الحدث - جهاد الدين البدوي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالاً لإيما أشفورد الباحثة في مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن في المجلس الأطلسي، وماثيو كرونيغ نائب مدير مركز مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن في المجلس الأطلسي، وتساءلا فيه أنه في الوقت الذي تقوم فيه الولايات الأميركية بفرز الأصوات، هل تسعى الدول الأجنبية إلى تقويض المصالح الأمريكية من شرق آسيا إلى شرق أفريقيا؟
تخاطب ايما ماثيو: إلى متى تعتقد أنه من الممكن للبشر أن يبقوا بلا نوم؟ لقد مر يومين من العذاب في انتظار نتيجة الانتخابات الأمريكية في هذه المرحلة.
يجيب كرونيغ: أنتِ أقوى مني، فقد كنتِ مصممة على البقاء حتى ليلة الثلاثاء، ولكن انتهى بي الأمر حتى نمت متحطما الساعة 11 ليلاً.
يوضح الباحث كرونيغ بأن السباق كان أقرب بكثير مما توقعه أي شخص تقريبًا. وينبغي للسياسة الخارجية أن تبدأ سلسلة من المسلسلات عن الغرب الأوسط الأميركي حتى يتمكن الرفاق المقيمون في واشنطن من فهم بلدهم بشكل أفضل.
تشير الباحثة أشفورد إلى أن البعض في العاصمة سيستفيدون من بعض الوقت للدراسة في الخارج في الغرب الأوسط، ولكن أعتقد أن الجميع تقريباً فوجئوا بمدى قرب هذه الانتخابات. في الواقع، هذا ليس دقيقاً تماماً. فنتائج الانتخابات ليست قريبة على الإطلاق. جو بايدن يتقدم حالياً بما يقرب من 4 ملايين صوت. ولكن الهيكل الغريب للهيئة الانتخابية الأميركية يعني أننا ننتظر لنرى ما إذا كانت حفنة من الأصوات في نسبة ضئيلة من المقاطعات في خمس ولايات تذهب في نفس الاتجاه الذي يذهب إليه التصويت الشعبي أم لا. إنه تذكير بمدى عدم تمثيلية الديمقراطية الأمريكية في بعض الأحيان.
يقول الباحث ماثيو كرونيغ: شكراً لله على دستور الولايات المتحدة. لم يثق المؤسسون في حشد ديمقراطي لاختيار الرئيس وفوضوا السلطة إلى الولايات لإرسال ممثلين للتصويت في المجمع الانتخابي. حيث أن أحبائي في ميسوري وأوهايو ممتنون لأنهم أقل عرضة لطغيان الأغلبية الساحلية في نيويورك ولوس أنجلوس الذين لا يفهمون أو يشاركون تفضيلاتهم السياسية.
يساءل الباحث كرونيغ كيف ينظر بقية العالم إلى نتائج الانتخابات الأميركية؟
تجيب الباحثة أشفورد: إنهم يراقبون عن كثب. فقد كانت الانتخابات الأمريكية أهم الاخبار على موقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" لأيام حتى الآن – وهي تذكر بأهمية الانتخابات الأميركية بالنسبة للسياسة الخارجية. لدينا سفراء يتهربون من رهاناتهم والحكومات ترفض أن تقول أي شيء قد يسيء إلى أي من المنتصرين المحتملين في الانتخابات.
تضيف أشفورد أن ما وجدته محزناً بشكل خاص هو تعليق الحلفاء الأوروبيين مثل وزير الخارجية الألماني، الذي يدعو إلى الثقة في النظام الانتخابي الأميركي. بدا الأمر تماماً مثل هذا النوع من الأقوال التي ستدلي بها وزارة الخارجية حول الانتخابات المتنازع عليها في بلد ما بعيداً وشبه ديمقراطي. مؤكدة أن الانتخابات الأمريكية لم تكن أبداً مثالاً على الفضيلة الذي يقترحه البعض كجيم كرو، ولكن هذه التصريحات الصادرة عن بلدان أخرى هي تذكير بمدى معاناة صورة الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية.
