الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قراءة في رواية سجناء خارج القضبان

تأليف: رفيدة هشام شاهين دراسة وتحليل: أيمن دراوشة

2017-11-07 07:05:52 PM
قراءة في رواية
سجناء خارج القضبان

الناشر / دار ومكتبة الكندي للنشر والتوزيع / ط1 / عمان / 2017م  

اختراق النوافذ المغلقة لعوالم خبيئة لشخوص غائصة

تترسخ جذور الرواية وتتشعب وتستطيل فروعها وتتمدد، حتى ليصبح من الصعوبة اختيار نموذج روائي بحسبانه ممثلًا لهذا الجنس الأدبي، فكل رواية تجربة إبداعية، تخلق كونها الخاص بها، ولها إنجازها الذي تحققه.

للوهلة الأولى، يبدو لنا أَنَّ الكاتبة قد بدأت روايتها بالدخول المفاجئ، والتشويق المسترسل، مستبعدين أنْ تكونَ أحداث المقدمة حُلمًا، وكانت من أولى مفاجآت الرواية،

 

وهذه المفاجأة المحبوكة بعناية، قد أَعطتْ انطباعًا ربما كان واسعًا عما تحتويه الرواية، وربما تحليلًا نفسيًا لبطلة الرواية سارة.

 

ملخص الرواية تدور حول سارة وهي الشخصية الرئيسة في الرواية وأحداثها، وعليها يبنى السرد وتصاغ الأحداث، سارة تلك الفتاة الفقيرة، الحالمة، المحرومة من أبسط الحقوق، عانَتْ القهر والظلم والخيانة من أقرب الناس لها، وكان لتطور التكنولوجيا أكبر الأثر في مسيرة الأحداث وتفاصيلها، لم تستطع سارة مجابهة هذا التطور، ليس بسبب نقص فيها، وإنما بسبب فقرها اولًا، وبسبب كونها أنثى ثانيًا.

 

لم تستطعْ سارة أنْ تجدَ رفيقاتها يتنعمن بتكنولوجيا متطورة، وسيارات فارهة وملابس فاخرة، فيما هي قابعة بالتخلف والفقر، وبالكاد تحصل على مصروفها الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، تضطر سارة لسرقة والدتها كي تحصل على موبايل متطور مثل موبايل صديقتها الخبيثة منار، ومن هنا تبدأ الذروة والتشويق الروائي، حيث يتخلل ذلك عواصف من الأحداث المؤلمة، لتعصف بسارة، وتحركها كما تشاء، لتنتهيَ الرواية بقتلها بطريقة بشعة.

 

يشكل السرد والحوار مادة أساسية للمؤلفة رفيدة شاهين، ويدخلان في صميم الرواية، مما منحها التشويق في بعض أجزائها، فالحوار جرى بصورة طبيعية دون تدخلات من لدن الكاتبة، مما يتناسب مع مستوى الشخصيات، خاصة في اختيار العبارات التي تندرج على ألسنة الناس، خاصة فيما يتعلق بالنميمة والشتم وتطبيقات الجوال، وما يرتبط بنفسية هؤلاء من أهواء ونيات حسنة أو سيئة.

 

تناقش الروائية في أول تجربة لها مشاكل اجتماعية معاصرة، كما تناقش مشكلة الفقر وأثرها على النشء وانحرافه، كما ناقشت موضوع النميمة ونسج المكائد والمؤامرات التي طورتها تكنولوجيا حديثة بطريقة طريفة من خلال لغة مبسطة هي أقرب إلى العامية البسيطة.

 

"اسمعي يا سارة، عليك أن تقتني هاتفا ذكيا، لأنّ هاتفك سينقرض قريبا جدا، ثمّ إنّ الحياة ستصبح صعبة فيما بعد على من لا يملك خدمة الإنترنت في كل مكان، إنّه عصر ثورة المعلومات لا تتخلّفي عن الرّكب طويلا وإلا لن تتمكّني من لحاقه فيما بعد! "

 

ومما يحسب للروائية، هو وصفها الدقيق للشخصيات، على الرغم من تعددها، فكان تصويرها للحالات النفسية لتلك الشخصيات بارعًا ودقيقًا جدًّا، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر وصفها لشخصية لينا فتقول: 

"لينا فتاة فضولية إلى حد كبير، تدسّ أنفها في كل ثقب يمكنها من التسرّب إلى حياة الآخرين. لا تهمل حديثا ولا مشكلة ولا تفصيلا، مدمنة على تقصّي أخبار معارفها دون اكتراث لتباعد المسافات أو اختلاف الأزمنة، فهي بسرعة الصوت تعرف القصة وبسرعة الضوء تنشرها مرفقة معها تحليلها"

 

ولعل عنوان الرواية "سجناء خلف القضبان" يثير فينا التساؤل، لكنه لا يتناقض مع خطوط الرواية العريضة، فكلنا سجناء لعصر تكنولوجي لا يرحم، كما تم تقديم شرائح زمانية ومكانية وشخصيات هائلة تتصل اتصالًا وثيقًا بالفكرة العامة للرواية.

