الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الإعلام و “الربيع العربي”؟

2014-04-15 00:00:00
الإعلام و “الربيع العربي”؟
صورة ارشيفية

ج1-2

د . بسام عويضة - رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت

الربيع العربي لن يقود إلى «خلق» إنسان  يصنع تاريخا، لأن الربيع العربي تحول لاحقاً إلى حريق، يُوجه عبر خطاب إعلامي من ماكينات إعلامية ضخمة.

مصدر هذا الخطاب أنظمة قبلية عشائرية تحكم منذ القرن التاسع عشر في منطقة الخليج العربي، تموله وترعاه، في حين أن الذي يُشرف على الخطاب حركات أصولية دينية، لمصالح وأجندات سياسية غربية، للسيطرة على القرار في منطقة الشرق الأوسط، وليس خلق عالم عربي متطور مستنير مثقف مفكر منتج متعلم. 

ما حصل في بلادنا، عكس ما حدث في القارة الأوروبية تماما، والتي تطورت فلسفياً بفعل ثورة فكرية عملاقة، قادها فلاسفة ومفكرون من العيار الثقيل أبرزهم الفيلسوف الألماني المخضرم إيمانويل كانط، نتج عنها فكرٌ وإنسان وأخلاق وضمير وقانون ودستور وإعلام ونظام ديمقراطي ودولة مؤسسات. 

هؤلاء الفلاسفة أحدثوا  قطيعة إيجابية مع التراث، ولا نقول انسلخوا عن ماضيهم، فكتبوا في نظام الحكم والقانون والدستور والعقد الاجتماعي وفصل السلطات والحرية الفردية والتعليم وحرية الرأي، بينما بقي المفكرون العرب على اختلاف مشاربهم في دائرة الزمن الماضي، يفكون  تشابك النص الأول مع النص الثاني، “معتقدين أنّ علة الحاضر ليست في الحاضر أو في الماضي، وإنما في ماضي يجب أن يكون حاضراً بثوب جديد”، كما يقول أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق د. أحمد برقاوي، ومن هنا أصبح التراث العربي والإسلامي مقدساً، برتبة سلطة. 

الكتابة في الماضي باعتباره ملهماً للقفز نحو المستقبل، مهدت أرضية خصبة للإسلامويين وبدعم من بعض الأنظمة العشائرية العربية لحصد ما يطلق عليه ثمار “الربيع العربي”. 

هذه القضية، كانت محور كتاب “ثورات القوة الناعمة في الوطن العربي، نحو تفكيك الديكتاتوريات والأصوليات” للمفكر اللبناني علي حرب. 

الأستاذ حرب يقول: “الأصوليات هي كالدكتاتوريات تأخذ من الغرب التقنيات والتجهيزات والأسلحة التي تستثمرها في حروبها، كما تفيد من انتفاخ الأسواق غير المحدود لجمع الثروات الطائلة غير المشروعة، فيما هي ترفض القيم والمفاهيم والنظريات التي يمكن استثمارها في أعمال التحديث والإنماء أو تجسيدها في احترام الحقوق وإطلاق حريات التفكير والتعبير والتنظيم، بذلك جمعت الأصوليات مساوئ المشاريع السابقة، القومجية واليسارية، فأضافت الإرهاب والفتن المذهبية إلى الفقر والتخلف والاستبداد، مما وضع المجتمعات العربية بين فكي الكماشة الخانقة، استبداد مضاعف وفساد منظم، وثراء فاحش، وفقر مدقع، وجزر أمنية، ومافيات مالية، جحيم المخابرات وجهنم الارهاب”، ومني أيضاً جحيم قتل الحياة الاجتماعية. 

الوسائل الإعلامية في المجتمعات العربية مثلها مثل الطائرة، والمركبة، والحافلة، وجهاز التلفاز، وجهاز الهاتف النقال، نُقلت من الغرب إلى الوطن العربي، بسبب التحديث المادي الذي شهدته تلك المجتمعات العربية بفعل، لكن التحديث العقلي، لا يُشترى، ولا ينقل - بحسب  المفكر  محمد أركون - لا يمكن شراء الفكر والقيم والتطور العقلي والتنوير، كما لا يمكن نقل النظام الديمقراطي من منطقة جغرافية لأخرى هكذا بدون ثمن، هذا يحتاج إلى جهد مفكرين ووقت وتضحية، فالتلفاز الموجود في بيت الفرنسي هو ذاته في بيت القطري، كجهاز، ولكن محتوى  الرسالة الإعلامية في بيت القطري، هو عبارة عن مخزون ثقافي في آلة إنتاج معطلة، نشأت في بيئة صحراوية ذات نظام قبلي، عمرها يزيد عن 1500 عاماً، لم يستطع حتى الفكر الجديد “الدين”، التغلب عليها، كما بين عميد الفكر العربي المعاصر محمد عابد الجابري، ولهذا إذا أردنا إعلاماً عربياً حقيقياً، وليس خطاباً إعلامياً عربياً، لا بد من تغيير المخزون الثقافي في العقل الجمعي العربي المستقيل أو المعطل. 

صياغة نشرة الأخبار، في التلفاز العربي، هي نتاج مخزون ثقافي عمره  أكثر من 1500 عاماً، فإذا أردت أن تفهم نشرة الأخبار، فما عليك إلا أن تحفر أركيولوجياً وانثروبولوجياً ونفسياً في “ممول” نشرة الأخبار.

فالنشرة الإخبارية تصاغ في  قناة “الجزيرة “العربية  وفق خطاب أصولي سني ، وفي “العربية” وفق خطاب سلفي سني، وفي قناة “المنار” خطاب أصولي شيعي، وفي قناة  “ال بي سي” خطاب مسيحي، وفي قناة قطر خطاب قبلي أبوي، وكل هذا يتحرك ضمن أجندة لها حسابات، وليس بناء على حدث ومعلومة، فبينما كان خبر مواجهات عنيفة في البحرين (الساعة الثانية عشرة ظهراً 19. 10. 2012) وأدت إلى مقتل شرطي، كان الخبر صفحة كاملة في وكالة الأنباء الفرنسية، بينما كان بالضبط 15 ثانية في نشرة أخبار “الجزيرة”، في حين كان زمن الخبر السوري 45 دقيقة، صورة مجزوءة، فالخبر في باطنه دعاية ومن شكله الخارجي إعلام. 

اليوم تتبدل تلك الدكتاتوريات العسكرية إلى أصوليات بمساعدة خطاب إعلامي صادر عن  ماكينات حكي بعيدة كل البعد عن التنوير والثقافة والوعي، يحكمها خطاب ديني وفق أجندة سياسية نابعة من عقلية قبلية عائلية.

مساحة سوداء تلف المجتمعات العربية، لا يمكن كسرها إلا ببناء إنسان عربي عنده بذرة، صاحب فكر أصيل، لا يشعر بالاغتراب، لهذا إذا أردنا إعلاماً عربياً حقيقياً، وليس خطاباً إعلامياً عربياً، لا بد من تغيير المخزون الثقافي في العقل الجمعي العربي المعطل.