الثلاثاء  23 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المقاومة غير العنيفة في تلال الخليل

2016-02-04 10:44:02 AM
المقاومة غير العنيفة في تلال الخليل
دم ينزف من رأس طفلة فلسطينية إثر إلقاء مستوطنين الحجارة عليها في قرية التواني

 

الحدث

 

كتبت كاسندار ديكسون في موقع ديسيدنت فويس، مقالا نشر تحت عنوان Nonviolent Resistance in the South Hebron Hills: 

 

وإلى نص المقال: 

 

في العادة، يجب أن تكون أسوأ مخاوف الطفل في اليوم المدرسي هي حل الواجبات المنزلية، وربما ضياع كتاب أو التورط في مشادة مع صديق. ولا ينبغي أن يتضمن مشوار أي طفل إلى المدرسة بشكل روتيني رؤية الجنود المسلحين والخوف من التعرض للمطاردة والاعتداءات من البالغين في بعض الأحيان. لكن هذه هي الكيفية التي يبدأ بها اليوم المدرسي بالنسبة للأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون مع عائلاتهم في القرى الريفية الصغيرة الواقعة على تلال مدينة الخليل الجنوبية. هناك، تفصل المستوطنات غير القانونية والبؤر الاستيطانية غير الشرعية قراهم وتعزلها، ويشكل الجنود حاضراً ثابتاً في حياتهم اليومية.


ذات مرة، كانت الرحلة من خربة طوبا الصغيرة إلى المدرسة في قرية التواني مجرد مسيرة هادئة وجميلة في طريق وادعة تصل بين القريتين. وخلال الثمانينيات، بنى المستوطنون الإسرائيليون مستوطنة على أرض مملوكة للفلسطينيين، والتي كانت تُستخدم لرعي الأغنام والخراف. وفي أعقاب بناء المستوطنة، أقام المستوطنون بؤرة استيطانية غير شرعية أيضاً. والآن، تجلس حظائر تفريخ الدجاج اصطناعياً على مفترق الطريق الذي كان الأطفال يعبرونه ذات مرة إلى المدرسة، وأصبح المزارعون يأخذون الماشية إلى البلدة، والعائلات تسافر إلى قرية التواني أو بلدة يطة الأكبر حجماً للحصول على الرعاية الصحية، والتسوق، والتعليم العالي.


والآن، أصبح ما تبقى من الطريق بين المستوطنة والبؤرة الاستيطانية مغلقاً أمام الفلسطينيين. ومع استثناءات قليلة في بعض الأيام، يسير الأولاد وراء سيارة جيب عسكرية إسرائيلية حتى يصلوا إلى مدرستهم. ولا يُسمح لوالديهم بالسير معهم.
يبدأ العشرون طفلاً أو نحو ذلك، والذين يقومون بهذه الرحلة، يومهم المدرسي في حقل غير محمي، منتظرين بقلق وصبر نافد قدوم الجنود الإسرائيليين الذين سيشرفون على مسيرتهم إلى المدرسة. وكان القرويون قد بنوا ملاجئ للأطفال حتى ينتظروا فيها الجنود، لكن السلطات الإسرائيلية هدمت كل واحد منها. وإذا كان الطقس ماطراً، فإنه الأطفال يغرقون بالبلل. وفي بعض الأيام، يكون الجنود الذين يصحبون الأطفال هم نفس أولئك الذين طاردوا أو اعتقلوا رعاة الأغنام في اليوم السابق -الرعاة الذين ربما يكونون إخوة هؤلاء الأطفال أو آباءهم. وفي أيام أخرى، يتأخر الجنود في القدوم، تاركين مجموعة الطلاب في الانتظار، مكشوفين أمام الهجوم وفي متناول سكان البؤرة الاستيطانية. وفي بعض الأيام لا تصل المرافقة العسكرية الإسرائيلية على الإطلاق، ويقطع الأطفال رحلتهم إلى المدرسة مع متطوعين دوليين في طريق أطول بكثير، والتيتمر هي الأخرى أيضاً بجوار المستوطنة.


يعيش نحو 1.000 شخص في القرى المجاورة، والذين يقدر أن نصفهم من الأطفال. ومع ذلك، ولأن هذه القرى تقع في داخل منطقة إطلاق النار الإسرائيلية رقم 918، فإن الجيش يستخدم هذه الأراضي للتدريب العسكري.


