأمر الذي دعا إلى فحصه وتحديد مدى قانونيته. ويشدد حليلة على ضرورة مأسسة الحوار، بغية الوصول إلى نتائج عملية.

دوره الإيجابي أكثر من سلبياته

ولكن يختلف ابراهيم برهم، رئيس مجلس إدارة مركز التجارة الفلسطيني «بال تريد» مع حليلة، ويرى في الحوار إيجابية، وأنه لا يجوز النظر له من منطلق شكلي، فهو عبارة عن جهد كبير تم خلال فترة الأشهر الأخيرة ركز على بعض القضايا المفصلية التي تهم العلاقة ما بين القطاعين الخاص والعام.

لكن برهم يقر بفشل المؤتمرات السابقة التي لم تؤد إلى النتائج التي يتطلعون لها في القطاع الخاص، ويأمل أن يحدث مؤتمر الحوار الرابع نقلة نوعية أو على الأقل يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وعلى الجميع أن يدرك أنه لا يستطيع القطاعان الاتفاق على جميع القضايا، لكن يستطيعان الاتفاق على ما يخدم الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية بشكل عام والسياسات الاقتصادية الهادفة إلى المساعدة في تطوير العمل الاقتصادي وتسهيل عمل قطاع الأعمال في فلسطين، خاصة في الظروف الصعبة التي نعيشها وبالسياسات المالية والتي يجب أن تكون أكثر مرونة وقدرة على التطبيق مع حجم الظروف التي يعاني منها قطاع الأعمال.

ورؤية برهم الإيجابية للمؤتمر لم تمنعه من القول إنه «يجب أن يتبعه مفاصل أساسية وتحديد أولويات واضحة لاأننا نحن كقطاع خاص، وبالعلاقة مع القطاع العام الذي عليه أن لا يتوقع أن يتحدث عن القطاع الخاص، وكأنه هو «البقرة الحلوب» التي يمكن أن تقوم بكل الدور اللازم ولا القطاع الخاص يتوقع من الحكومة أن بيدها العصا السحرية».

وبالرغم من تخوفه فإنه يتوقع من هذا الحوار التوصل إلى نوع من الحد الأدنى من العلاقة بين الجهتين وأن يكون له دور إيجابي أكثر منه سلبي. وحث الحكومة على إعادة النظر في الكثير من القضايا التي طرحت في الحكومات السابقة خاصة فيما يتعلق بموضوع الضرائب ومستحقات القطاع الخاص ومواضيع لها علاقة ببعض الأطر التنظيمية والقانونية مثل تطوير قانون تشجيع الاستثمار وأن يتم تشكيل اللجان اللازمة لفترة زمنية محددة إلى أن يتم التوصل لحل لها.

وتطرق برهم إلى الكثير من المعيقات التي يتعرض لها القطاع الخاص خلال السنوات الأخيرة والتي لم تتم معالجتها وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة ما بين الدوائر الحكومية وما بين دوائر القطاع الخاص، وفي الحاجة لتشغيل أكبر عدد ممكن من الايدي العاملة وتقليل البطالة، لذلك على الحكومة تسهيل عمل قطاع الأعمال وأن لا تعقده فيجب أن تزداد الاستثمارات والتشغيل فهذا هو الدور المطلوب من الحكومة.

عملية مستمرة 

ولا يتفق د. محمد نصر – عميد كلية التجارة والاقتصاد في جامعة بير زيت، مع برهم حول فشل الحوارت السابقة وقال توجد نتائج ونتائج إيجابية، لكنه لا يتوقع في جلسة أو مؤتمر خاص أن تحل كل مشاكل القطاعين العام والخاص فهذه العملية مستمرة وبالعكس فإن هذه الحوارات هي التي تساعد على جسر الفجوة ما بينهما.

ويؤكد أنه لو لم تكن هنالك لقاءات واجتماعات ومؤتمرات لكانت الفجوة بين القطاعين أكبر وأخطر، داعيا إلى عقد المزيد من المؤتمرات واللقاءات والحوارات التخصصية، لعلها تحقق الشراكة التي بقيت حبيسة المطالبات والدعوات النظرية.

