الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

موتُ النص وانبعاثُ المؤلّف محمد الأمين سعيدي/شاعر وأكاديمي جزائري

المعنى رحمه الله

2018-03-05 07:27:07 PM
موتُ النص وانبعاثُ المؤلّف
محمد الأمين سعيدي/شاعر وأكاديمي جزائري
محمد الأمين سعيدي

١.

لم يكن المقول البنيوي عن موت المؤلف مجرّد فكرة عابرة دون تأثير، ولا هو مجرّد كلام نظري لا علاقة له بالحضارة المعاصرة. بل كان نتاج نسق الحياة وتطوّراتها. وأفضل مثال بل أبسطه أننا نشتري تحفة من محلّ الأثاث، دون أنْ نبحث عن مبدعها أصلا. هكذا صار تفكير الإنسان المعاصر يركز على جودة المنتوج لا على حضور المنتِج. كما حدث، على مستوى النص، أنْ كان القطع مع تفاصيل حياة المؤلف طريقا إلى قراءة النص باعتباره بنية ونظاما. فنتج عن هذا مناهج كثيرة في البنيوية وفيما بعدها مركز اهتمامها هو النص، وآليات مقاربتها له هي بنياته وعلائقه بدلا من تفسيره بصاحبه أو نفسيته (حتى البنيوية التكوينية تعتبر المجتمع مثلا نسقا لا سياقا).

٢.

موت المؤلّف كان لصالح النص والدراسة، بل ساهم في القرن الماضي في تطوّر علم الأدب وتعمّق مجالاته وتعددها أيضا. لكن القارئ العربي لا يزال سياقيا بامتياز، ولذلك يعكس ما في النص على صاحبه، ويجهل أنّ الأنا في النص هي ذات داخل المكتوب تعبّر عن رؤية العالم أو تقدّم قيمة إنسانية مشتركة. وبطبيعة الحال لا بد، لكسر هذه اللعنة في القراءة، أنْ يزحزح الفقيه المتسلّط على النصوص الدينية والدنيوية، والمؤثر في القارئ/الدارس الذي ينصب محاكم التفتيش أمام النصوص ليحكم على أصحابها الذين عادوا إلى الحياة.

٣.

طبعا لا تزال المناهج النسقية تُعنى بالنص لا بصاحبه، لكني فضلت هذا التمهيد البسيط لأنّ المقول البنيوي انقلب في العالم العربي، تحديدا، في Facebook الذي صار يضج بالكتّاب أكثر من القرّاء. وبشكل ما انبعث المؤلّف نافضا جناحيه، مدافعا عن نصه، بل أحيانا عن منشوره اليومي والبسيط. ولأنّ الذاتي أعمق حتى في الكتب المنشورة، فهو مضاعف بحكم ما يمنحه موقع التواصل من إمكانية القناع، ولذلك كل كاتب باستثناء قلة صوته أعلى من صوت نصه، وحضوره رقيبا على كتابته يجعله أشبه بكاتب وحارس في وقت واحد.

٤.

يوصلنا هذا إلى ما نعنيه بموت النص، وهو يشمل عدة نقاط:

-موت النص في حالة الأسماء التي تعرف كيف تصنع حضورها، أحيانا بمحاولة صدمة المتلقي التي لم تعد تصدم أصلا واستُهلكت، وغالبا بالهبوط إلى كتابة ما يحبه القارئ الفايس بوكي. وسينتج عن هذين نصا هشا مستعجلا، يُنشر طلبا للحاجة التي حرم منها الكاتب وهي الاحتفاء ولو افتراضيا.

-موت النص على مستوى المتابعة النقدية والإعلامية، فلا أحد ينكر تناقص عدد الدراسات الجادة التي تتابع مسار الكتابة، وشحّ التغطية الصحفية للأعمال التي تصدر.

-سقوط المؤلف في فخ السائد، لأن التفاعل يقتضي مجاراة الأحداث، والإبداع يقتله الحدث. لذلك ستجد نصوصا فارغة من البدعة والاختلاف إلا نادرا.

-طغيان الكتابات الخواطرية البعيدة عن الشعر والحكائية المفتقرة إلى ملامح البناء السردي.. وعن هذا، ثمة تناقص كبير للقصة القصيرة لأنّ الموضة هي الرواية، واستسهال الكتابة الروائية لدرجة الإسهال.

٥.

لعل الفادح في الأمر هنا في انبعاث المؤلف أنه صار يغطي على نصه، ولذلك بدلا من أن تجد متابعات لما يُكتب وينشر ورقيا وافتراضيا؛ سترى الكاتب مزهوا بتعاليق لا تغني شيئا أمام غربال الزمن الذي سيسّاقط منه النص الخافت، أو يموت وصاحبه على قيد الحياة.

٦.

قد يأتيك من يقول إن هذه ظاهرة عالمية، الفايس بوك وانشغال الناس به أي نعم، لكن تحوّل الكاتب إلى محور الاهتمام ونسيان النص فهذا لا يحصل إلا من المحيط إلى الخليج.

٧.

إذا فقد الكاتب حسابه هل يعيش نصه؟

إنه زمن الموت والانتصار للرديء لا حبا لرداءته بل جهلا بالجودة.

٩٠

أقبل يا رولان بارت

نودّ أن نقرأ الفاتحة على النص الذي مات..

أقصد؛ على الكاتب الذي عاش حينا من الوقت واعتاش حتى شبع من الريع، وتاجر بالثقافة وبالمواقف.

١٠.

الخااااااااااااتمة:

(عذرا للقرّاء، كاتب المقال دخل في غيبوبة- بسبب واقع الأدب - إلى العدد القادم).