الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 52| حاجز الجلمة ... متنفس محافظة جنين

إغلاقه يؤثر سلباً على كافة مناحي الحياة

2015-11-24 03:54:12 PM
في العدد 52| حاجز الجلمة ... متنفس محافظة جنين
صورة ارشيفية

الحدث– رائد أبوبكر

يشكّل حاجز الجلمة الواقع شرقي محافظة جنين، شريان الحياة الاقتصادية والاجتماعية لأهالي محافظة جنين، والمدخل الوحيد للعمال والتجار الفلسطينيين إلى الداخل المحتل، والمعبر الوحيد لسكان فلسطين المحتلة عام 48 للتسوق وزيارة أقاربهم في جنين، ومعبرًا لأبنائهم الملتحقين بالجامعات الفلسطينية في الضفة المحتلة، وبالتالي إغلاق المعبر لساعة واحدة فقط يؤثر سلبًا على مناحي الحياة المختلفة كافة، سواء لأهل جنين أو لفلسطينيي 48.
 
 

متى أنشئ حاجز الجلمة؟

يعود اسم الحاجز نسبة إلى قرية الجلمة التي يبعد الحاجز عنها بضعة أمتار، ويعني اسم الجلمة، التلة المرتفعة قليلاً عن الأرض، وتقع على بعد 7 كيلومترات من مدينة جنين، يمر بجانبها شارع "جنين-الناصرة"، الواصل بين مدينتي جنين والناصرة في الداخل الفلسطيني المحتل، والعائق هو الحاجز المذكور.

يروي رئيس مجلس قروي الجلمة خالد أبو فرحة للحدث، بعد حرب 1967، أصبحت الجلمة قرية حدودية، جزء من أراضيها موجود في مناطق الـ 48، وتمت مصادرة 75% من أراضيها وفق اتفاقية "رودس" التي وقعت بعد حرب 1948، وكانت تنص: أن من حق أصحاب القرية ممارسة أعمالهم الزراعية، لكن لم يحدث ذلك على ارض الواقع.

ويضيف، في عام 1967 تم استخدام المنطقة القريبة من الجلمة إلى مكان تُنفذ فيه التدريبات العسكرية، والسكان عانوا فترتها من وجود حقول للألغام كانت تنفجر تحت أقدام المزارعين، استشهد وأصيب على إثرها عدد من المواطنين من القرية ومن المحافظة، وكان الطريق بين أراضي 48 و67 سالكًا لا معيقات أو تفتيش، مشيراً إلى أنه في الفترة الواقعة بين عامي 1993 حتى 2000 عاش سكان القرية ومحافظة جنين حالة ازدهار اقتصادي، وعند انطلاق الانتفاضة الثانية عام 2000، أقيم حاجز كان يطلق عليه اسم "250" فصل قرية الجلمة عن مدينة جنين، حيث بات طلبة القرية وموظفوها حتى عام 2004 يقطعون مسافة 40 كيلومترًا يوميًا، متوجهين إلى جامعاتهم وأماكن عملهم، وبعد عام 2004 أقيم حاجز الجلمة، وأطلق عليه الجانب الإسرائيلي اسم "معبر حدودي" بمساعدة من USAID، حيث بات المشاة يمرون من الحاجز يوميًا لا سيما فلسطينيي 48، وبعدها تم فتح مدخل لسكان قرية الجلمة؛ ليبتعدوا عن الحاجز، وخصص المعبر فقط لفلسطينيي 48.

وأوضح، أن الحاجز في الانتفاضة الثانية أغلق عدة مرات، حتى إن فترة الإغلاق تدوم شهورًا، عانى السكان خلالها من تعطل مصالحهم، مشيرًا إلى أنه في الفترة الحالية، وعند سماح الجانب الإسرائيلي لفلسطينيي الـ 48 دخول جنين بسهولة، بعد انخفاض حدة الانتفاضة الثانية وبجهود من محافظ جنين الأسبق الراحل قدورة موسى، حيث كان يدخل ما يقارب 5 آلاف سيارة، وتكون الذروة يومي السبت والأحد، حيث يأتي فلسطينيو 48 وخاصة أهل الجليل لقضاء حاجاتهم في جنين وزيارة أقاربهم، فوجود المعبر ودخول السيارات وفلسطينيي 48 ينعش جنين من الناحية الاقتصادية، رغم أنه شيد بطريقة حديثة لفحص البشر، مع العلم، انه يقام على أرض قرية الجلمة جدار فاصل بين مدينة جنين والقرى التابعة للناصرة والعفولة.

