الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بعد سوريا والعراق: مصر في المثلث القاتل/ بقلم: أحمد زكارنة

2017-10-24 02:30:24 PM
بعد سوريا والعراق: مصر في المثلث القاتل/ بقلم: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

 

تشير الإحداثيات الجغرافية الأولية للعملية الإرهابية التي استهدفت مجموعة من القوات الخاصة التابعة لأجهزة الأمن المصرية يوم الجمعة الماضي، إلى أنَّ القوة الأمنية التي كانت قد تلقت معلومات عن هذه البؤرة الإرهابية في هذه المنطقة، قد وقعت في كمين أعد لها بأسلوب مخابراتي معقد، باتجاه استدراجها إلى منطقة منخفضة مكشوفة أمنيًّا، تُمكِّن القوة المهاجمة من استهدافها بسهولة من أعلى الجبال المحيطة.

 

وبالبحث والتدقيق، سنجد أنَّ "وادي الحيتان" على بعد 135 كليو مترًا من محافظة الجيزة، الذي شهد هذه العملية يقع فعلاً في منطقة منخفضة ترتبط جغرافيًّا بحدود مدينة الفيوم، خاصة بعد توغّل القوة الأمنية لمسافة 35 كيلومترًا في عمق الصحراء.

 

 إنْ كانت هذه هي المؤشرات الجغرافية للعملية، فإنَّ المؤشرات العسكرية تؤكد استخدام المجموعة المهاجمة والمكونة حسب الأخبار الأولية من 100 عنصر ويزيد، للأسلحة الثقيلة كـ "الآر بي جي والصواريخ المضادة للعربات المصفحة" وغيرها من الأسلحة الثقيلة التي تمكنت المجموعة من استقدامها، على الأغلب عبر الحدود الليبية الخاصرة الرخوة على الحدود المصرية، ما يأخذنا مباشرة لفكرة التخطيط المخابراتي لمثل هكذا عملية معقدة.

 

فقد بات من المؤكد أنَّ ظهور ما يسمى بتنظيم الدولة "داعش" إنما جاء لضرب استقرار المنطقة من خلال تفتيت الدول الثلاث الأهم فيها "العراق، وسوريا، ومصر"، وقد نجح في الوصول إلى أهدافه في العراق وسوريا، رغم انهزامه منهما مؤخرًا، إلا أنه خرج منهما وهما بحاجة لأكثر من عشرين عامًا من التعمير؛ كي يعودا كما كان، وليس أفضل.

 

غير أنَّ مثل هذه المخططات الكبرى عادة ما تقف من ورائها أجهزة مخابرات عالمية، بهدف إضعاف هذه الدول وصولاً إلى تفكيكها سياسيًّا إلى دويلات، لصالح الكيان الإسرائيلي المزروع في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تحقق فعلاً لا قولاً في العراق، وقد يحدث قريبًا في سوريا، لتبقى مصر هي الدولة الوحيدة التي انحصرت المواجهة مع جيشها في سيناء، دون الدخول إلى العمق بعمليات كبيرة كالتي حدثت على حدود القاهرة الكبرى. فضلاً عن بدء مصر في استعادة دورها القيادي في المنطقة من خلال إغلاق ملف المصالحة الفلسطينية، باعتبار فلسطين هي قضية العرب الأولى التي أُهمل ملفها عربيًّا بعد انطلاق ما يُسمي "الربيع العربي".

 

الأمر هنا يشير بوضح كامل إلى أنَّ هذه العملية لم تكن مجرد عملية قامت بها مجموعة من المجموعات التكفيرية المسماة "ولاية سيناء أو أنصار بيت المقدس أو اللجان النوعية المسلحة الأخرى" التي عادة ما تتبع أسلوب حرب العصابات لا حرب المخابرات، كما هي حالة عملية الواحات الأخيرة. ولكنها قد تكون الخطوة الأولى في توجيه دفة الأحداث باتجاه مصر من خلال التركيز عل زعزعة أمنها الداخلي.

 

خاصة ونحن نلحظ أنَّ هذه العملية الأخيرة، قد وقعت خارج ما يطلق عليه بـ "المثلث القاتل" وهو مثلث (العريش- رفح- الشيخ زويد)، ما يؤشِّر إلى محاولة نقل مسرح العمليات بين هذه التنظيمات والقوات المصرية من البوابة الشرقية لمصر "شبه جزيرة سيناء" إلى حدود القاهرة الكبرى وصولاً إلى عمقها، عبر توظيف الحدود الليبية بالدعم اللوجستي مخابراتياً والاقتصادي تمويلاً والذي لا يمكن لمثل هذه الجماعات امتلاكهما إلا من خلال جهات دولية بعينها.

 

ما يعني أنَّ الممولين المستفيدين من هذه التنظيمات، باتوا يدفعون بقوة باتجاه جرِّ الحالة المصرية نحو نقل المواجهة من الأطراف إلى العمق في سياق تناسخ الحالتين العراقية والسورية في الداخل المصري، الجبهة الأخيرة الصامدة في وجه تفكيك وإعادة ترتيب أوراق المنطقة بأكملها، لتصبح مصر اليوم في مرمى نيران ما يمكن تسميته "المثلث العربي القاتل"، وهذه المرة بالإشارة إلى كامل الشرق الأوسط برمته لا لمحافظات سيناء وحدها، ما يؤكد أنَّ المعركة الحقيقية لهذا المشروع الكبير والخطير في آن إنما تركت للمرحلة الأخيرة والأصعب، مرحلة المواجهة الحقيقية في مصر، وليس في أيِّ دولة أخرى. فهل نعي خطورة ما نحن مقبلون عليه؟