السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

%90 من قطاع المقاولات سيختفي بحلول عام 2015

2014-03-03 00:00:00
%90 من قطاع المقاولات سيختفي بحلول عام 2015
صورة ارشيفية

 

100 مليون دولار مستحقات على الحكومة لم تُدفع ووزير الأشغال ينفي

 

رام الله- عبير إسماعيل

الحدث - يعاني قطاع المقاولات الفلسطيني ومنذ العام 2011 أزمة حقيقية تهدد وجوده داخل الاقتصاد الفلسطيني. ملامح هذه الأزمة تتلخص في زيادة ديونه المستحقة على السلطة الوطنية الفلسطينية، إضافة إلى إغلاق عشرات شركات المقاولات لعدم قدرتها على التعايش مع أزمتها المالية وتلبية حاجات العاملين فيها، الأمر الذي لحقه زيادة نسبة البطالة وذلك عقب تسريح أكثر من %75 من العاملين في هذا القطاع منذ ثلاث سنوات.

وبعد أن كان هذا القطاع من أنشط القطاعات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية ما بين الأعوام 2011-2008، أصبح الآن الأكثر ركوداً نتيجة لظروف اقتصادية وسياسية تمر بها الدولة الفلسطينية، والمرتبطة بشكل أو بآخر بالتطورات الجارية على محادثات السلام مع إسرائيل وتوقف التمويل الخارجي لميزانية السلطة.

 

100 مليون مستحقات مالية لم تدفع

من جهته، يقول نائب رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين، عادل عودة، بأن مستحقات شركات المقاولات على السلطة تقدر بحوالي الـ100 مليون دولار، 200 مليون شيكل منهم، أي ما يعادل الـ56 مليون دولار، إيرادات ضريبية والباقي مستحقات مالية على السلطة دفعها.

وأضاف عودة في حديث خاص مع الـ “حدث”: نحن نواجه ثلاث مشاكل تهدد وجود قطاعنا، الأولى الديون المتراكمة على السلطة الفلسطينية والتي أدت إلى إعلان عشرات من شركات المقاولات إفلاسها، فيما توقفت أخرى عن العمل إضافة إلى اضطرار أصحاب بعض هذه الشركات للهرب خارج البلاد لعدم قدرتهم على سداد ديونهم للعمال والمقاولين».

ويشير عودة بأنه ومنذ العام 2011 لم تسترد الشركات مستحقاتها من السلطة الفلسطينية، وأن ما تبقى من أموال في أرصدة المقاولين ذهبت للبنوك لتسديد قروضهم والتي كان من المفترض أن تسدد من المستحقات المستردة والإيرادات الضريبية، من قبل وزارة المالية بالتحديد.

 

قطاع فقاعة لا أكثر

ومما لا شك فيه بأن هذا القطاع حقق طفرة كبيرة في نشاطه والذي امتد على طول مناطق الضفة الغربية خلال السنوات الخمس الماضية، لكنه حالياً عاجز عن استكمال مشاريعه أو البدء بمشاريع أخرى لأسباب يوردها نائب رئيس اتحاد المقاولين قائلاً: «إن الوضع الاقتصادي والاستثماري في فلسطين يتضاءل بشكل كبير، الأمر الذي أثر وبشكل سلبي على قطاعنا، فما شهدناه في السابق هو عبارة عن فقاعة اقتصادية في قطاع الإسكان والعقار، لكن وبعد أن دخلت الحكومة في أزمة مالية أصابنا الشلل التام، فلا هي قادرة على طرح المشاريع التطويرية ولا نحن قادرون على استرداد أموالنا منها».

 

من 50 إلى 10 آلاف عامل فقط

كما يذكر بأن قطاع العقارات تطور وازدهر بالتزامن مع إطلاق الحكومة الفلسطينية لخطة سحب القوى العاملة الفلسطينية من داخل المستوطنات، وقد انطلقت هذه الخطة في العام 2009 ورافقها اقرار قانون يعاقب كل فلسطيني يعمل داخل مستوطنة.