يرى كرونيغ: ولكن حتى الآن، كانت الانتخابات في معظمها قصة إخبارية جيدة للديمقراطية الأميركية. لقد كانت حرة ونزيهة، ونحن ننتظر بصبر أن تجري العملية. ويقيناً، فقد قدم الرئيس ادعاءات مؤسفة لا أساس لها من الصحة حول نزاهة العملية، كما أن الخصوم، مثل المرشد الأعلى لإيران، يسخرون من النظام الأمريكي. (أعتقد أنه يفضل القمع الدموي على فوضى الديمقراطية). ولكن أسوأ المخاوف لم تتحقق. ولم يحدث أي من أعمال العنف التي يخشى وقوعها. المتاجر حول منزلي في جورج تاون قد تم تعبئتها من أجل لا شيء.
يتابع كرونيغ: ولكن أعتقد أن الناس معرضون لخطر إساءة تفسير النتائج. لقد سمعت الكثيرين في الداخل وفي الخارج يقولون إن حصة التصويت الكبيرة لدونالد ترامب تظهر أن أميركا أكثر عنصرية وتحيزاً جنسياً وانعزالية مما فهم الكثيرون. ولكن هذه ليست الطريقة الصحيحة لتفسير الأمر. صدق أو لا تصدق، معظم الناس في الولايات الحمراء لا يقضون معظم وقتهم في التفكير في العرق والجنس والسياسة الخارجية. لقد أحبوا ترامب ببساطة أكثر من جو بايدن.
تتساءل مجدداً الباحثة أشفورد: فهل يُظهر ذلك دعماً لبعض أفكار ترامب غير التقليدية في السياسة الخارجية؟ ففي نهاية المطاف، عاد في الحملة الانتخابية إلى وعوده في عام 2016 بإنهاء الحرب في أفغانستان. وحتى لو انتهى الأمر بفوز بايدن، يبدو أن ترامب اعتقد أن هذه وجهة نظر شعبية في السياسة الخارجية – وأن بعض الناخبين اتفقوا معه.
يقول كرونيغ: ربما للبعض لكن معظم الأميركيين لا يصوتون على السياسة الخارجية. أصدقائي وعائلتي الذين صوتوا لصالح ترامب، فعلوا ذلك لأنهم يعتقدون أنفسهم كجمهوريين وهم يدعمون الفريق، حتى لو كانوا لا يحبون ترامب. واعتقد آخرون أن ترامب سيكون جيدًا للاقتصاد ويشعر بالقلق بشأن زيادة الضرائب من طرف بايدن. وهم يخشون اليسار المتطرف أكثر من اليمين المتطرف. ولا يتابع معظمهم عن كثب ما يجري في أفغانستان أو يعرفون موقف ترامب أو بايدن من هذه المسألة.
ترد أشفورد: أتفق معك في أن الناخبين نادراً ما يصوتون على السياسة الخارجية، لكن استطلاعات الرأي تظهر أن ثلثي مؤيدي ترامب يعتقدون أنه كان على حق في التفاوض مع طالبان. ومن الواضح أن ترامب نفسه اعتقد أنه من المهم بما فيه الكفاية في الحملة الانتخابية محاولة التغطية على حقيقة أنه فشل في الوفاء بهذا الوعد خلال فترة ولايته الأولى.
يشير الباحث كرونيغ إلى أنه إذا طلب خبراء استطلاعات الرأي تحليل رأي الشارع في قضية ما، وحتى لو لم يكن هو ما يدفع السلوك السياسي للمستجيبين، ويقول هذا الاستطلاع إن مؤيدي ترامب يدعمون شيئاً يقول لهم استطلاع الرأي إن ترامب يحاول القيام به؟ وهذا ليس مفاجئاً. وأظن أن ثلثي مؤيدي ترامب سيقولون لاستطلاع الرأي إنهم يدعمون جهود ترامب للتفاوض على السلام مع مدينة أتلانتس الافتراضية المفقودة.
ترد الباحثة أشفورد: ربما يكون ذلك صحيحاً، أتذكر الوقت الذي تمكن فيه خبراء استطلاعات الرأي من الحصول على 30% من الجمهوريين للموافقة على أن الولايات المتحدة يجب أن تقصف "أغرابا"، البلد الخيالي من فيلم الكرتون علاء الدين ديزني.
