الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الشرق الأوسط بعد اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي

2020-08-30 04:58:22 PM
الشرق الأوسط بعد اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي
ترامب- محمد بن زايد

 

 ترجمة الحدث - محمد بدر

في 13 أغسطس/آب 2020، بالفعل كانت هناك لحظة تاريخية بحسب وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد وافقت الإمارات العربية وإسرائيل على إقامة علاقات رسمية في إطار اتفاق برعاية أمريكية أُطلق عليه "أبرهام". وبالتالي الإمارات هي ثالث دولة عربية تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل بعد مصر (1979) والأردن (1994)، بما يشمل التعاون الأمني، العلاقات التجارية، السياحة، الرحلات الجوية المباشرة والتعاون العلمي والعديد من المجالات.

معهد بيغن السادات للسلام، وهو معهد إسرائيلي متخصص في البحث في القضايا الدبلوماسية، أجرى نقاشا مع عدد من المختصين حول تأثير الاتفاق على المنطقة العربية ككل:

لاهف هاركوف، محررة الشؤون الدبلوماسية في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية قالت إنه بعد يومين من الإعلان الكبير عن اتفاق السلام، رفعت الإمارات حظرها عن المكالمات الهاتفية الواردة من إسرائيل، وأجرى وزير الخارجية غابي أشكنازي ونظيره الإماراتي عبد الله بن زايد محادثات هاتفية. هذه ليست النقطة الوحيدة، التي تم تطبيقها فورا ضمن شروط الاتفاق.  فريق من وزارة الخارجية الإسرائيلية الآن في أبو ظبي يبحث عن مكان لبناء السفارة الإسرائيلية هناك، ويناقش تدفق الاستثمارات الإماراتية وعقود عمل الشركات الإسرائيلية والسعي المشترك لمحاربة كورونا، وكذلك العمل على إقامة رحلات مباشرة من تل أبيب إلى دبي وأبو ظبي. قد يكون تأثير الاتفاق سريعا، ويلهم الآخرين من دول المنطقة للإعلان عن علاقات رسمية مع إسرائيل.

هيليل فريش، أستاذ الدراسات السياسية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان، قال إنه بعد مائة عام على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني و 72 عامًا على إعلان الدولة الإسرائيلية، أصبح من الواضح أن الحقائق على الأرض وخاصة إنشاء مدن وبلدات وقرى جديدة لإيواء القادمين اليهود من دول العالم، أهم بكثير من أي اتفاق سلام مع الدول العربية سواء مع الإمارات أو غيرها. إذا كان اتفاق السلام قد أُنجز بشرط إلغاء بسط "السيادة الإسرائيلية" على أجزاء من الضفة الغربية إذن نحن أمام خطأ تاريخي. ومع ذلك، فإن المسألتين ليستا بهذا الارتباط، فالاتفاق بالطبع نعمة لإسرائيل وكذلك للإمارات. إنها إشارة أخرى إلى أن الدول الناطقة بالعربية تدرك أن إسرائيل أصغر من أن تبني مخططات إمبريالية في المنطقة العربية، على عكس تركيا أو إيران، كلاهما من القوى الإمبريالية التي تسعى لإعادة مجد الإمبراطوريات. أدرك العرب اليوم أكثر فأكثر أن إسرائيل قوية ومزدهرة وديناميكية بما يكفي للتعاون معها في قضايا مشتركة كبيرة. الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي ربما كان مدفوعاً بالخوف المتبادل من إيران، ولكن الفوائد المحتملة لكلا الطرفين تتجاوز إيران، وتمتد إلى مجالات مثل الاستثمار الاقتصادي، والتمويل، والسياحة. الإمارات العربية المتحدة ستستفيد من إسرائيل في مجال التكنولوجيا والتقدم العلمي، وستستفيد إسرائيل من مكانة الإمارات كمركز عالمي للخدمات الدولية، وبوابة حيوية للشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا الديناميكي، ومصدر قيم لفرص التواصل. العلاقة لا شك ستكون نموذجًا للدول السنية الأخرى من أجل تحويل منطقة غارقة في الصراع إلى منطقة تعاون.

واعتبر أساف روميروسكي، المدير التنفيذي لمنظمة "علماء من أجل السلام في الشرق الأوسط" والباحث في مركز بيغن السادات أن هذا الاتفاق يكشف أن هدف منظمة التحرير الفلسطينية المتمثل في الحفاظ على القضية الفلسطينية كمرتكز أساسي للعلاقات الإسرائيلية العربية آخذ في التآكل منذ عام 1979. يجب أن يقنع الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي الفلسطينيين أخيرًا أن الهلال الشيعي والخطر الإيراني أهم بكثير بالنسبة للدول العربية من القضية الفلسطينية، وأن الخطر الإيراني أصبح يعزز التحالف السني الإسرائيلي، ويمكن للفلسطينيين أن يصبحوا جزءا من هذا التكتل إذا قاموا بتنحية أيديولجيتهم جانبا ووافقوا على مبدأ السلام الاقتصادي والتعاون المشترك. ومن ناحية أخرى يشكل الاتفاق ضربة لحركة المقاطعة، التي تدعو لمقاطعة إسرائيل، بينما تقيم الدول العربية علاقات رسمية معها.

