الإثنين  20 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الجماعة الوظيفية

2014-04-29 00:00:00
الجماعة الوظيفية
صورة ارشيفية

 من النافذة

 عبد الفتاح القلقيلي
 
حتى الأطرش يستطيع أن يسمع الصراخ حول “يهودية دولة اسرائيل”، ومن يُطل من نافذته يستطيع أن يرى التحرك في ذلك الميدان.
قبل إعلان دولة إسرائيل بيومين، أي في (1948/5/12)، عقدت الإدارة القومية للحركة الصهيونية اجتماعاً في “تل أبيب”، لتدارس موضوع إعلان الدولة، ووضع اللمسات الأخيرة عليه. دارت نقاشات مطولة حول الاسم الذي ستحمله الدولة. طرحت عدة خيارات، لم يكن “دولة اليهود” أو “الدولة اليهودية” من الخيارات، وتم الاتفاق على اسم “دولة إسرائيل”.
كانت إسرائيل في كل سياساتها وقوانينها وشعاراتها “دولة اليهود” العنصرية، ولكن قيادتها لم تجرؤ قبل نتنياهو على مطالبة أية طرف بالاعتراف بـ”يهودية الدولة”.
لا يوجد ما يثبت أن اليهود شعب، فقد أثبت أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل ابيب في العام 2008 البروسفور شلومو ساند أن الشعب اليهودي من اختراع الحركة الصهيونية، وصدر كتابه الشهير بعنوان “اختراع الشعب اليهودي”.
لم يكن اليهود شعبا، فهل كان اليهود مجرد طائفة دينية؟ لا لم يكن الأمر كذلك، فقد اكتشف الدكتور عبد الوهاب المسيري مصطلح “الجماعات الوظيفية” ليصف به المجموعات اليهودية. وقد كان التوصيف دقيقا، وينطبق على المجموعات اليهودية في العالم عامة وفي أوروبا خاصة، وأصدر كتابا تحت هذا العنوان. فما هي الجماعات الوظيفية؟ 
الجماعات الوظيفية هي مجموعات بشرية صغيرة من خارج المجتمع أو من داخله، يوكِل إليها المجتمع وظائفَ شتى يرى أن أعضاءه لا يمكنهم الإضطلاع بها لأسباب مختلفة، فهذه الوظائف قد تكون مشينة أو متميزة من وجهة نظر المجتمع، وقد يتطلب الإضطلاع بها قدراً عالياً من الحياد والتعاقدية (التجارة والربا) لأن المجتمع يريد الحفاظ على قداسته وتراحمه ومثالياته.
 كما أنه قد يوكَل إليهم الوظائف ذات الحساسية الخاصة وذات الطابع الأمني، ويمكن أن تكون الوظيفة مُشينة ومتميزة وحساسة في ذات الوقت. وطبعا يتوارث أعضاء الجماعات الوظيفية الخبرات في مجال تخصصهم الوظيفي عبر الأجيال ويحتكرونها ويتوحدون بها ويكتسبون هويتهم منها بحيث يتم تعريف الإنسان من خلال الوظيفة، كما أنها تصبغ ثقافتهم وتصوغ مثلهم وقيمهم. ويدخل المجتمع المضيف مع الجماعة الوظيفية في علاقة نفعية يتم التعامل معها بمقدار نفعها - وهذه تسمى “التعاقدية”.
وغالبا ما يتم تمييز أعضاء الجماعة الوظيفية (عن طريق الزي أو المسكن أو اللغة أو العقيدة أو الإنتماء الإثني) حتى يصبح العنصر الوظيفي غريباً مميزاً، ويظل بلا قاعدة جماهيرية أو أساس للقوة، وفي حالة خوف دائم من الجماهير، لا يطمح في المشاركة في السُّلطة بشكل علني. ولذا يتعمق ولاء أعضاء الجماعة الوظيفية للنخبة الحاكمة التي تستخدمه كأداة وتضمن بقاءه واستمراره.
 وغالبا ما يرتبط العنصر الغريب هذا عاطفياً بوطن أصلي سواء كان حقيقيا أو متخيلا أو مخترعا، ويصبح هذا الوطن المتخيل موضع ولائه وحبه وعاطفته المشبوبة .. (اختراع أرض إسرائيل للبروفسور شلومو ساند) وينتج عن هذا أنه يشعر بالغربة في المجتمع المضيف، يعيش فيه دون أن يكون منه - بمعنى العزلة والغربة والعجز.
ينفصل أعضاء الجماعات الوظيفية عن الزمان والمكان اللذين يعيشون فيهما ويتطور لديهم إحساس عميق بهويتهم المستقلة، وهي هوية في معظم الأحيان هوية وهمية.
وقد لاحظت الباحثة هنادي عبد المجيد أن الكاتب والمحلل السياسي عبد اللطيف البوني يصف دولة “جنوب السودان” (أحدث دول العالم) بأنها تحمل صفات الدولة الوظيفية. وبعد أن اطلعت الباحثة على كتاب المسيري فهمت الدولة الوظيفية، إذ يرتبط مفهوم الدولة الوظيفية بمفهوم الجماعة الوظيفية. فالدولة الوظيفية هي الدولة التي تؤسس أو يُعاد صياغة توجُّهها أو توجُّه نخبتها الحاكمة لتضطلع بوظيفة معينة ويصبح جوهرها هو هذه الوظيفة. فالدولة الوظيفية هي إعـادة إنتاج لدور الجماعة الوظيفية في العصر الحديث. وإسرائيل وجنوب السودان دولتان وظيفيتان نموذجيتان، كما أن إسرائيل وجنوب افريقيا (سابقا) دولتنا عنصريتان.
وبالمناسبة هناك بعض الدول الوظيفية الأخرى في منطقتنا.