ورافق هذه الخطة أيضاً توسع في قطاع العقارات والقطاعات الأخرى لاستيعاب العمالة الفلسطينية داخل المستوطنات والتي قدرت حينها بـ25 ألف عامل.

وبالفعل تم استيعاب هذا العدد أو أقل بقليل في هذا القطاع، ليرتفع بذلك عدد العاملين فيه قبل العام 2011 بحوالي الـ50 ألف عامل فلسطيني.

لكن وبحسب عادل عودة، فإن عدد العاملين في قطاع العقارات انخفض منذ العام 2011، ليصل إلى 10 آلاف عامل فقط، الأمر الذي اضطر العمال للعودة للعمل داخل المستوطنات لإعالة أنفسهم وعائلاتهم.

 

%90 من الشركات ستقفل بحلول 2015

وحول حجم الكارثة التي تواجهها شركات العقارات، يؤكد عودة بأن عدد الشركات المسجلة في الضفة الغربية وقطاع غزة هو 450 شركة، %90 منهم تواجه مشاكل مالية كبيرة إضافة لمديونيتها للبنوك.

ويقول عودة: «هذه الشركات عاجزة تماما عن سداد ديونها ومستحقاتها للموردين والعمال، وكثير منهم توقف عن العمل منذ بداية العام الجاري وبانتظار تحسن الأوضاع الاقتصادية، وباعتقادي بأنه ومع بداية العام المقبل، عام 2015، سيكون مصير هذه الشركات الاقفال وذلك نظراً للأوضاع السياسية والتي تعد المؤثر المباشر على تمويل المانحين الدوليين لموازنة السلطة». 

يأتي هذا في الوقت الذي يمتنع فيه المانحون عن ضخ أموالهم لحساب السلطة، فهي منذ «إعلان الدولة» والذي تم بتوجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لطلب الانضمام لعضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2012، اوقفت تمويلها للمشاريع العقارية في الضفة بسبب غضب الولايات المتحدة من هذه الخطوة وتوقفت المفاوضات مع اسرائيل.

 

%19 من الموازنة لصالح كافة القطاعات

وبشكل عام، لا يتم تخصيص حصة كافية من موازنة السلطة الفلسطينية لصالح هذا القطاع، فبالنظر إلى موازنة العام 2014 والتي تقدر بأكثر من 4 مليارات دولار، نجد بأن %81 منها لصالح الرواتب و%19 فقط لصالح كافة القطاعات الإنشائية والتي تعد العقارات واحدة منها، فتشغيله مرهون بالتمويل الأجنبي فقط. 

 

استقرار سياسي يساوي ازدهاراً اقتصادياً

من جهته، رأى وزير الأشغال العامة، المهندس ماهر غنيم، بأن الأزمة المالية التي تمر بها السلطة ستزداد في الفترة القادمة، الأمر الذي يعني مزيداً من التدهور الاقتصادي، مؤكدا في الوقت نفسه على أن السلطة الفلسطينية والحكومة تحاول جاهدةً تسديد مستحقاتها لكافة القطاعات لكن ليس باليد حيلة. 

وأضاف غنيم في حديث خاص للـ “الحدث”: «يعتمد هذا القطاع بالأساس على التمويل الخارجي، والمربوط بشكل أو بآخر بمدى ارتياح المانحين الدوليين بالاستثمار داخل الأراضي الفلسطينية، وحتى نشهد ازدهاراً اقتصاديا مجددا كالذي شهدناه قبل ثلاث سنوات، يجب أن يحدث تطور على المسار السياسي والذي هو متعثر حالياً، فالمفاوضات مع اسرائيل متعثرة وخطة وزير الخارجية الامريكية، جون كيري، عليها الكثير من الجدل ما بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، الامر الذي بدوره يؤثر على نية المانحين في تزويد ميزانية الحكومة بالأموال».