 

حاجز الجلمة خلال الانتفاضة الحالية

في الانتفاضة الفلسطينية الحالية، أصبح حاجز الجلمة مستهدفًا من قبل الشباب، كونه المتنفس الوحيد، إن صح التعبير، لردة فعلهم تجاه الاحتلال، فمحافظة جنين تختلف عن باقي محافظات الضفة الغربية بقلة عدد نقاط التماس فيها مع الاحتلال، حيث انسحب الأخير من غالبية المستوطنات المقامة على أراضيها مع انسحابه من غزة عام 2005، ولم يبق فيها إلا نقاط عسكرية محدودة، منها حاجز الجلمة، وحاجز مستوطنة دوتان القريب من بلدة يعبد جنوب غرب جنين، ومعسكر سالم غربي جنين، وحاجز طورة جنوب غرب جنين، وحاجز برطعة الشرقية الذي يفصل القرية عن أراضي جنين والضفة الغربية.

ويندلع بالقرب من حاجز الجلمة في بعض الأيام مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال، ومنهم من توجه إلى الحاجز لتنفيذ عمليات طعن، رغم معرفتهم بأنه محصن وصعب الاختراق، إلا أن اندفاع الشباب جعلهم يفعلون ذلك.

 وشهدت الأيام الماضية، استشهاد ثلاثة أطفال على حاجز الجلمة، قتلوا بدم بارد وهم، أحمد أبو الرب، وأحمد كميل، ومحمود نزال، وجميعهم من بلدة قباطية، قتلوا في الساحة ذاتها قرب الحاجز، وكان بإمكان جنود الاحتلال اعتقالهم أو إصابتهم، إلا أن سياسة الاحتلال وبأمر من رئيس وزرائه بإطلاق النار بهدف القتل، فالأطفال الثلاثة، كما قال شهود عيان: أصيبوا برصاص الاحتلال وتركوهم ينزفون، ومنعوا طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني الاقتراب منهم وتقديم العلاج اللازم لهم، وتم جرهم إلى داخل الحاجز، حتى استشهدوا على أيدي أفراد الشركة الأمنية الإسرائيلية التي تدير حاجز الجلمة.

وكانت الشركة الأمنية الإسرائيلية وجيش الاحتلال قد شددوا من إجراءاتهم الأمنية على الحاجز، حيث أشار مصدر أمني لـ"الحدث" إلى أن قوات الاحتلال أغلقت الحاجز لأكثر من 20 ساعة، تحديدا في اليوم الذي استشهد فيه الطفل محمود نزال، في أواخر شهر أكتوبر من العام الجاري، وقام الاحتلال بنصب العديد من كاميرات المراقبة ونشر القناصة، وكتيبة يطلق عليها "الصحراوي"، وبالتالي كما أوضح المصدر، أي حركة مشبوهة بالقرب من الحاجز يتم التعامل معها من قبل الاحتلال بوحشية.

 

قصص وروايات من الإذلال

في ساعات فجر كل يوم، عدا يوم السبت حيث يكون مفتوحا فقط أمام فلسطينيي 48، يتكدس آلاف من المواطنين على مسارب الحاجز المختلفة، بانتظار السماح لهم بالدخول إلى الداخل المحتل، إما للبحث عن لقمة العيش، أو طلبًا للعلاج، أو لتوصيل بضاعة، وغالبية من يكون في السراديب، إن جاز التعبير، من العمال البسطاء، يعانون الأمرّين.

المواطن طارق حوراني يقول لـ"الحدث": "اعتدت العبور من حاجز الجلمة لسنوات، لكن في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد أن استلمت الشركة الأمنية الإسرائيلية الخاصة إدارته، ازداد الأمر سوءًا، حيث ارتفعت نسبة الانتهاكات مقارنة بالانتهاكات التي يمارسها جيش الاحتلال النظامي سابقًا في فترة إدارته للحاجز".

وأشار، فور دخول الشخص إلى الحاجز وحتى الخروج منه، لا تواجه أفراد الأمن وجهًا لوجه، بل يتم التعامل عبر مكبرات الصوت وخلف زجاج محكم، وإن كان هناك شك في أمر شخص ما، يتم احتجازه في غرفة محكمة، وتبدأ إجراءات التفتيش الجسدي المهينة، حيث يجبر على خلع كل الملابس حتى الداخلية منها، ويتم تفتيشه عبر كاميرات فقط".

أحد التجار رفض الكشف عن اسمه قال: "كثيرًا ما يستخدم الاحتلال الحاجز لابتزاز التجار والمواطنين عبر إغلاقه بين الحين والآخر كعقاب جماعي، ومنهم من يتم ابتزازه من أجل التعاون معهم، وإنْ رفض يكون مصيره، إما إلغاء تصريح الدخول، أو اتخاذ إجراءات قاسية، أو منعه من الدخول إلى أراضي الـ 48 وقطع رزقه، وهناك أشخاص كثر وافقوا على التعاون معهم مقابل أن يحافظ على لقمة العيش، فالعمل في الضفة، كما يعلم الجميع شبه معدوم، والعاطلون عن العمل على كفى مين يشيل".
 
