الحدث - إبراهيم أبوصفية
تتوالى أشهر رمضان على بعض الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، حيث يقبع بعضهم منذ عشرة أو عشرون أو ثلاثون شهرا رمضانيا في الأسر، إذ يستقبل الأسرى هذا الشهر الفضيل بإعداد برامج مختلفة عن الشهور العادية، تتناسب مع طبيعة رمضان.
وتمكنت " الحدث" من التواصل مع العديد من الأسرى داخل سجون الاحتلال، ليرووا لنا عن حياة الأسير في شهر رمضان، وكيف يقضي وقته وأبرز الأنشطة التي يقوم بها، وحفاظا على أمنهم حجبت " الحدث" أسمائهم.
قال الأسير ( هـ - ج ) " إن الأسير حينما يمضي نصف حياته في السجن، تصبح نظرته عادية بالنسبة لشهر رمضان، على أنها روتين عادي، رغم أن هذا الشهر يحاول الأسرى فيه قلب برامجهم الإدارية والثقافية والفنية، لتتلائم وتتناسب مع طقوس رمضان خارج السجن، بدءاً بالإمساك والسحور، ومروراً بإعداد الطعام والعبادات، وانتهاءا بالفطور وصلاة التراويح.
وأوضح ( هـ -ج) "أن الاستعدادات لشهر رمضان تبدأ قبل دخوله بأيام، حيث تبدأ لجان ممثلة عن الأسرى داخل السجون بإعداد برنامج إداري مناسب للشهر الفضيل، وإلغاء كافة البرامج الإدارية السابقة، مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين والمضايقات التي تفرضها إدارة مصلحة السجون". مشيرا إلى أن كل أسير يضع برنامجا خاصا فيه بما يتعلق بالعبادات والإفطار.
وأشار إلى أن معرفة أوقات الإفطار والسحور للشهر الفضيل تتم من خلال المتابعة لما يجري خارج السجون عن طريق الإذاعات المحلية وقنوات التلفاز وتواصل الأسرى مع أهاليهم.
ولفت إلى أنه يتم العمل أيضا على تنسيق إفطارات جماعية داخل الساحات خصوصا في السجون التي تحتوي على الخيم والكرفانات.
وحول صلاة التراويح؛ أوضح الأسير أن طبيعة السجن وقوانينه تتحكم فيها، خاصة تلك الأقسام التي يسمح فيها بالحركة داخل الساحة من السادسة صباحاً وحتى السادسة مساءً، وبخلاف هذا الوقت تكون الحركة محدودة داخل الغرفة، ففي هذه السجون صلاتي الظهر والعصر يمكن تأديتها بشكل جماعي في ساحة السجن، أما المغرب والعشاء (التراويح) والفجر فتتم داخل الغرف، وبعدها يترك للأسير الأمر بشكل فردي إذا أراد قيام الليل.
أما بالسجون التي يسمح بتواجد الأسرى في الساحة إلى ما بعد الساعة العاشرة ليلا كـ"أقسام الخيم" وأقسام "الكرفانات" في سجن النقب، تؤدى صلاة التراويح جماعة.
الطعام في شهر رمضان
في الغالب، تكون هناك مبادرات فردية بالتبرع بقيام أحد الأسرى لإعداد الطعام خلال الشهر كله، أو جزء منه، فيما يتولى آخرون القيام بالتنظيف والجلي، أو ربما يتم توزيع إعداد الأكل والتنظيف بالتساوي بين الأسرى.
وفي الأيام العادية، قال جابر، إن إدارة مصلحة السجون تقوم بتوزيع الطعام على 3 وجبات، فيما يدمج الأسرى هذه الوجبات في وجبتين أساسيتين، إلا أنه وفي شهر رمضان تُجمع وجبات الأسرى، وتتم إعادة إعدادها مع إدخال أصناف مدعمة حتى تتناسب مع رغباتهم.
ويقوم الأسرى بصنع بعض أنواع الحلويات، إذ يشكل المكون الأساسي فيها قايا الخبز بدلاً من الطحين أو السميد، فيتم عمل القطايف والكنافة وكعك العيد والفطاير.
أيام رمضان
يتجمع الأسرى مع اقتراب موعد الإفطار في حلقات الذكر والدعاء، بينما ينشط الأسرى المسؤولون عن الطبخ لإعداد الطعام وخاصة الشوربة التي تعتبر الوجبة الافتتاحية في الإفطار، ويبدأ بعض الأسرى في توزيع التمور على البقيّة، ومع صوت المؤذن يسارع الجميع في تناول حبات التمر وطبق الشوربة، ثم يؤدون صلاة المغرب جماعة، وبعدها يبدأون بتناول وجبة الإفطار المعدة.
بعد الانتهاء من الإفطار، بعض الأسرى يتابع برامج تلفزيونية، حيث يتواجد جهاز تلفاز في كل غرفة، وهو ما يمنح الأسرى وقتاً محدوداً للتسلية؛ رغم أن التلفاز خاضع لقوانين السجن، إذ أن ما هو مسموح بمشاهدته 4 قنوات عربية فقط.
وبحسب ( هـ- ج)، يحاول الأسرى تجسيد حياة رمضان في الخارج وعكسها داخل السجون على الصعيد الروحاني وقيام الليل وجلسات القرآن والندوات والدروس، إذ يحرص الأسرى على إحياء الأجواء الإيمانية.
وتنظم أيضاً داخل السجن مسابقات في حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ومسابقات ثقافية تاريخية علمية، ويكرّم الفائزون في حفل يشارك فيه الأسرى، حيث يمنح الفائز جائزة رمزية، وشهادة في الخارج.
إدارة السجون والأسرى في شهر رمضان
يقول الأسير ( هـ - ج)، إن الأسرى يعقدون جلسات عديدة مع إدارة السجون بهدف نزع تسهيلات لاحترام شهر رمضان، ومنع الإدارة من التصعيد أو الذهاب لمشاكل داخل السجون، أو اللجوء للتفتيش والقمع، حيث تصبح مقايضة بين الأسرى والإدارة أي بمعنى احترام شهر رمضان من قبل إدارة السجون مقابل احترام الأسرى لأعياد الاحتلال وأن تمر دون تصعيد، لذلك عادة تشهد السجون في هذا الشهر الكريم هدوءا.
يشار أن، حياة السجون ليست وردية كما سيظن قارئ التقرير، إن التفكير وحده في مسألة بعد الأب عن ابنه وزوجته، أو بعد الإبن عن أهله، أو بعد الفتاة عن أهلها في غياهب السجون وموائد الإفطار في رمضان، كافية لتبين صورة الألم الذي يحيى به الأسرى. إلا أن تحدي السجان وكسر من راهن على إخضاع الأسرى، لما هو الدافع بأن يمارسوا حياتهم باعتيادية وأن يصنعوا من اللاشيء روحا جميلة وأجواء خاصة بهم.