إيدي كوهين الباحث في مركز بيغن السادات قال إن نتنياهو رغم الملاحقات القانونية والأزمات الداخلية، استطاع مفاجأة الجميع بإنجاز سياسي استثنائي، لأن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي لا يتضمن وعودا بالانسحاب أو تقديم التنازلات على الأرض. لقد نجح حيث فشل الآخرون، وأصبحت الإمارات ثالث دولة عربية تؤسس علاقات دبلوماسية العلاقات مع إسرائيل. الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي يؤسس لعهد جديد من التعاون في الشرق الأوسط، بما في ذلك مواجهة النفوذ الإيراني والتجارة والسياحة وتبادل الاستخبارات العسكرية، التعاون الطبي، ووضع دولة الإمارات العربية المتحدة كقائد دبلوماسي في المنطقة، ومواجهة الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية في قطاع غزة، وفتح الباب أمام دول أخرى لتحذو حذو الإمارات. رحبت دولة البحرين الخليجية بالاتفاق ومن المتوقع أن تكون التالية في  صنع السلام مع إسرائيل. علاوة على ذلك، وافقت إسرائيل على تعليق مخططها "تطبيق السيادة" على أجزاء من الضفة الغربية. الإسرائيليون سئموا السلام البارد وفق النموذج المصري والأردني، الذي يتجنب تطبيع العلاقات بين الشعوب. إسرائيل لا تحتاج اتفاقيات أمنية بين الحكومات ولكن سلاما دافئا بين الشعوب، سلام له جوانب ثقافية واقتصادية وسياحية حقيقية. يغلي الفلسطينيون بغضب من الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي لأنه مس بعقيدة منظمة التحرير، التي تربط بين فتح علاقات مع إسرائيل والتقدم في ملف القضية الفلسطينية.

وشدد الباحث في مركز بيغن السادات للسلام، ألكس جوفي، على أن الإعلان عن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة هو تطور مذهل. إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات السرية طويلة الأمد بين الطرفين، مقابل تعليق إسرائيل لخطتها بتطبيق "السيادة" على أجزاء من الضفة الغربية، يخطف الأنظار لصالح التحالف السني الإسرائيلي ويهمش الجهود الإيرانية والتركية والقطرية ومحاولات هذه الدول في جعل القضية المركزية شيئا محوريا في المنطقة، وهو بمثابة انتصار للزعماء الثلاثة، نتنياهو وبن زايد وترامب. الاتفاق حدد الأولويات العملية في المنطقة، إيران والتنمية الاقتصادية، وليست القضية الفلسطينية. لقد ساهم الاتفاق في تحجيم القضية الفلسطينية إلى الأبد وقطع الطريق أمام استخدامها من قبل الزعامات السياسية والدينية في العالم العربي، وقد تم اختزالها إلى كونها قضية ثنائية تخص طرفين فقط، لا عدة أطراف ودول. معارضة تركيا وقطر وإيران للاتفاق أمر متوقع، فقد وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني الاتفاق بأنه "خطأ فادح" بينما هدد الرئيس التركي أردوغان بإغلاق سفارة بلاده في دولة الإمارات العربية المتحدة. كلاهما سيستخدم القضية الفلسطينية لتشتيت الاهتمام والانتباه العام للظروف الاقتصادية التي تمر بها الدولتان.

سبيريدون بلاكوداس، أستاذ العلاقات الأمنية، اعتبر أن الاتفاق علامة فارقة في العصر الحديث والتاريخ الدبلوماسي لسببين: أصوله وأهميته. على عكس معاهدات السلام بين إسرائيل والدول العربية الأخرى (مثل مصر)، هذه الصفقة لم تكن نتاج وساطة من قبل واشنطن بعد عدة جولات قتال. بالأحرى، هذان الحليفان المقربان للولايات المتحدة وافقا عن طيب خاطر على تجاوز محرمات الماضي وفتح فصل جديد من أجل السلام والأمن الدائمين. الوضع الراهن في الشرق الأوسط مهدد من قبل قوتين مهمتين إيران وتركيا ووكلائهما ( حزب الله وحماس والإخوان المسلمين). وبسبب القوة الناعمة التي تمتلكها دولة الإمارات في دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي، فإن الدول الأخرى ستحذو حذوها وتعلن اعترافها بإسرائيل. البحرين، عمان والكويت والمغرب وحتى السودان لديها الاستعداد للقيام بذلك. مثل هذا التطور قد يسبب كارثة لتركيا وإيران (القوى التي تتلاعب بالقضية الفلسطينية وتتنافس للسيطرة على العالمين السني والشيعي)  حيث ستعزز عزلتهما في العراق ودول المنطقة. وهذا ما يفسر رد فعل أنقرة على الصفقة، والذي قد يترتب عليه إغلاق السفارة التركية من أبوظبي.

جيمس دورساي، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة والمدير المشارك لـ معهد جامعة فورتسبورغ، يقول إن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يزيد الضغط على السعودية لكي تقوم بذات الشيء. صهر الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنر، الذي أدار خطوات ما قبل الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، قال بكل يقين إن الاتفاق بين السعودية وإسرائيل مسألة وقت فقط. لكن اتخاذ السعودية لقرار كهذا دون موافقة الفلسطينيين قد يفقدها دورها كقائد للعالم الإسلامي أمام إيران وتركيا، وقد يدفع العديد من الدول بالمطالبة بالوصاية المشتركة على مكة والمدينة المنورة، لذلك فإن علاقات المملكة بإسرائيل تتطور بطرق مختلفة تختلف عن الطريقة الإماراتية لكنها تصل إلى مجالات حساسة مثل الأمن والتكنولوجيا.