الأحد  08 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أين تقف الولايات المتحدة من الصراع الليبي مع تمدد النفوذ الروسي؟

2020-07-20 04:52:10 PM
أين تقف الولايات المتحدة من  الصراع الليبي مع تمدد النفوذ الروسي؟
ليبيا

 

 الحدث- جهاد الدين البدوي 

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالاً للكاتبين ميسي رايان الخبيرة في القضايا العسكرية والأمن القومي في الصحيفة، ومدير مكتب الصحيفة في القاهرة سودارسان راغافان، وتحدثا أن غياب القيادة الأمريكية في ليبيا عمّق من مواجهة دولية خطيرة، وسمح "للحرب بالوكالة" الدائرة هناك بتهديد مصالح واشنطن الاقتصادية والأمنية، مقابل منح روسيا منطلقاً جديداً لتوسيع نفوذها في حوض البحر الأبيض المتوسط.

وأضاف الكاتبان بأن موقف الولايات المتحدة على هامش الصراع -الذي يعقده عدم اليقين بشأن الجانب الذي تدعمه واشنطن - يكتسي أهمية جديدة مع قيام روسيا وتركيا والآن وربما مصر بتغذية الصراع وتقديم الأسلحة والمقاتلين.

 ويرى الكاتبان بأن الولايات المتحدة هي أساساً خارج اللعبة. والليبيون غير قادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، معتدين كلياً على جهات أجنبية. وهو ما وصفه الكاتبان بأنه انجراف تام.

 يتابع الكاتبان: لقد أصبحت ليبيا خلال الأشهر الأخيرة ساحة صراع مفتوح للجميع، للقوى الإقليمية والأوروبية، وكثير من هذه الأطراف حلفاء للولايات المتحدة، الذين تدخلوا لملء الفراغ الأمني والسياسي عبر دعم الحكومات المحلية المتنافسة. كما يتزايد الانقسام الآن بين دول حلف الناتو، في حين يندفع المرتزقة من روسيا وسوريا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مستشعرين الفرص الاقتصادية.

 وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من أن النزاع دخل مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر بسبب التدخل العسكري الأجنبي "غير المسبوق". وارتفعت الخسائر في صفوف المدنيين، بينما زرع المقاتلون المنسحبون متفجرات في المناطق السكنية. والآن، قد تكون المعركة مهيئة بالقرب من مدينة سرت، على طول الساحل الليبي، حيث يجلب كل طرف ذخائر أثقل إلى القتال. مضيفاً: الوقت ليس بصالحنا.

ويؤكد الكاتبان بأن الوضع الراهن في ليبيا هو نتاج المشاركة العشوائية للرئيس ترامب في ملفات السياسة الخارجية، الذي بدا أنه نسف الجهود الدبلوماسية لتعزيز حكومة مدعومة من الأمم المتحدة في العام الماضي من خلال إعلان دعمه للجنرال خليفة حفتر.

يضيف الكاتبان بأنه في الأسابيع الأخيرة، دعا ترامب إلى وقف القتال في محادثات مع قادة مصر وتركيا وفرنسا، في الوقت الذي دق فيه المسؤولون العسكريون الأمريكيون ناقوس الخطر بشأن عمليات الانتشار العسكرية الروسية الجديدة التي قد تهدد الأصول البحرية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط.

ويشير الكاتبان إلى أن الوضع الفوضوي ينبهنا إلى حقيقة أن الولايات المتحدة، من خلال الالتزام بحظر الأسلحة، ربما تكون قد قللت من قدرتها على تشكيل مستقبل ليبيا.

ويوضح الكاتبان أن الحرب في ليبيا لا تبدو من بين أولويات السياسة الخارجية الأميركية، حيث يركز البيت الأبيض على الصين وإيران ورغبة ترامب في تقليص دور أميركا في صراعات المتمردين، وكل ذلك على خلفية جائحة كورونا والانتخابات الأميركية التي تلوح في الأفق.

وقال عماد الدين بادي، الخبير في الشأن الليبي الزميل في المجلس الأطلنطي: " لسوء الحظ، أن الولايات المتحدة تتنازل عن نفوذها. وجميع الدول التي استفادت من غياب الولايات المتحدة تستفيد الآن".