بطريقة مثيرة للدهشة، وعلى الرغم من كل هذا العناء، لَم يُسمع تقريباً بأن هؤلاء الأطفال فوّتوا يوماً دراسياً واحداً. ويبدو الآباء مصممين على حصول أبنائهم على التعليم. وعندما بدأتُ عملي التطوعي في قرية التواني، كانت صفوف المدرسة تصل إلى الثالث الابتدائي فقط. أما الآن، وبفضل تصميم مواطني هذا المجتمع على تزويد أبنائهم بالتعليم، أصبح بوسع الطلاب إكمال دراستهم الثانوية في القرية. وعلى الرغم من مواجهة التهديد المستمر بهدم المنازل بواسطة الجرافات العسكرية الإسرائيلية، بنى القرويون المدارس الابتدائية للأولاد الذين يسكنون في ثماني قرى مجاورة، وزودوها بالمعلمين والموظفين.


هذا هو ما تبدو عليه المقاومة اللاعنفية للاحتلال العسكري الإسرائيلي. وأنا ممتنة لأنني تمكنت من قضاء جزء من هذا العام في فلسطين. فلسنوات عدة، علمني هؤلاء الأطفال في هذه القرى الكثير عن اللاعنف. وفي بعض الأحيان، يكون لوجود ناشطي حقوق الإنسان الدوليين الذين يحملون الكاميرات بعض التأثير الإيجابي الصغير على أيام هؤلاء الأطفال.


يتحمل الشعب الأميركي بعض المسؤولية عن انقطاع الطبيعية في طفولة هؤلاء الصغار. وتقوم الولايات المتحدة بتقديم دعم يعادل 25% من الميزانية العسكرية الإسرائيلية، على حساب دافعي الضرائب الأميركيين، وبما يقدر بنحو 3.1 مليار دولار في السنة الواحدة.


أعمل مع منظمة إيطالية تدعى "عملية الحمامة". وتدعم هذه المنظمة الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال الإسرائيلي، وتقف إلى جانب العائلات في التزامها بالبقاء على أرضها. ويشمل نشاط المنظمة مرافقة أولاد المدارس وعائلات المزارعين في مسيرهم نحوالمدارس، أو إلى أماكن رعي مواشيهم والعناية بمحاصيلهم. وتساعد "عملية الحمامة" في توثيق حوادث التحرش والمضايقات، والترهيب، والاعتقالات، وعمليات هدم المنازل، ونقاط التفتيش، وإغلاقات الطرق، والتدريبات العسكرية، واعتداءات المستوطنين. كما يبلغ القرويون أفراد "عملية الحمامة" أيضاً عندما يتعرضون للسرقة، وعندما تتعرض محاصيلهم وممتلكاتهم للتدمير على أيدي المستوطنين.


لا تشكل الحماية التي تتوفر بوجود الناشطين حلاً شاملاً وواسع النطاق للعنف الذي يتطفل على حياة الأطفال في فلسطين. لكن سنوات عديدة من الزيارات التي قمت بها لهذه العائلات أقنعتني بأن من المهم والضروري تقديم الدعم والمشاركة في جهود القرويين اللاعنفية. وتساعدنا العائلات التي تواجه القوة العسكرية والاحتلال في تجاوز إدماننا الخاص على أفكار العسكرة والعنف.


الآن، كبر الأولاد الذين كنتُ قد التقيت بهم في وقت أبكر. بعضهم ذهب إلى الجامعة، وبعضهم أصبحت لهم عائلاتهم الخاصة. ولدى هؤلاء الشباب كل الأسباب ليكونوا غاضبين. فقد انطوت طفولتهم على الخوف والترهيب، وهدم المنازل والاعتقالات، والعزلة. لكنهم كبروا أيضاً وهم يرون التزام مجتمعهم الصارم بمقاومة الظلم باللاعنف. وقد دعمتهم عائلاتهم بشكل جيد، وضمتهم إلى نضال المجتمع المستمر من أجل الكرامة. وعلى الرغم من كل المتناقضات، ترعرع هؤلاء الصغار مع المرح والفكاهة والمثابرة بدلاً من الغضب والمرارة. وهم يشكلون الآن دليلاً حياً للبقية منا على أن الحب هو الذي يكسب دائماً.


في الصورة المرفقة طفلة كانت قد أصيبت على يد اثنين من المستوطنين المقنّعين، واللذين هاجماها بالحجارة بينما كانت تجمع الأعشاب مع صديقة لها على الطريق بين طوبا والتواني. وتقوم هي وأشقاؤها بالرحلة نفسها في الطريق نفسه على الأقدام كل يوم إلى المدرسة. وهي طفلة ذكية وقوية بطريقة مدهشة، وتصر على أن يعرف المتطوعون المختلفون الذين يمرون في حياتها اسمها وأن يزوروا منزل عائلتها. وقد احتاجت إلى أربع غرز لإغلاق الجرح الذي أحدثه هجوم المستوطنين في رأسها.