ويرفض د. نصر عدم مشاركة القطاع الخاص في مناقشة الموازنة، مشددا على مأسسة العلاقة والشراكة أكثر، مستغربا نقاش بعض الأشياء التي كان يمكن نقاشها في الموازنة مثل الضرائب، ويرى أنه كان يمكن لهذا المؤتمر أن يعقد قبل إقرار الموازنة، بحيث يتم تضمين رأي القطاع الخاص فيها، وكذلك الأمر في خطة التنمية 2016/2014.

ويقول د. نصر “إن لم يتم  الاستماع لرأي القطاع الخاص فمعنى ذلك أنه ستشتغل الحكومة في واد ومن تريد أن تطبق عليهم القانون والموازنة والخطة سيكونون في واد آخر”.

الشراكة لا تعني مشاورة الحكومة للقطاع الخاص في كل شيء

لكن عمار العكرـ الرئيس التنفيذي لجموعة الاتصالات الفلسطينية، يرى أن الشراكة لا تعني نهائيا أنه يتعين على الحكومة أن تشاور القطاع الخاص في كل شيء، فهي تشاور القطاع الخاص في القضايا المصيرية التي تهم القطاع الخاص بشكل أساسي.

ويحاول العكر أن يجد تبريرا للحكومة في إقرارها الموازنة دون مشاركة القطاع الخاص حينما قال: “قد يكون للحكومة ظروفها الخاصة في إقرار الموازنة ودخول العام الجديد بدون اقرارها، وبالتالي أي نقاش فيها قد يستغرقها هذا أشهر ومدة طويلة”.

ويأمل مع د.نصر وبرهم باستمرار جهود جولات التشاور للوصول إلى سياسات تشجيعية للاستثمار ولتحفيز القطاع الخاص وتغيير الظروف الاقتصادية وتعدد العملات ما يجعل عامل المخاطرة في الأعمال أعلى من دول أخرى وغيرها من الظروف التي تزيد من المعاناة والتحديات التي يعانيها، وأن تعزز الحكومة السياسات التي تشجع القطاع الخاص على الاستمرار في تحدي الاحتلال وعلى الأداء الأفضل لتوظيف أعداد أكبر من أبناء شعبنا.

تظاهرة لم ترتق إلى قدر كبير من المسؤولية

وبكلمات حادة قال مازن سنقرط، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات سنقرط العالمية: «إن الشكوك التي تعتري جدية هذا الحوار فيما يتعلق بالشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، شيء مؤسف ومعيب لأن الوضع العام الذي تعيشه فلسطين ينعكس على الجميع، وللأسف القضايا أصبحت في مجملها نظرية والشراكة ليست ممأسسة بطريقة صحيحة، وإن أهداف هذه الشراكة ورؤاها وبرامجها وأدوات نجاحها ومراحل تنفيذ مخرجاتها غير واضحة».

ويرى أن المؤتمر أصبح تظاهرة اجتماعية اقتصادية داخلية لم ترتق من القطاعين إلى قدر كبير من المسؤولية، وأن الشراكة يجب أن تكون ممأسسة بقانون لكي لا يترك لمزاج هذا الطرف أو ذاك يجتمع متى يشاء ومتى أراد وكيفما شاء وأراد.

ويطالب سنقرط بتفعيل قرار الحكومة التاسعة في 2005 بإنشاء المجلس الوطني للتنافسية برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزراء من ذي العلاقة وقيادات القطاع الخاص معتقدا أنه من الواجب، وهذا استحقاق على الطرفين، أن تكون الاجتماعات الشهرية بجدول أعمال واضح وسكرتاريا واضحة ومخرجات واضحة وقابلة للتنفيذ.

ودعا القطاع الخاص لأن يتحمل مسؤولياته أمام هيئاته العامة وشركاته الكبرى وغير ذلك، كما ودعا القطاع العام بوزاراته وهيئاته المختلفة بأن يكون حاضرا وجاهزا لتطبيق ما يتم التوافق عليه لمصلحة الوطن.