ويضيف الكاتبان بأن هذا المعطى ليس بالأمر الجديد، ففي السنوات التي تلت مساعدة الولايات المتحدة حلف الناتو بالإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي عام 2011، حدت الولايات المتحدة من مشاركتها في ليبيا، حيث كانت تشاهد الدولة المنتجة للنفط في شمال أفريقيا إلى حد كبير من خلال منظور مكافحة الإرهاب وحثت الدول الأوروبية على تولي زمام المبادرة.

 يتابع الكاتبان: حتى يومنا هذا يندد الكثير من الليبيين بالولايات المتحدة لعدم تقديمها المزيد من المساعدات في أعقاب الربيع العربي. وفي حين يحاول الدبلوماسيون الأمريكيون لسنوات بناء الشرعية حول حكومة الوفاق الوطني برعاية الأمم المتحدة، ازداد دعمهم حذراً لأنها ظلت ضعيفة وتعتمد على جماعات من الميليشيات لغرض الحماية.

وفي الوقت نفسه، أعرب مسؤولون أمريكيون عن سخطهم مع حفتر - وهو ضابط عسكري سابق تحول إلى خصم للقذافي الذي تمتع بدعم وكالة الاستخبارات المركزية في الثمانينيات والتسعينيات - بسبب تصميمه على السيطرة باستخدام القوة.

وانتهى الهجوم العسكري الذي شنّه حفتر في أوائل حزيران/يونيو، والذي استمر عاماً للاستيلاء على العاصمة، بعد أشهر من إرسال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - بسبب اعتراضات أمريكية - لجيشه للدفاع عن حكومة الوفاق الوطني.

وجاء فشل حفتر في الاستيلاء على طرابلس حتى مع اتخاذ الصراع الليبي منعطفاً دراماتيكياً في أيار/مايو، عندما أقدمت روسيا على ارسال طائرات مقاتلة متطورة سراً إلى ليبيا، مما أضاف إلى قائمة طويلة من انتهاكات حظر الأسلحة، وجلب قوة نيران كبيرة لدعم حفتر بعد نشر مرتزقة روس مرتبطين بالكرملين.

اعتبر الكاتبان اندفاع كلاً من روسيا وتركيا للتدخل في الصراع الليبي جاء جزئياً نتيجة للوعد الاقتصادي الذي قطعته ليبيا باعتبارها واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، وموقفها من الجناح الجنوبي لأوروبا.

وقالت الأدميرال هايدي بيرغ كبيرة ضباط المخابرات في القيادة العسكرية الأميركية بأفريقيا: "إن موسكو تحاول دوما إظهار نفسها كوسيط للسلام بليبيا في حين تقوم بتأجيج الصراع من خلف الكواليس، كما فعلت ذلك -وفق مسؤولين أميركيين- في كل من أوكرانيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى".

تضيف بيرغ: القوات بالوكالة... كان لها في السابق مقعد على طاولة المفاوضات، وكان لها تأثير لا مبرر له على النتيجة، ولكنها أصبحت الآن المحور الرئيس تقريباً"...."وهذا ما يظهر ما سعت إليه روسيا: أن يكون لها الاعتبار على الساحة الدولية والقدرة على فرض التكاليف على المجتمع الدولي -لتكون الطرف الأكثر تحكماً على طاولة المفاوضات".

يرى الكاتبان بأن روسيا ستحقق مكاسب كبير إذا قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتنفيذ قراره بإرسال جيشه إلى ليبيا إذا توغلت قوات "حكومة الوفاق الوطني" في الشرق. ويقول مسؤولون أمريكيون إن مصر، وهي من المؤيدين منذ فترة طويلة للجنرال حفتر، تقوم باستعدادات عسكرية لتدخل محتمل.

ينوه الكاتبان إلى أن الصراع الليبي أدى إلى تأليب دول حلف الناتو ضد بعضهم البعض، حيث تتعهد فرنسا، التي يقول المسؤولون الأمريكيون أنها تدعم حفتر، بأنها لن تتسامح مع "اللعبة الخطيرة" التي تلعبها تركيا في دعم حكومة الوفاق الوطني.

