الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 52: مقدسيون بلا هوية زرقاء .. والخضراء ممنوعة

2015-11-24 12:09:45 AM
في العدد 52: مقدسيون بلا هوية زرقاء .. والخضراء ممنوعة
صورة ارشيفية

 

10 آلاف طفل مقدسي محرومون من الهوية "الزرقاء"

الحدث- فرح المصري

"ما قيمة الإنسان بلا وطنٍ ولا علمٍ ودونما عنوان".. كتبها الشاعر محمود درويش لتوصيف حالة المنفى والاغتراب الذي يعيشها الفلسطيني في وطنه بلا هوية أو وجود.

فتهجير الفلسطينيين من القدس، يعد إحدى أبرز السياسات للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فهي تطمح بأن تصبح غالبية القدس "يهودية"، حيث تشير الإحصاءات المتعلقة بتعداد السكان في القدس من الفلسطينيين واليهود إلى أنه بالوصول لعام 2015 ستتساوى الكثافة السكانية لكل منهما.

في حين أن الزيادة لو استمرت على ما هي عليه؛ فإن التعداد السكاني للمواطنين الفلسطينيين بالقدس التاريخية سيزيد بواقع 7.2% مقابل نسبة 6.8% لليهود عند بلوغنا عام 2020، وعليه تختلق اسرائيل الذرائع لسحب هويات المقدسيين، ومنعهم من الحصول على أبسط حقوقهم، حقهم بالسكن والوجود.

أحمد شاب من مدينة رام الله يبلغ من العمر (22 عاما) يقول لـ"الحدث": "حالي كحال الآلاف من أبناء شعبنا، والدي يحمل الهوية الزرقاء (القدس) وأمي تحمل الهوية الفلسطينية (الضفة الغربية)، ويعمل والدي ويقيم في القدس، فيما أنا وإخوتي مع وأمي نقيم في رام لله"

يضيف "طوال (22 عاما) ونحن محرومون من "الهوية الزرقاء" وكأننا غير موجودين عمليا على أرض الواقع، وكأنه لا فرق بيننا وبين الحجر، لا يتم اعتبارنا موجودين، لا أستطيع الخروج من رام لله، لا أستطيع السفر أو الدخول للجامعة، أو حتى الزواج".

ويتابع: "أن هذا الموضوع سياسي بحت، وإسرائيل تتبع سياسة تهويدية هدفها إخراجنا من القدس، لتصبح المدينة المقدسة بغالبية يهودية، وبالرغم من أن والدي يدفع الضريبة المفروضة على المقدسيين، وله عنوان رسمي مقيم في القدس، إلا أن الإسرائيليين في كل مرة يتذرعون بالحجج الواهية لحرماننا من حقنا في الهوية".

واستطرد أحمد والحسرة تملأ عينيه: "كان حلمي أن أكمل دراستي في ألمانيا، وقضيت عمري وأنا أدرس اللغة الألمانية لتحقيق هذا الحلم، ومنذ شهرين تقريبًا، قدمت امتحان القبول وتمكنت من الحصول على "المنحة الألمانية"، وقمنا بتوكيل محامٍ لمساعدتي في الحصول على "هويتي" حتى أتمكن من السفر، لكن للأسف كل ذلك كان دون جدوى، وخسرت المنحة الألمانية، ومعها حلمي وما زلت هنا في هذا السجن الكبير".

عن هذا الموضوع، قال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري: "إن حرمان المقدسيين من هويتهم مرتبط بقانون الجنسية الذي صدر كأمر مؤقت عام 2002، ويجري تجديده بشكل تلقائي كل 6 أشهر، ويمنع أي عملية جمع شمل بين الزوج وزوجته، كأن يحمل أحدهم "الهوية الإسرائيلية" ويرتبط بشخص مقيم بالضفة الغربية أو قطاع غزة".

وأضاف لـ"الحدث": "إن قانون الجنسية هو أحد القوانين الإسرائيلية العنصرية التي تأتي في إطار وجود الفلسطيني في القدس "كمشكلة ديمغرافية" وعدم قبول إجراءات لم الشمل للعائلات الفلسطينية، ما يؤدي إلى وجود عائلات مفككة بسبب هذه الإجراءات التي تمنع إقامة الأسر الفلسطينية تحت سقف واحد، ويمنعهم من العمل في "إسرائيل" ما يحولهم لفئة مضطهدة وفقيرة، بحيث تصبح هذه الفئة وكأنها غير موجودة على أرض الواقع".

ويشير إلى أن إسرائيل تستخدم مزيجًا من القوانين العنصرية وسياسات إدارية واقتصادية، هدفها تفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين وتحويلهم إلى أقلية، لخدمة روايتها الإسرائيلية، وان القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، إلا أن نسبة الفلسطينيين في القدس آخذة بالارتفاع، حيث وصلت إلى 19% عام 1968، وارتفعت لتصل اليوم إلى أكثر من 37%.

10 آلاف طفل مقدسي محروم من الهوية

ويتابع العاروري:" إن هناك 10 آلاف طفل مقدسي لا يمتلكون شهادات ميلاد وغير مسجلين في السجل المدني، وبالتالي هم محرومون من العديد من الحقوق، ومن الممكن أن يتم تسجيل الأطفال في هوية أحد الوالدين لو لم يمتلك الآخر هوية زرقاء، شرط إقامة الأسرة في "إسرائيل" لمدة سنتين قبل تسجيل الأبناء في الهوية.