وقال سنقرط: “يجب أن تكون الشراكة على مبدأ التنافسية لصالح الاقتصاد الفلسطيني وليس تظاهرة اجتماعية وغير ذلك، ونحن نشرك المجتمع الدولي في هذه اللقاءات والحوار الوطني المهم ونتغنى في المحافل الدولية والمحلية بأن هناك شراكة، وأنا أقول بكل أسف أنها ما زالت في بداياتها وما زالت غير ممأسسة وباستطاعتنا فعل الكثير لتحسين وتطوير أدوات هذه الشراكة لمصلحة فلسطين المستقبل”.

وحث سنقرط رئيس الوزراء أن يتبنى شراكة من خلال مأسسة واضحة قائمة على مبدأ وقاعدة التنافسية لصالح الاقتصاد الفلسطيني، وأن يتبنى الاجتماعات الشهرية بمشاركة وزرائه، وكذلك مشاركة قيادات القطاع الخاص ومؤسساته.

اتهام القطاع الخاص بالحرمنة وسرقة البلد

حال جمال جوابرة، أمين عام اتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية، ليس بأفضل حال من غيره، فهو لا يتوقع أن ينتج عن المؤتمر أي شيء مثله مثل عقد ثلاثة حوارات سابقة ويقول: “تم الاتفاق على آليات الحوار والشراكة ولكن للأسف الشديد لم ينفذ منها أي شيء وهذه المرة هي من أجل ان نظهر للناس باننا نجري حوارات ولكن لا أتوقع أن يخرج بنتائج ايجابية والحكومة الحالية لديها سياسات واجراءات مالية طبقتها وأقرت الميزانية بدون الرجوع للقطاع الخاص، والحال هذه كيف يمكن أن يكون هناك حوار ما بين القطاعين العام والخاص”؟

وينفي جوابرة وجود شراكة نهائيا، والمطلوب من وجهة نظره أن تجلس الحكومة مع القطاع الخاص وتستمع له ولهمومه وتساعده على تجاوز مشاكله، وفي نفس الوقت تخفيف إجراءاتها عنه، فالقطاع الخاص ليس هو البقرة الحلوب التي ستغطي كل نفقاتها ومصاريفها». محملا الحكومة مسؤولية هجرة القطاع الخاص بسبب اجراءاتها وسياساتها.

ويؤكد جوابرة ان الحكومة تصر على مواقفها ولم تأخذ برأي القطاع الخاص، فهي تستمع له وتعمل بالمثل القائل «شاوروهم وخالفوهم»، وهذا ما أظهرته ثلاثة حوارات سابقة ولكنا لم نخرج بشيء. ويطالب الحكومة بالتخفيف من إجراءاتها الضرائبية والجمارك والتعامل مع القطاع الخاص بشكل مهني وإنساني وأن لا تتهمه بالحرمنة وسرقة  البلد.

مراكمة الإنجازات والبناء عليها

ويرى محمد نافز الحرباوي، رئيس ملتقى رجال الأعمال، أنه يجب البناء على ما تم إنجازه وليس البدء من جديد أو نسيان كل إنجازات المؤتمرات السابقة وتجاهل الآليات الواضحة التي أقرتها وصادق عليها مجلس الوزراء.

ورفض الشعور باليأس من شكل وطبيعة الحوار والشراكة مع الحكومة، فكلاهما في قارب واحد، ويجب دائما تنسيق الجهود وتفعيل الحوار المشترك وتعزيز الشراكة لأن بناء هذا الوطن لا يتم من طرف واحد.

وهو الأمر الذي أكد على أهميته حسن قاسم، رئيس مجلس إدارة اتحاد تكنولوجيا المعلومات الذي يعول على بداية جديدة لنوايا صادقة من الطرفين مشددا على تقييم النتائج خلال فترة قصيرة وقياس مؤشر نجاحه وعدم الانتظار لمؤتمر آخر للإعلان عن إذا ما كنا قد نجحنا أم فشلنا، ويقول: «نحن جادون في الحوار حتى نضع أسس ومأسسة الحوار، مؤكدا على أنه يجب أن يكون هناك لقاءات أخرى في خلوات متعددة لكي نصل إلى استراتيجية موحدة نقوم بالعمل عليها.