 

الديون فقط 40 مليون

وحول حجم الديون المستحقة، يؤكد الوزير بأنها ليست 100 مليون دولار كما يقول اتحاد المقاولين ويضيف: «استحقاقات المقاولين على الوزارات الحكومية والهيئات تبلغ قيمتها 40 مليون دولار، أقلها وزارة الأشغال العامة، وقد تمكنا العام الماضي من سداد ديوننا للمقاولين، ويبقى الدين الأكبر على وزارة المالية.»

وحول مستقبل هذا القطاع، في ظل وضع سياسي صعب وتباطؤ المانحين الدوليين في ضخ الأموال لخزينة السلطة، يرى وزير الأشغال العامة بأن الأراضي الفلسطينية ستشهد مزيداً من التدهور الاقتصادي، ولا يمكن الخروج منه إلا من خلال تنفيذ وخلق مشاريع فلسطينية بأموال فلسطينية، والاجتهاد أكثر في جلب مزيد من الاستثمارات وتشجيعها في الضفة، الأمر الذي سيخلق فرص عمل جديدة ويزيد من حجم الإيرادات، مع تأكيده مجدداً بأن كل ذلك مرهون بالاستقرار السياسي.  

 

460 مليون شيكل دين مستحق لشركة واحدة

هذا ويعاني أصحاب شركات المقاولات منذ العام 2011، من تراكم الديون عليهم وقله السيولة المالية بسبب تقاعس وزارة المالية عن دفع ديونها لهم.

وتبلغ قيمة هذه الديون ملايين الشواقل لكل شركة تقريبا، منها شركة الفردوس للمقاولات الهندسية في مدينة الخليل، والتي بلغت ديونها المستحقة على السلطة أكثر من 460 مليون شيكل.

ويقول المهندس، عبد العزيز السعافين في حديث خاص للـ“الحدث”: مطالبتي المالية تعود للعام 2011، تم دفع بعض من مستحقاتي في شهر تشرين الاول من العام 2012، ومنذ ذلك التاريخ لم أتلقى أي شيكل من مستحقاتي والتي تبلغ 460 مليون شيكلاً».

وحول نشاطه في سوق العقارات مؤخراً وفي ظل هذا التدهور الاقتصادي والازمة المالية، يقول المهندس السعافين، إن المشاريع قلت بنسبة تزيد عن الـ %80، لضعف التمويل الأجنبي ويضيف: «هناك فائض في الشركات لسوق مقاولات ضعيف، أغلب الشركات أغلقت أبوابها وسرحت العاملين عندها ومن بينهم أنا، كما أن المشاريع التي استلمها حالياً هي مشاريع خاسرة مادياً، لكنني مجبر على ذلك حتى يبقى لي اسم في السوق». 

ويشير السعافين إلى أنه وفي حال تم تسديد مستحقاته من قبل السلطة، فإن حوالي %60 من هذه المبالغ سيذهب لتسديد ديون لعمال ومقاولين وللبنوك أيضاً.

 

المستوطنات أفضل للعامل من شركة مقاولات

شركة أخرى تعاني من أزمة مالية بسبب عدم ايفائها لمستحقاتها من قبل السلطة، وهي شركة «الصوالحة اخوان للمقاولات» في جنين.

يقول صاحب الشركة، عمر عزام، في حديث خاص للـ“الحدث”، إن الشركة لديها مستحقات بنصف مليون شيكل، ولم تستوفي فلساً منها منذ العام 2011.

ويضيف عزام: «الأزمة المالية التي مرت بها شركتي والشركات الأخرى المماثلة، كانت سببا في ترك العمال أو عزوفهم عن العمل معنا لقلة الأموال، فالعامل الفلسطيني الآن اصبح يفضل الرجوع للعمل داخل المستوطنات كونها أوفر مادياً وأضمن، فمشاريعنا مرهونة بالممول الخارجي».

ويذكر عمر عزام، بأن شركته تعمل في السوق منذ 20 عاماً، واضطر في العام 2010 بأن يسجل الشركة رسمياً بعد أن وضعت وزارة المالية شرطاً لكل من يريد التعامل مع شركة مقاولات بأن تكون مسجلة لديها ولدى اتحاد المقاولين، والسلطة بدورها توزع المشاريع على هذه الشركات بحسب مواصفاتها والسعر الذي تطرحه في عطاءاتها. 

