الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"الذئب المنفرد" الذي تطارده إسرائيل منذ أسابيع في مدن الضفة

2018-06-05 04:08:04 AM
الاحتلال يفتش المواطنين عند حاجز قلنديا العسكري

 

الحدث ــ محمد بدر

قبل أسبوع تقريبا نشر موقع روتر العبري خبرا مفاده أن جيش الاحتلال قد بدأ بحملة أمنية وعسكرية في مدينة الخليل، وأشار الموقع إلى أهداف العملية بالقول إن العملية تهدف إلى ملاحقة "الذئب المنفرد" وكذلك نشطاء حركة حماس في المدينة.

وخلال الأسبوع الماضي توالت التحديثات على المواقع العبرية عن الحملة الأمنية الإسرائيلية في مدينة الخليل وباقي مدن الضفة، وبالفعل اعتقلت إسرائيل عشرات المواطنين من بينهم صحفيين وقادة رأي ونشطاء حقوق إنسان.

من هو الذئب المنفرد الذي تبحث عنه إسرائيل؟

في 30-10-2014 أغلقت قوات الاحتلال بوابات المسجد الأقصى أمام المصلين لأول مرة منذ عام 1967، كما ومنعت العاملين في المسجد من دخوله، وفرضت قيودا تتعلق بدخول النساء، وحددت أوقاتا يحظر على المسلمين الدخول فيها للمسجد وذلك من أجل فتح المجال أمام المستوطنين للدخول إليه.

قبل التاريخ المذكور لإغلاق المسجد الأقصى بثلاثة أشهر كانت إسرائيل قد أنهت حربا شرسة ضد قطاع غزة، استشهد فيها 1742 فلسطينيا بالإضافة لتدمير أكثر من 13 ألف منزل هناك، وكانت تعلم إسرائيل جيدا أن القطاع منهك متعب نازف بفعل الإرهاب والدمار الكبير الذي خلفه جيش الاحتلال هناك، وبناء على ذلك كان الاعتقاد السائد أن تمرير أي مشروع ممكن أن يتم دون ردة فعل عسكرية على الأقل من القطاع.

وجاء عام 2015 مليئا بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، ونقلت إسرائيل معركتها في الساحات الحساسة، من خلال تكتيك إسرائيلي عموده الأساس كان أن آثار الحرب لن تدفع القطاع للحرب وأن الضفة الغربية قد وصلت لمرحلة من الهدوء لا يسبق له مثيل، خاصة وأن الحرب الإسرائيلية على غزة كانت اختبارا جيدا للضفة بالنسبة للإسرائيليين، وقتها اشتعلت الضفة جماهيريا ولكنها لم تشتبك حقيقيا مع إسرائيل بمعنى الاشتباك.

في 31/7/2015 قامت مجموعة من المستوطنين بحرق منزل عائلة دوابشة في نابلس، احترقت العائلة بكاملها، استشهد الأب والأم والطفل الرضيع وبقي الطفل أحمد وحيدا مع حروق في جسمه فاقت نسبة 80%.

ليس هذا فحسب، في شهر سبتمبر 2015  صدر عن وزير  جيش الاحتلال الإسرائيلي قرارا يحظر مصاطب العلم والرباط في الأقصى، وفي 14 سبتمبر من ذات الشهر، اقتحم وزير الزراعة الإسرائيلي أوري آرئيل المسجد الأقصى برفقة أربعين إسرائيليًا، واقتحمت وحدات خاصة وعناصر المستعربين باحات المسجد، ,بعد اقتحام آرائيل بثلاثة أيام قام عشرات من شبيبة حزب الليكود باقتحام المسجد الأقصى.

حينها كانت كل المؤشرات تشير إلى حتمية المواجهة في الضفة، وشددت إسرائيل من مراقبتها وحملات اعتقالها لكوادر وعناصر الفصائل الفلسطينية المختلفة، وكانت إسرائيل تعلم جيدا أنها تسلك طريقا خطرا بقراراتها، لذلك كثفت من محاصرتها للكادر التنظيمي والموارد المالية للفصائل الفلسطينية، واهتمت كثيرا في بنية خطاب السلطة الفلسطينية وإذا ما كان هناك تغيرات مستجدة على بنيته.