تمييز إيجابي للنساء 

وتتفق مها أبو شوشة، رئيسة منتدى سيدات الأعمال، مع البعض على أن المؤتمر جزء من عملية مستمرة تهدف إلى تعزيز شراكة القطاعين العام والخاص، ولإيجاد تفاهمات على كافة القضايا المشتركة بينهما، وهناك نقاط توافقية وأخرى خلافية.

وتطالب أبو شوشة بتمييز إيجابي للنساء لمساعدتهن في دخول سوقي العمل والإنتاج وامتلاك شركات وفي تنمية الاقتصاد.

ولا تحسد الحكومة على وضعها حقيقة فالكل ينتقدها ويوجه لها اللوم معربة عن تضامنها مع الحكومة وتقول: «الله يساعدها على الحمل الذي تحمله في التجاوب مع مطالب القطاع الخاص ومطالب موظفي القطاع العام وفي إيجاد خدمات وتوفيرها للمواطنين في ظل أوضاع جدا صعبة ونأمل من القادم أن يكون أفضل».

فشل المؤتمر مصيبة كبرى

وبنفس اللغة الدبلوماسية يشدد د. سعيد الخالدي، مدير عام مجلس الشاحنين الفلسطيني، على أهمية الحوار الدائم بين القطاعين وتفعيل آلياته بطريقة بناءة تشكل حافزاً كبيراً للاقتصاد الفلسطيني وتؤثر على أصحاب العمل بتمكينهم من توظيف الأيدي العاملة ومن شأنها أن تؤثر أيضا على دخل الفرد وعلى قطاعات إنتاجية محددة.

ويعتبر الخالدي فشل المؤتمر مصيبة كبرى، حاثا الحكومة الاستماع بطريقة بناءة لمطالب القطاع الخاص، فمشاكله ملموسة على الاقتصاد وأثرها تراكمي ومخيف على المدى البعيد. في الوقت الذي طالب فيه القطاع الخاص بالصبر وأن يتفهم وضع الحكومة الصعب ولكن ليس على حساب السياسات الضريبية والجمركية التي يجب أن يعاد النظر فيها، بخلق مؤشرات وحوافز لقطاع الصناعة وحماية المنتج الوطني ودعم قطاع الزراعة.

مشكلة الحوار في آليات التنفيذ

ولا يعتقد د. عودة شحادة، أمين عام اتحاد الصناعات الفلسطينية، أنه يوجد مؤتمر فاشل وآخر ناجح، ويقول: «هناك مؤتمر ممكن أن يحقق بعض الإنجازات المتقدمة عن غيره المهم في المؤتمرات تراكمها ما يؤدي إلى تراكم النتائج والانجازات.

ومثله مثل الآخرين فإنه يطالب بمأسسة الحوار عبر الجهاز أو اللجنة أو الهيئة أو ما يسمى في الدول الأخرى مجلس التنافسية الذي يكون هو الإطار المؤسسي الذي يضم منظومة الحوار بين القطاعين. ويرى أن ردود الحكومة على مطالب القطاع الخاص باستمرار إيجابية ولكن المشكلة غالبا ما تكون في التنفيذ.

ويخطّىء شحادة، الحكومة في عدم أخذها برأي المجلس التشريعي والقطاع الخاص في الموازنة، معتقدا أنه كان يفترض أن تكون الموازنة أحد محاور الحوار في المؤتمر، مطالبا الرئيس بإعادة النظر في الموازنة وأن يأخذ برأي القطاع الخاص والمجلس التشريعي وممثلي المجتمع المدني من الموازنة لانها تعاني من مشاكل في هيكليتها ومن عدم ربطها بخطة تنموية شاملة.

فشل المؤتمرات السابقة في مأسسة الحوار

و كان د. نصر عبد الكريم ، مستشار وخبير اقتصادي من بين أكثر الشخصيات نقدا ويرى أن هذا المؤتمر شأنه في ذلك شأن المؤتمرات السابقة، يحاول طرح أجندة حول قضايا وسياسات اقتصادية معينة وواضح تماما بأنه حتى الآن لم تصل الشراكة بين القطاعين إلى المستوى المعقول ولا المأمول وليس المقبول من القطاع الخاص، مؤكدا فشل كل المؤتمرات السابقة في مأسسة الحوار الذي بقي ارتجاليا وتلقائيا وموسميا.

