أسرة التحرير
منذ أيام وإسرائيل تشن حملة دعائية ضد مسيرة العودة وفعالياتها، مرة تحاول تشويه الإنسان الغزي بالقول إنه إنسان أخرجه الجوع إلى حدود الموت، ومرة تدّعي أن الإنسان الغزي وقع بين فكي كماشة عقوبات الرئيس عباس وقبضة حماس الأمنية فهرب باتجاه الموت ونحو إسرائيل. يكفي في ما قيل إسرائيليا إن إسرائيل تعترف أنها قبلة الموت وأنها مانحة الموت بغض النظر عن بعض التفاصيل التي جندتها لصالح دعايتها.
بعض الانتقادات التي صدرت اليوم والتي أساءت لمسيرة العودة وتباكت على الشهداء بشكل عكسي، كما يبدو أنها لا تعرف معنى أن تكون شعب محتل، وأن تكون شعب في حالة تحرر وطني، جزء منهم على الأرجح لا يشعر بوجود الاحتلال لأنه تكيف مع واقع وجود الاحتلال وبالتالي أصبحت أي حالة نضال وأي ارتقاء للشهداء بالنسبة له حالة فوضى مجردة وانتحار ممنهج في أحسن حالاتها، وجزء آخر تشكل دماء الشهداء بالنسبة له إحراج كبير واستحقاق كبير، ولكن، كان يمكن له أن يهرب من هذا الاستحقاق بالصمت، لكنه أصر أن يهرب منه بالصوت، وأصر أن تناظر كلماته الدم.
بكل الأحوال، يظن هؤلاء أن هذه الآلاف فقدت الخيار فخرجت تواجه الاحتلال في ظل اختلال كبير في موازين القوى، والسؤال: ما الخيار الذي يقدمه هؤلاء؟ مؤسسات دولية؟ شرعية دولية؟ إذا كان كذلك فهم للأسف فاقدوا المعرفة بتركيبة النظام الدولي ونمط سير مؤسساته وطرق تطبيق شرعيته في الوقت الحالي ومنذ عشرات السنوات. وإذا كان هؤلاء يراهنون على العمق العربي فالعرب اليوم في سباق تطبيع أحادي مع إسرائيل، وإذا كان هؤلاء يراهنون على الوقت لصياغة استراتيجية معينة، فالمشاريع الإسرائيلية تسابق الزمن وتترسخ واقعا يوما بعد يوم، وإذا كانوا يراهنون على المقاومة السلمية، وجب أن نذكرهم أن مسيرات اليوم لم تحمل أي معنى عسكري ومع ذلك استهدفت وأوقعت فيها المجزرة.
إذا، فإن هذه الجماهير صانعة الخيارات للعاجزين، والشهداء هم المحاولة الأخطر والأقصى لإنعاش الحالة المتردية، إن الحديث خارج دائرة النضال بالنسبة لشعب محتل، هو خروج على الطبيعة الإنسانية والقيمية، ومن يرى أن ما يحدث خطأ، فليخرج عن قيمه أكثر قليلا وليلعن الشهداء والأرض والقضية، وليتبارك بنصوص أفيخاي أدرعي وأفيجدور ليبرمان.
وأمام فشل الخيارات، يصبح ما أبدع هذا الخيار "الموت"، ما أصدقه تعبيراً تراجيدياً يعلن من خلاله الشهيد الانتماء للأرض وللمستضعفين.