وفي ظل اهتمام إسرائيل بدراسة النخبة السياسية وتوجهاتها والجماعات الحزبية وقراراتها ومشاريعها، من ناحية سياسية أمنية تقليدية، خرج لإسرائيل "الذئب المنفرد" ليضرب في مساء السبت 3/10/2015 في عمق البلدة القديمة في القدس ويقتل اثنين من مستوطنيها باستخدام آلة حادة. حينها تكشفت لإسرائيل مفاجآت وحقائق؛ أهمها:

- دراسة النخبة الفلسطينية والجماعات الفلسطينية، وكذلك الرهان على معطيات الواقع في سياقها التاريخي، ليس بالكافي، والأهم والذي يجب لإسرائيل أن تدرسه جيدا هو طبيعة السلوك الإسرائيلي والحقائق التي يصطدم بها والمعاني التي تتأثر بسببه.

- إن قطاع غزة لا يمكن تحييدها عن العمل النضالي حتى ولو كانت منهكة، فلقد مارست وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التابعة لفصائل المقاومة خلال الفترة الممتدة بين نهاية الحرب في عام 2014 و3/10/2015 (عملية الشهيد مهند الحلبي) دورا تحريضيا مكثفا استطاع استنهاض الجيل الممكن استنهاضه من خلال العنصر الروحي.

- إن أشكال المقاومة الفلسطينية لا تنفذ وأن نظريات الأمن الإسرائيلي قاصرة أمام تفسير التحولات "الاجتماعية السياسية" داخل المجتمع الفلسطيني.

وبعد عدة عمليات فردية قام بها شبان فلسطينيون، ظهر مصطلح "الذئب المنفرد" من خلال وسائل الإعلام العبرية كتعبير عن حالة أمنية لشخص غير منتمي لأي فصيل، يقوم بالتخطيط لعملية فدائية ضد أهداف إسرائيلية بمفرده أو ضمن دائرة ضيقة من علاقاته الاجتماعية، ويستخدم في العملية أبسط الوسائل ومن أبرزها السكين.

وشكّل "الذئب المنفرد" أكبر تحد للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي أصبحت تسمع بالعملية لا عنها، وأصبح التنفيذ هو سيد الموقف.

خلال هذه الفترة أجرت مراكز الأبحاث الإسرائيلية دراسات خلصت إلى نتيجة أن الفارق الطبقي لم يعد مهما بالتصنيف الأمني للفلسطيني، وأن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هي عامل مهم في صناعة مستوى قيمي يؤهل صاحبه للموت من أجل الدفاع عن  البناء القيمي المطوّر بفعل الاتصال وأدواته.

في فترة انتفاضة القدس، والتي امتدت لأشهر نفذت أكثر من 250 عملية طعن، وأكثر من 60 عملية دهس، وكانت حماس تمارس دورا إعلاميا دعائيا كبيرا لضمان استمرارية الانتفاضة أو الهبة وهو المصطلح الأدق علميا.

إسرائيل فهمت أن لدى حماس ضرورات مهمة، وهي أن لا تفقد الخطاب في زمن فقدان الفعل، وأن تحاول التأسيس لفعل جدي ضد إسرائيل بعيدا عن حدود حكمها في فترات معينة. ولكن محاولة الاستنهاض الحمساوي للشعب خارج أطر حكمها فشلت بعد انتهاء انتفاضة القدس.

اليوم ترى إسرائيل أن حماس غير معنية بالتصعيد في غزة، ومعنية أكثر بمعالجة الوضع الإنساني في قطاع غزة من خلال استحقاقات الهدوء، ولكن حماس لا تريد فقدان خطاب الشرعية (المقاومة) وبالتالي فإنها بدأت جولة أخرى لاستنهاض الضفة من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وبناء على هذا الفهم الإسرائيلي بدأت إسرائيل بملاحقة النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي وقادة الرأي.

إسرائيل تعلم جيدا أن حماس تفاوضها في غزة، وتفاوض العقل الفلسطيني في الضفة من أجل أن يأخذ مرحليا دورا جيدا وجديا في الصراع، وبالتالي فإننا وخلال ملاحقة "الذئب المنفرد" سنجد عمليات اعتقال كبيرة واستهدافات لنشطاء التواصل الاجتماعي، وكذلك لكوادر حماس التعبويين، وشهر رمضان بما يحمل من هالة روحية سيبقى موسما لتكثيف الإسرائيلي من حملته .

وقد تفاجئ الضفة وحدة التحليل الأمنية الإسرائيلية بما هو جديد وستتعلم إسرائيل من جديد أن سلوكها العدواني هو المحور.