ويقول: “عند ظهور مشكلة ما يلجؤون إلى الحوار من أجل احتوائها، إن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها الحكومات المتعاقبة بحاجة إلى تصويب ولا يرضا عنها القطاع الخاص” مؤكدا على أهمية القضايا المطروحة، لكن الفجوات بين الطرفين كبيرة، ويظن بأن  الحكومة ترى نفسها في دائرة الدفاع عن سياساتها التي لا تسير بالاتجاه الصحيح.

ويقترح د. عبد الكريم تشكيل لجنة توجيهية عليا من القطاعين الخاص والعام تجتمع دوريا ولها سكرتاريا ادارية وينبثق عنها لجان فنية متخصصة تتناول التوصيات المتفق عليها بالتفصيل بعد انتهاء المؤتمر وترفع توصياتها للجنة التوجيهية العليا والتي بدورها تنقلها لمجلس الوزراء والتي على اثرها يقوم باتخاذ القرارات المناسبة.

ويؤكد د. عبد الكريم، أن الحكومة لم تتشاور مع القطاع الخاص في الموازنة وفوجىء الجميع بأن الحكومة أقرت الموازنة وحولتها للرئيس لإقرارها.

ومن هنا يقول عبد الكريم، إن الاشكالية ليست في التشاور الميكانيكي، وليس باجتماعات رفع العتب، وان الكثير منا لديه ملاحظات نقدية هامة على الموازنة وكلها من باب الحرص على تصويب السياسة المالية للسلطة، لكن هل تم أخذ هذه الملاحظات بالاعتبار هذا هو ما يخيفني أن نتشاور نقول ولكن كل ما يقال وكل ما يطرح من ملاحظات لا يؤخذ به وأنا أخشى من ان يستمر النهج الذي كان سائدا في السنوات السابقة بشأن الموازنة في هذا العام بأنه «سمعناكم ولكننا نفعل ما نرغب به، واذا أقر الرئيس الموازنة بدون أخذ ملاحظات الآخرين ستكون بداية غير موفقة على الاطلاق في موضوع السياسات والحوار”.

حالة الشراكة غير موجودة

ويبرهن بسام ولويل، رئيس اتحاد الصناعات الغذائية الفلسطيني على أن حالة الشراكة التي يتحدث عنها ويتغنى بها القطاعين العام والخاص هي حقيقة غير موجودة، ويقول: “لا توجد شراكة حقيقية وإنما تصريحات وتمنيات فلا يجوز أن نسميه مؤتمراً، وندعو لعقد لقاءات حقيقية تبنى على رؤية واقعية وعملية وفيها نتائج، فكيف لنا مضاعفة الناتج القومي وبموجبها نحل مشكلة البطالة وتزداد إيرادات الحكومة الضريبية وإحداث تنمية حقيقية في البلد وكيف يحل المنتج الوطني محل المستورد وكيف نضاعف الصادرات اذ تنعدم الشراكة في كل هذه المفاصل والطرفان يتحملان المسؤولية”.

ويأسف الولويل، لأن القطاع الخاص آخر من يعلم عن الموازنة التي تعكس حالة التنمية في البلد، ويرى أن المشكلة في تفرد الحكومة بوضع سياسات وتوجهات وخطة التنمية الاقتصادية والقطاع الخاص يجهلها ولا يعلم بها، فليس هكذا تقاد الأمور، نحن نتمنى ونتطلع إلى شراكة حقيقية تنعكس على الواقع والمواطن يلمس اثرها الايجابي في مجال التنمية وفي مجال مضاعفة الناتج القومي الفلسطيني وبغير ذلك لا يوجد ضرورة لهذا الحوار أصلا.