 

طلبة الداخل يعانون كما يعاني أهل الضفة

ما يقارب 6000 طالب وطالبة من الداخل الفلسطيني يلتحقون بالجامعات الفلسطينية في الضفة، بخاصة جامعتا العربية الامريكية في جنين والنجاح الوطنية في نابلس، وأكثرهم في العربية الأمريكية حيث يلتحق بها ما يقارب 4200 طالب وطالبة من الداخل المحتل، هؤلاء الطلبة يواجهون العديد من العراقيل والمعاناة من قبل الجنود العاملين على حاجز الجلمة خلال توجههم إلى الجامعات.

يقول الطالب ليث ياسين من قرية كفرمندا في الداخل المحتل لـ"الحدث": “فور وصول الطالب إلى الحاجز متوجهًا إلى الجامعة، أمامه خياران، إما أن يستلم البطاقة البيضاء، أي المرور دون تفتيش، أو البطاقة الخضراء، يعني تأخير لساعات وتفتيش، والفرق بين البطاقتين ساعتان إلى ثلاث، إما انتظار أو الوصول إلى الجامعة في وقت مبكر".

وأضاف، "في الفترة الأخيرة، عند استشهاد الشبان الثلاثة في الانتفاضة الحالية، كنا نواجه الويل عند إغلاقه، أو التشديد في إجراءات التفتيش، طبعًا نسبة كبيرة من الطلبة لا يتوجهون إلى الجامعات في ذلك اليوم؛ لأن النتيجة معروفة، الوصول في وقت متأخر، بسبب الإجراءات الصعبة التي ينفذها الجنود على الحاجز"، موضحًا: يصطحب ذلك حالة نفسية سيئة عدا حالة عائلات الطلبة التي يعتليها الخوف والقلق على مصير أبنائهم.

 

إغلاق المعابر يهدد القطاع التجاري

سوق مدينة جنين يعتمد بشكل كبير على المتسوقين القادمين من الداخل الفلسطيني، وإغلاق حاجز الجلمة يكبد أصحاب المحلات التجارية خسائر مادية كبيرة، وعن تأثير هذا الإجراء على الوضع الاقتصادي في جنين، أكد مدير عام غرفة تجارة وصناعة جنين محمد كميل أن الإجراءات تمسّ بمختلف القطاعات في المحافظة وتعدّ عقابًا جماعيًا تستهدف الانتقام من المواطنين في جنين، واستمرار إغلاقه يعني تشكيل خطر على القطاع التجاري والصناعي والزراعي والخدماتي في جنين، حيث الارتباط الكامل للاقتصاد في جنين مع الداخل الفلسطيني".

وأضاف "أكثر القطاعات تأثرًا المطاعم والخدمات السياحية والقطاع الزراعي، تتأثر بصورة مباشرة وبشكل كبير جدا"، موضحًا أنه ما دام المعبر مفتوحًا يعني أن الحركة الاقتصادية بخير، بالرغم من أن نسبة المتسوقين من أراضي 48 انخفضت مقارنة بما قبل الهبة الجماهيرية الأخيرة، لكن "بعض الشيء أفضل من لا شيء".

المزارع عبد الباسط بشارات من طوباس، قال: "نسبة كبيرة من المزارعين في محافظة طوباس تعتمد على حاجزي الجلمة وبردلة، وعند إغلاق أحدهما يعني أن المزارعين يتكبدون خسائر، والاعتماد الأكبر على حاجز الجلمة؛ لأن حاجز بردلة يفتح 9 ساعات في الأسبوع الواحد"، مشيرًا إلى أن معدل تصدير الخضار من محافظة طوباس عبر معبر الجلمة يصل إلى 300 طن يوميًا، وعند إغلاق الحاجز ليوم واحد، يعني أن المنتوج في خطر حقيقي.

وأضاف، "إدخال المنتجات الزراعية محدد من معابر مخصصة، فمنتجات الأغوار تكون من معبري بردلة والجلمة، ولا يمكن إدخال هذه المنتجات من معابر أخرى؛ لأن الأمر يحتاج إلى إجراءات فحص وسلامة، وكل مزارع له اسم على هذه المعابر، وهناك وسم لكل تاجر، حيث إن المنتجات التي تدخل من المعبر يجب أن يكون لها اسم، ودون ذلك لا يمكن إدخال المنتجات"، موضحا، أن ساعات العمل في معبر بردلة لا تكفي لإدخال كافة المنتجات المطلوبة، وبالتالي الاعتماد الأكبر على حاجز الجلمة.