ونوه إلى أن اسرائيل تطلب من عائلة كل طفل ولد في المدينة إثبات ذلك جينيًا وقانونيًا، في حين أن قرار "لم الشمل" في إسرائيل للحصول على البطاقة الدائمة للإقامة يخضع لثلاث مراحل، تبدأ بحق المكوث، ثم الإقامة المؤقتة، وأخيرًا حق الإقامة الدائمة.

وأفاد أن موضوع السكن في القدس دون "وجود إقامة" هو نوع من المخاطرة، وهو صعب من الناحية المادية لارتفاع إيجارات الشقق المعروضة وقلتها، فهناك ما يقارب 10 آلاف شقة سكنية فقط في القدس متوفرة لاستيعاب السكان بسبب القيود الإسرائيلية.

وأشار العاروري إلى أن هذا يعتمد على ما يسمى في القانون الإسرائيلي "مركز الحياة" الذي يمنح الحق لإسرائيل برفض طلب الحصول على الهوية للمقدسيين الذين يعملون أو يدرسون في منطقة أجنبية حسب التعريفات الإسرائيلية، حتى لو تم دفع الضريبة.

في الإطار ذاته، يقول الباحث الميداني في بيت سيلم كريم جبران: "إن السلطات الإسرائيلية تضع عقبات أمام تسجيل الأطفال في السجل المدني، وتعمل بشكل دائم على اتباعهم للجانب غير المقدسي، فهناك الآلاف من الأطفال ممن يعانون من هذه المسألة من خلال عدم تزويدهم بتأمين صحي أو وثائق تسهل عليهم دخول المدارس والجامعات".

ويرى جبران، أن الحل الوحيد لهذه المسألة يكمن عند السلطات الإسرائيلية، التي تعمل على تعقيد هذه المسألة بشكل دائم، وتقوم بتجديد "قوانين الطوارئ" كل ستة أشهر، وهي قوانين تحد من قضايا لم الشمل، وتمنع إعطاء الفلسطينيين الهويات المقدسية، طالما أن هذه القوانين مصدق عليها.

وحددت الأمم المتحدة في تقرير نشرته في وقت سابق أربع مجموعات مختلفة من الفلسطينيين عرضة للتأثر في القدس "الأولى: فلسطينيون يحملون هويات القدس ويعيشون فيها، ولم يتم تشريدهم غير أنهم معزولون عن عائلاتهم. والثانية: فلسطينيون يحملون هويات القدس ويعيشون خارجها، ويواجهون خطر التشريد وإلغاء حقوقهم في المدينة. والثالثة: فلسطينيون دون هويات مقدسية يعيشون في ضواحي القدس مثل بلدتي (الرام) و(أبو ديس)، ويسعى الاحتلال لنقلهم إلى الجانب الآخر من الجدار في الضفة الغربية. والرابعة: فلسطينيون لا يحملون هويات مقدسية ويقيمون في القدس ما يجعلهم مقيمين «غير شرعيين» في منازلهم، وفقًا للقوانين الإسرائيلية".

ويستطرد الباحث الميداني كريم جبران: "إن هذه الظاهرة كبيرة جدًا وهي تتعلق بشقين عملية تجميد لم شمل العائلات وهنا نقصد آلاف العائلات الفلسطينية التي تعاني من هذه المسألة، وعدم وجود لم شمل للزوجين، وما نتج عنها من مشاكل في عملية تسجيل الأطفال".

انتهاك واضح لحقوق الإنسان

مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري يقول لـ"الحدث": "لقد توجهنا بالعديد من الالتماسات للمحكمة العليا، وتم اللجوء لمنظمات حقوق الإنسان، ولكن أقصى ما يمكن تحقيقه من المحاكم هو تطبيق القانون، و"القانون الإسرائيلي" عنصري بطبعه، بالتالي لا جدوى من ذلك، فهذه تعدّ إحدى القضايا التي يجب التوجه فيها إلى مرجعيات دولية".

من جهته، قال الباحث الميداني في بيت سيلم كريم جبران: "إنه يجب التوجه الفوري للمحاكم الدولية، فهذا انتهاك واضح لحقوق الإنسان والحق في الإقامة والسكن، فلا جدوى من اللجوء للقضاء الداخلي فهذه القوانين مصدق عليها من سلطات قضائية إسرائيلية عليا.

 ورأى جبران، أن هناك حلولاً طويلة الأمد تتمثل في قيام الارتباط الفلسطيني بتقديم طلبات جمع شمل للجانب الإسرائيلي، الأمر الذي سيأخذ سنوات طويلة؛ لأن السلطة عاجزة عن إصدار هويات أو بطاقات شخصية للآلاف من الفلسطينيين داخل الضفة الغربية؛ لأن السجل المدني تابع للجانب الإسرائيلي وهو من يحدد هذه المسألة.

قرار يمنع حصولهم على هوية الضفة

من جهة أخرى، قال مسؤول لم الشمل في وزارة الشؤون المدنية أحمد سمارة: "إن هناك قرارًا من مجلس الوزراء يمنع إعطاء من تنازل عن هويته الزرقاء هوية الضفة، مبررًا هذا القرار، بأنه وطني؛ لأن أملاك من يتنازل عن "الهوية الزرقاء" تصبح أملاك غائبين، بالتالي يتيح لإسرائيل السيطرة عليها".

ويضيف لـ"الحدث": "لا يوجد رقم دقيق عن أعداد هذه الفئة، ولكن الرقم يقدر بالآلاف، وبالرغم من المعاناة التي سيتكبلها أصحاب هذه الفئة، إلا أنه عليهم الصمود أمام القيود التي تفرضها السياسة الإسرائيلية، فهي من توافق على إعطاء الفلسطينيين الهويات، حتى على من يعيش داخل الضفة الغربية".