الثلاثاء  16 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بقرة حاحا بقلم: احمد زكارنة

تجليات

2013-12-10 00:00:00
بقرة حاحا بقلم: احمد زكارنة
أحمد زكارنة

أحمد زكارنة

كان الكاتب الايرلندي الساخر برناردشو صديقا حميما لونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، وتشرشل كان يحب النكتة البارعة فيتحرش ببرناردشو ليتلقى قوارص كلامه، فقال تشرشل (وكان ضخم الجثة) أن من يراك يا أخي برنارد (وكان نحيل الجسم) يظن أن بلادنا تعاني من أزمة اقتصادية حادة، وأزمة جوع خانقة، فأجابه برناردشو على الفور: ومن يراك أنت يا صاحبي يدرك فوراً سبب الأزمة. ما بين أزمة تشرشل وسبب برنارد لن يخطئ المرء لحظة في قياس البراعة، ولكنه قد يحتار عمراً في تفكيك مشهدنا الداخلي بكل طقوسه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

البقرة التي استوحى كلماتها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم من الموروث الشعبي المصري، فحولها إلى بكائية سياسية يرثي فيها حال مصر عشية هزيمة 1967، هي تلك البقرة المغماة والمربوطة لتجر الساقية أو “الناعورة” بلغة الريف المصري، في حركة دائرية لا نهائية. 

هذه البكائية كتبها الفاجومي نجم بعد النكسة ردا على تلك النغمة الإنهزامية التي قادتها جريدة الأهرام حين قدمت “منطقا متكاملا” يقول إن مصر الفقيرة المتخلفة ليس في مقدورها أن تناطح الثور الأمريكي، لذا جاءت بقرة حاحا المسلوبة نطاحة رغم كل شيء كما تقول الناقدة المصرية فريدة النقاش في كتابها بلدي وحبيبتي.

والفاجومي هو الشخص الذي لا يستطيع كبح جماح مشاعره ومواقفه حتى لو ذهب ضحيّتها، ونحن في فلسطين لدينا انهزاميون كثر و “فلاجوميون” أكثر، خاصة حين نطالع خبر ذلك المدرس الذي راح يطلب من تلاميذه عدم قراءة الفاتحة على قبر الشاعر الراحل محمود درويش، لأنه من وجهة نظره شيوعي ونصمت، أو أن نرى مناضلي الفلاش فوتو على صفحات التواصل الاجتماعي تكاثروا فجأة دون سابق نضال ونصفق لهم عالياً، فيما فزعت الشاعرة الجليلية الشابة ناريمان كروم فسمت، “باسم الله الرحمن الرحيم” كل الشعب صار ثائرا برتبة رفيق.

ويا ليت الأمر توقف هنا وإنما الكارثة تكمن في متابعتنا اليومية لحالة العبث بمصير أبنائنا، بين معلمين مُضربين، وحكومة متخبطة، ليخرج نتاج العملية الحسابية أو العبثية جهلاء يحملون شهادات.

وهناك عندما تقرأ لأحد الشيوخ يحمد الله على وفاة الراحل أحمد فؤاد نجم بالقول: الحمد لله على نعمة زواله، ما يدفعنا للتساؤل: ألهذه الدرجة لا توجد حرمة للموت؟ ألهذا المستوى المتدني هبطت أخلاق هؤلاء؟ أيمكن أن يحترمهم أو يصدقهم عاقل في أمر من أمور الدنيا؟ نعم هذا ما كتبه أحد الشيوخ وهو العارف الذي لا يُعرّف، بالحوار الذي دار بين أسامة بن زيد، عندما روى للرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قتل أحد المشركين في إحدى المعارك بعد أن نطق بالشهادتين فغضب الرسول منه غضباً شديداً وقال قولته الشهيرة: هل شققت عن قلبه، أتقتله وقد نطق بالشهادتين.

حالة عبث عارم تضرب كل المفاهيم والقيم، ضجيج صحفي، وتخبط حكومي، صراخ طلاب، وصراع معلمين وحكومة، تعثر سياسي وآخر اقتصادي، وثالث تربوي، ورابع، وخامس، وعاشر، جميعها حالة تدفعنا لنواح النواحة على بقرة حاحا النطاحة والبقرة حلوب