الحبل يزداد التفافا على رقابنا وعلى الاقتصاد الوطني

ويرى د. سمير عبد الله، مدير معهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية «ماس» أن المؤتمر يأتي في وقت حساس، والحبل يزداد التفافا على رقابنا وعلى الاقتصاد الوطني، فالأزمة تتفاقم وتوجد طروحات ملموسة مباشرة للتعامل مع المشكلات وبالطبع توجد اجتهادات مختلفة، وهناك مطالب للقطاع الخاص الحكومة تقبلت جزء كبير منها وهناك مطالب للحكومة.

ويعتقد د. عبد الله، أن الحكومة لا تستطيع أن تنفذ خطتها لوقف التهرب الضريبي أو لتقليصه بدون التعاون مع القطاع الخاص والثقة المتبادلة فالقطاع الخاص يطالب بثقافة جديدة في تعامل وزارة المالية مع المكلفين والكل يطالب بتحسين الجباية وهذا يعني تطوير كوادر وزارة المالية وقدراتهم.

ويقول: “إن الكل متحفز للعمل في موضوعة معالجة المشكلات التي تواجه الاقتصاد الوطني والقطاعين الخاص والحكومة التي تعيش بمشكلة عويصة فلديها عجز كبير ومتزايد وهذا التزايد سيستمر إذا القطاع الخاص لم توجد لديه البيئة ليحقق النمو الاقتصادي المطلوب حتى يزيد من إيرادات الحكومة، فهناك علاقة مصلحة مشتركة والكل يشعر بأن الأزمة تخنقه ولن ينفذ منها فالكل يدفع الثمن، وبالتالي توجد مصلحة مشتركة للعمل المشترك بصورة جادة أكثر بسبب الأزمة، معربا عن أمله بتعزيز الثقة بين الحكومة والمكلفين ودافعي الضرائب لأن الثقة هي مفتاح زيادة الضرائب ومفتاح إنهاء التهرب الضريبي وتسربه للخزينة الإسرائيلية.

ولا يلوم د.عبد الله،  القطاع الخاص في تشككه من نوايا وأهداف المؤتمر فالتجربة السابقة لم تحقق النتائج المرجوة.

يمكن الوصول إلى حلول مرضية من خلال الحوار

ويعتقد د. جواد ناجي - وزير الاقتصاد الوطني، جازما بأن الحكومة جاهزة بكل مؤسساتها لتوفير كل ما من شأنه أن يعزز أداء ونشاط القطاع الخاص، وقال: «أعي جيدا بأن هناك مطالب للقطاع الخاص ويمكن الوصول إلى حلول مرضية من خلال الحوار ولا يمكن أن يبقى كل طرف لوحده يتحدث عن السياسات الاقتصادية والمالية وعن بيئة الاستثمار بمعزل عن الطرف الآخر، فلا بد من أن يلتقي الطرفان لمناقشتها للوصول إلى رؤية مشتركة لعل وعسى أن هذه الرؤية المشتركة تمكن الحكومة أن تؤسس عليها الخطط التنموية والسياسات الاقتصادية والبيئة الاستثمارية التي نحن ننشدها لصالح القطاع الخاص».

ويعترف د. ناجي بعدم تنفيذ بعض التفاهمات الناتجة عن ثلاثة مؤتمرات سابقة محملا مسؤولية عدم تنفيذها للطرفين، قائلاً: “يجب أن نكون في وضع يمكننا من أن نتحاور مع بعضنا البعض، لا يجوز أن يبقى حوارنا حوار الطرشان، فالمشاكل لا تحل بهذه الطريقة وانما بوضعها على طاولة النقاش والمفاوضات”.

آليات للحوار وإطار للمتابعة

ويتفق د. أحمد مجدلاني، وزير العمل، مع الوزير ناجي، ويؤكد حرص الحكومة على تطوير هذا الحوار ووضع آليات له ووضع إطار له ليتابع، مؤكدا أنه ينبغي على الحكومة أن تدير حوارا مسؤولا في اطار سياساتها الاقتصادية والاجتماعية التي تضع في مقدمة أولوياتها العدالة الاجتماعية وفي نفس الوقت تمكين القطاع الخاص وتوفير مقومات النمو له بما يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.