في مواجهة المناورات السريعة في ساحة المعركة، يقول الدبلوماسيون الأمريكيون إنهم واصلوا جهودهم "القوية"، التي كانت في الغالب من خلف الكواليس، لدعم تسوية سياسية في ظل سياسة يصفونها بأنها "الحياد النشط".

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاميركية طلب عدم الكشف عن هويته "أولاً وقبل كل شيء، هذه مشكلة أوروبية".

وأضاف المسؤول في إشارة للحرب السورية حيث ان المهمات العسكرية التي تقوم بها إيران وروسيا وتركيا قد زادت من إراقة الدماء "نحن نحاول هذا الأمر، ولكن هذا الامر معقد جداً، وهو إضفاء الطابع السوري على ليبيا".

وكمثال على استمرار المشاركة الأمريكية، استشهد المسؤولون بمشاركة وزير الخارجية مايك بومبيو هذا العام في قمة الليبية في برلين، حيث وضعت عدة دول بما في ذلك روسيا وفرنسا وتركيا خطة فاشلة لوقف إطلاق النار، وفي نهاية المطاف دعت إلى وضع حد للعنف حتى في الوقت الذي كان فيه بعضها يقدم الدعم السري لطرف ليبي أو آخر.

 ويقول المسؤول الأمريكي في إشارة للشركة الأمنية المرتبطة بالكرملين والتي تعرف باسم "فاغنر": "إن العديد من حلفائنا وشركائنا الإقليميين بالإضافة إلى القوات المرتزقة الروسية فاغنر جعلت الأمر صعباً للغاية".

يتابع الكاتبان: وقد أضافت الرسائل العشوائية من واشنطن إلى هذه التعقيدات، حيث بدا مسؤولو البيت الأبيض، لا سيما في عهد مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، أكثر تفضيلاً لتعهد حفتر باجتثاث الإسلاميين الذين ازدهروا في فوضى ما بعد الثورة في ليبيا أكثر من جهودهم التي تبذلها وزارة الخارجية للقيام بنفس الشيء.

ويبدو أن ترامب وقع على الهجوم العسكري الذي شنه حفتر خلال مكالمة في نيسان/أبريل 2019، مما أعطى تصوراً بأن الولايات المتحدة تدعم رسمياً هذا الزعيم القوي كزعيم شرعي لليبيا.

ومنذ ذلك الحين، سعى المسؤولون الأمريكيون إلى توضيح موقفهم - المؤيد لتسوية سياسية بدلاً من اختيار جانب معين - لكن الضرر وقع.

 وقال المحلل جليل الحرشاوي من معهد كلينغنديل في لاهاي: " لا تزال لغة الجسد الأميركية مهمة جداً".

يوضح الكاتبان بأنه ومن المتوقع أن تستفيد موسكو إذا أرسلت مصر قوات إلى ليبيا، وهي خطوة من شأنها أن تسلط الضوء على تراجع نفوذ واشنطن على مصر. وعلى الرغم من تلقيها 1.3 مليار دولار من المساعدات الأمريكية سنوياً، فإن القاهرة تقترب من موسكو، حيث اشترت أسلحة روسية وعززت مؤخراً اتفاقية للطاقة النووية.

وعلى الرغم من هذه التهديدات، من غير المرجح أن تزيد إدارة ترامب بشكل كبير من مشاركتها في ليبيا. وحتى في الأماكن التي تكون فيها المصالح الأمريكية أكثر وضوحاً، كانت رغبته في الحد من تدخل الولايات المتحدة في الصراعات الخارجية سمة ثابتة في سياسة ترامب الخارجية.

 يتساءل الكاتبان: ما الذي يمكن أن تفعله واشنطن، حتى لو تبنت دوراً أكثر فعالية، في مرحلة أبدت فيها دول أخرى استعدادها لاستخدام القوة العسكرية؟

 يقول بادي: "في نهاية المطاف، لديك روس على الأرض"... "لذا ما لم تكن مستعداً لبذل الجهد، فهذا لن يتغير. وسوف تستمر روسيا في أن تصبح أقوى وأقوى".