السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما بين إسراء غريب وإعدام سيدة على قلنديا.. الرأي العام الفلسطيني إلى أين؟

2019-09-22 08:07:03 AM
ما بين إسراء غريب وإعدام سيدة على قلنديا.. الرأي العام الفلسطيني إلى أين؟
إسراء غريب

الحدث ـ مي هماش

يُعد الرأي العام من الأمور المُغيّرة في سياسات وقوانين الدولة، وحتى إنَّها أدوات إخضاع استخدمت في كثير من الشعوب لإحداث تغييرات سياسية واجتماعية، وذلك لقدرتها على التأثير بأبسط الوسائل الّتي قد تجمع عليها، ولهذا تلجأ السياسات السياسية والاقتصادية والإعلامية إلى السيطرة على وعي الشعوب؛ لتحديد وتوجيه توجهات الرأي العام لها، وتعمل على إعادة ترتيب أولويات القضايا الأساسية في حياة هذه الشعوب.

يحكم الرأي العام العديد من المبادئ والقيم، والّتي تسعى للحفاظ على إنسانية الشعب سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، وتترتب هذه المبادئ والقيم داخل حراك أو مجموعة مُؤسسة لتكون حاضنة وممثلة لها في ذات الوقت، مع وجود أهداف معلنة تتمثل في تأمين هذه المبادئ، وأهداف مخفية تحكمها الرغبة في التغيير السياسي والسيطرة.

ما يحدث في الشارع الفلسطيني منذ فترة طويلة نوعًا ما، هو إعادة صياغة وتوجيه لهذه التوجهات، إلى اهتمامات داخلية، تتعلق بالأطر القانونية والتنفيذية الّتي تحكم الحياة الاجتماعية، وهذه الصياغة بضرورتها في عملية التحرر وتغيير المجتمع وزيادة قوته إلّا أنَّه يخفي مسببًا أساسيًا من الانتهاكات الّتي تحكم حياة الشعب الفلسطيني.

فتوجيه أنظار الرأي العام الفلسطيني عن مكوّن أساسي من اختلال توازن هذه القيم؛ وهو ممارسات الاستعمار الصهيوني، كان له دور سلبي في ممارسة التحرر والحرية من جانب، ومن جانب آخر ساهم في نشوء توجهات "تحمد الله على نعمة الاحتلال"، مبررًا بأنَّ وجود الاحتلال ساهم في قمع الإرهاب والعنف والقمع الّذي يمارس داخل المجتمع الفلسطيني، وساهم في تطويره أيضًا، الاحتلال بالتأكيد ليس شماعة، لكنه بُنية أساسية في تشكيل العنف والقمع الفلسطيني الداخلي.

أمرٌ عظيم أنّ تشكل قضية فلسطينية داخلية قضية رأي عام، تجمع وتوحد أصوات الفلسطينيين والعرب ودول أخرى، مثل قضية إسراء غريب، ومن المستهجن جدًا أنّ يكون الرأي العام فاترًا وباردًا ولا مباليًا أمام قضية قتل إمرأة على حاجز قلنديا، أو البرود الّذي قد يُظهر ردود فعل دورها أن تستنكِر قضية الفلسطينية إسراء جعابيص، أو محاكمة العديد من النساء والرجال والأطفال على شُبهات بتنفيذ أعمال ثورية، أو البرود أمام القوانين العنصرية الّتي يستمر الاستعمار الصهيوني بإجهاضها يومًا بعد يوم. فما الّذي حكم على الرأي العام بالصمت والبرود أمام انتهاك مؤسسة استعمارية تطال أحدهم اليوم وغدًا ستطولك؟

هل هي عوامل اقتصادية مَنّ تحكم سلوك الفلسطيني وتردعه أمام هذه الممارسات؟ أم هيَّ الهزيمة السياسية غير القادرة على إيجاد "حل سلمي" و"تفاوضي" أو "ثوري" يحفظ على الأقل الحقوق الأساسية للفلسطينيين المستعمَرين؟ أو هيَّ انعكاسات الثقافة العالمية المتمثلة بالاهتمام بقضايا على حساب قضايا آخرى، وتعزيز المفاهيم الاستهلاكية وجني الأموال على حساب تأمين الحد الأدنى من شروط البقاء بأمان، وثقافة خطاب القوة والتمايز الثقافي، وجدوى المقاومة والتحرر في دول ما يُعرف ب "دول العالم الثالث"؟

يبدو أنَّ هذه الأمور مجتمعة ساهمت في توجيه الرأي العام الفلسطيني وضبطه في إطار قيمي داخلي، وفي قضايا دون الأخرى، وأثر ذلك على الأجيال الناشئة كبير جدًا، لأنَّه يُساهم في محدودية النظرة وتضييقها اتجاه مساحات حرية التعبير والاعتراض، وانعكاس ذلك على ميادين ممارسة الحرية، وتقليصها في وسائل التواصل الاجتماعي، والّتي تُحدد لك أيضًا ضمن قاموس لغوي، يختار لغتك ومصطلحاتك عنك، ويمتص غضبك، ويحوله إلى حرب إلكترونية بحسابات وهمية، فهي تمامًا تُصبح كأحلام اليقظة، تكون أنت بطلا في قصة لا يعيشها إلّا أنت وبطريقتك الخاصة.

هذه الحالة ستذهب بالفلسطينيين إلى أقصى نقطة مُقابِلة للواقعية الحقيقية الّتي تحكم مجتمعنا وتساهم في تذويبه، وهنا يجب أنَّ يكون هناك وقفة حق وقوة من العائلة والمؤسسة التعليمية، والمؤسسة السياسية والاقتصادية، والتنظيمات الحزبية والمؤسسات المدنية الفلسطينية الصرفة، في إعادة تعريف حقيقي للوضع الفلسطيني، وتوجيه صحيح حول ما يحدث فعلًا، وحول ما يستلزم أنّ نفعل، وحول الأدوات الّتي تساهم في الحفاظ على وعينا كمرحلة أولى.

فالميدان الفلسطيني لطالما كان صرحًا للحرية باختلاف أنواعها، وهذا الميدان تم انتزاعه بالقوة من قبضة الاستعمار الصهيوني، أي لم يُقدم على طبق من ذهب، فهذا الميدان كان صرخة فخر بشهيد، وكان فضاءً لدعم الأسرى والمبعدين، وكان منجم حجارة متجدد أمام كل انتهاك استعماري عنصري، وكان أيضًا مكانًا لأدوات سلمية ومظاهرات، فلماذا يتحول فجأة إلى مطالب اقتصادية مؤقتة، وردود فعل اجتماعية وإنسانية غير منظمة؟