 

لقد أبدعت الكاتبة رفيدة بمعالجتها الأمراض الاجتماعية المتفشية بين مراهقين هذا العصر الرديء، واستطاعت جَمْع كل هذه الأمراض ومعالجتها بكل اختزال، دون أن يؤثر ذلك على خط سير الأحداث، ودون مماطلة تؤدي إلى الملل.

 

ومن تلك القضايا التي تعرضت لها قضية خنق المرأة بسبب تسلط ذكوري مقيت، فها هو أخوها سامر من المقتنعين باضطهاد المرأة، وخنق حريتها، ومنعها من التعليم وحتى من أبسط الحقوق، هذه النزعة الذكورية السيئة ضد الأنثى لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج تطور تكنولوجي، قبل أنْ يكونَ نتاج عادات وتقاليد موروثة.

 

أمَّا القضية الأهم التي تناولتها الروائية بكل جرأة، فهي قضية التطرف والانحراف بدعوى التدين والالتزام، فيما هو بالحقيقة ليس سوى فكر متطرف همجي.

 

وظَّفتِ الكاتبة بكل براعة قضية قمع المرأة، فهي الحلقة الأضعف، وهي الحلقة التي تدفع ثمن أخطاء الصنف الذكوري، هذا التوظيف الجريء تم توظيفه لخدمة الرواية وفكرتها الرئيسة، ولعل ضخم الرواية، وتعدد شخصياتها، وتنوع مجالات اهتمامها، وتشابك الرؤى فيها، ربما أرهقت القارئ وقضت مضجعه.

 

كان لإبراز الشخصيات الثانوية بالعمق المطلوب من حيث الحركة واللباس والباطن كالانفعالات النفسية، وما يتولد عنها من سلوك وتطور، أبرز الأثر في الكشف عن الدوافع الحقيقية الكامنة وراء تصرفاتها وأفعالها، ومثال ذلك تحول سامر شقيق سارة من حياة الكفاح والتفوق إلى التطرف والإدمان على الممنوعات.

 

وفي هذه الرواية نلتقي بشخوص حسب طبقات مجتمع الرواية، فنتعرف على أبعاد الشخصية الخارجية والداخلية والاجتماعية، ونتعرف على طرائق تفكيرها وخواصها السلوكية، كما نلمح العلاقات المتبادلة على الفرد، والتناقضات والاتجاهات الفاعلة في تكوين الشخصية.

 

انطلقت الروائية رفيدة شاهين من نقطة الحاضر، لتنطلق منها إلى خط الزمن، فمنحت الرواية جمالية خاصة، ويظهر ذلك جليًا بالتداعيات والاسترجاعات للحديث، فتخلق تواصلًا يستمر بالتدفق عند احتكاك الشخصية بأخرى.

 

كُتبت الرواية من خلال الراوي، فيما اختفى صوت الكاتبة، ونلاحظ الموازنة بين السرد والحوار في مجمل الرواية.

 

لقد أتت الرواية في ظل تصويرها الصادق للمجتمع المغلق الفارغ الذي يعيش في الانحطاط والتردي، وفي ضوء طغيان الثورة التكنولوجية والحياة الاستهلاكية، وتسجيل حقائق الواقع وسلبياته بطريقة سلسة من خلال طرح معاناة الشخوص وحلم بعضها بالحرية، لتنطلق شخصيات الرواية عبر البعد النفسي والبعد الاجتماعي، والبعد الاقتصادي الذي طرأ على المجتمعات المتحولة...

 

استخدمت الكاتبة أسلوب "الفلاش باك" في وسط الرواية تقريبًا، لكن هذا الاستخدام لم يفد الرواية، وإنما تسبب بتشويش وتشتت لدى القارئ، ولو تم الاستغناء عنه لأعطى الرواية مذاقًا آخر، وهذا مأخذي الوحيد على الرواية، فالتجربة الأولى لأي كاتب أو كاتبة لا بدَّ أنْ يتخللها أخطاء، لكن بتفاوت.

 

وختامًا نقول: لقد تمكنت الروائية من اختراق السطح إلى العمق، وتجاوزت الشكل إلى الجوهر، وهي بذلك أكملت معرفتنا المبتورة، من خلال تملكها تلك الطاقة المتدفقة من قدراتها الإبداعية، وقواها التصويرية.

 

وفي استبصارها الروائي، اخترقت رفيدة شاهين على الرغم من حداثة التجربة النوافذ المغلقة لعوالم خبيئة لشخوص غائصة في أحداث تتصارع أو تتصالح، تتناقض أو تتوافق، تتشابك أو تترافق، وعلى امتدادها تجلى السياق الروائي، وهو في فلذاته المتداخلة، ومن خلال رؤية الروائية الفنية، أحسسنا بشخوصها، وكأنهم موجودون حقيقة، ومارسوا فعل الوجود، ونكاد نتحسس حياتهم في تناقضها وصراعاتها، وفي اللحظة ذاتها، تتحول الأفكار من جهامة تجريدها إلى فاعلية تدغم في بنية الرواية.