 

ديون السلطة ليست السبب 

على صعيد مغاير، يرى المحلل الاقتصادي، د. نافذ أبو بكر، بأنه من الظلم أن نرجع سبب التدهور في وضع شركات العقارات فقط للديون المستحقة على السلطة الفلسطينية، مرجعاً أسباب تدهور نشاطهم ونشاط الكثير من القطاعات لأسباب أخرى.

ويقول أبو بكر في حديث خاص للـ “الحدث”: هناك قضايا أخرى تحول دون تطور قطاع العقارات وتبقي على تكلفتها عالية جداً، منها غلاء أسعار الأراضي بشكل جنوني والذي لا يشبه أي غلاء في دول العالم، إضافة لعدم مقدرة الفلسطينيين على استغلال الأراضي المصنفة “ج”، فمحدودية الأراضي وصغر حجمها يجعل من شكل الاستثمار في الضفة الغربية غير ناجح وغير مربح ومحفوف بالمخاطر».

ومن الأسباب الأخرى التي تتحمل مسؤولية قرب تلاشي هذا القطاع، هي السياسات البنكية المعمول بها في الأراضي الفلسطينية قائلاً: «القروض البنكية غير مسهلة أبداً، فأي شركة بحاجة لقرض هي بحاجة ايضاً لضمانات كبيرة لتسديدها، وأحيانا تكون تعجيزية».

 

خطة كيري الاقتصادية لخدمة الشركات الأجنبية

وفيما يتعلق بالآمال المرتبطة بخطة وزير الخارجية الامريكية، جون كيري، يرى المحلل الاقتصادي نافذ أبو بكر بأن على الجميع خاصة أصحاب الشركات أن يقللوا من نسبة التوقعات منها موضحاً بالقول: «تتضمن هذه الخطة تفاصيل لثمانية قطاعات اقتصادية مهمة، منها قطاع العقارات، لكن وفي حال اقرت ووافق عليها الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني، فإن المشاريع القادمة ستكون ضخمة وليس بقدرة الشركات المحلية تنفيذها، لذلك ستمنح لشركات أجنبية».

 

مستقبل ضبابي خاسر

ويصف د. أبو بكر مستقبل هذا القطاع والقطاعات الاقتصادية الأخرى بالضبابي والذي سيبقى كذلك لسنوات قادمة قائلاً: «من جهة الوضع السياسي غير واضح والمفاوضات مع اسرائيل لن تنتهي، ومن جهة أخرى، فإن أصحاب الشركات ما يزال لديهم أمل بأن الوضع الاقتصادي سيتحسن وأن مشاريع اقتصادية قادمة.»

ويضيف: «لذلك نرى بعض الشركات ما تزال صامدة وما تزال تستلم مشاريع عقارية خاسرة على أمل ما هو قادم، لكنني أعتقد بأنهم سيستسلمون قريباً وسيكون مصيرهم الإغلاق».  

 

تصدير القطاع للخارج

يذكر انه في السابق كان هناك حديث عن حلول جذرية بعيدة عن الاوضاع السياسية التي لا يوجد لها أي افق حل، والتي يحاول اتحاد المقاولين ايجادها لإنقاذ هذا القطاع من الزوال.

من بين هذه الحلول، وبحسب اتحاد المقاولين الفلسطينيين، وضع خطة لفتح أسواق جديدة وتصدير قطاع المقاولات لبعض الدول العربية، بما يضمن عدم اغلاق الشركات المحلية وتصدير الخبرة الفلسطينية الجيدة في هذا المجال لبعض الدول التي تقوم بعمليات بناء وتطوير مثل ليبيا.

لكن منذ طرح هذه الخطة قبل عامين لم يتم تنفيذ أي من أفكارها، وبقي قطاع العقارات يتدهور إلى أن وصل نسبة تشغيلية تقدر بـ %15 فقط.