تضيف الباحثة: ولكن وجهة نظري الأوسع هي أنه حتى لو لم يصوت الناخبون على قضايا محددة في السياسة الخارجية، فإن المستوى الموضوعي من الدعم لترامب يشير إلى أنهم بالتأكيد لا يمكن لهم التنصل من نهجه في السياسة الخارجية. قد تكون النزعة الترامبية في السياسة الخارجية – وهي نوع من القومية العدائية الأحادية– موجودة لتبقى.
يرى كرونيغ بأن ذلك يبدو فظيعاً، ومن شأن النزعة الأحادية العدائية الدولية أن تكون ملائمة بشكل أفضل لعالم معولم. مضيفاً أنا لا أعتقد أن الترامبية موجودة بمعزل ترامب. إنه فريد من نوعه. لقد رأينا في المناظرة التي جرت في منصب نائب الرئيس أن تعبير مايك بنس عن دور أميركا في العالم كان بمثابة عودة إلى الخطاب الجمهوري المعتاد.
تتساءل الباحثة أشفورد: هل سيبدو "الجمهوري العادي" مختلفاً بعد ترامب؟ ففي نهاية المطاف، رفض بشدة بناء الدولة وكل ما تبقى من أجندة الحرية في عهد جورج دبليو بوش.
يقول كرونيغ: سنرى بالتأكيد في غضون عامين فقط عندما سيكون لدينا جمهوريون من غير ترامب حملة لانتخابات عام 2024. وأظن أن المرشحين المحتملين (نيكي هالي، ومايك بومبيو، ومايك بنس، وماركو روبيو، وتيد كروز، وتوم كوتون، وجوش هاولي، وغيرهم) سيكون لديهم سياسات خارجية تشبه سياسات رونالد ريغان أكثر من سياسات ترامب.
يضيف كرونيغ بأنه هناك بعد دولي للانتخابات يقلقني. ربما تكون خلفيتي في العمل بالبنتاغون، لكنني أخشى أن يحاول الخصم الاستفادة من التركيز الداخلي للولايات المتحدة على الانتخابات والشكوك المحتملة للانتقال إلى إدارة جديدة. وهذا من شأنه أن يكون الوقت المناسب للصين للتحرك نحو تايوان، على سبيل المثال. الاحتمال بسيط، لكن تكلفة الحرب العالمية الثالثة كبيرة بما يكفي لأراقب هذا عن كثب لو كنت لا أزال في الحكومة.
ترد الباحثة أشفورد: أعقد أن الخوف من فرض الأمر الواقع في تايوان - أو في أي مكان آخر - خلال فترة ما بعد الانتخابات أو خلال الفترة الانتقالية مبالغ فيه بشكل خطير. كما وصف مايكل كوفمان في مقال قبل أيام، فإن الأمر الواقع أصعب، مضيفة أنه من الممكن أن تستغل الصين هذه الفترة من عدم اليقين للتحرك نحو تايوان، ولكن لا يزال من الصعب للغاية القيام بهذا التحرك كونه من المكلف التغلب على دفاعات الجزيرة.
يشير كوفمان إلى أن الاستيلاء على تايوان ليس بالاستيلاء البسيط على أي أرض، بل سيكون غزواً على بلد بأكمله، وهو أمر لم يحدث منذ 70 عاماً. أو بعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة ليست الرادع الوحيد للإجراءات الصينية ضد تايوان. وعلى الرغم من تزايد الحديث عن ذلك، فإنني أشك بشدة في أن الصين أو غيرها من الدول سوف تحاول استخدام عدم حسم الانتخابات الأمريكية لأغراض شائنة على نطاق واسع.
يؤكد كرونيغ بأن الحزب الشيوعي لم يخفِ رغبته بدمج تايوان، وحتى من خلال استخدام القوة إن لزم الأمر. فقد زادت الطائرات الحربية الصينية من اختراقها للمجال الجوي التايواني هذا الخريف. فقد استخدم جيش التحرير الشعبي تكتيكات القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية، والضربات التقليدية الدقيقة، وغيرها من تكتيكات المناطق الرمادية في محاولة لإجبار تايبيه على الخضوع.
يضيف كرونيغ أنه على الأقل أعتقد أنه من المفيد للولايات المتحدة توضيح التزامها تجاه تايوان لمساعدة الحزب الشيوعي الصيني على تجنب سوء التقدير. وسيكون من الجيد أن ينضم إليها حلفاء المعاهدة في جميع أنحاء العالم في هذا التعهد. وستكون الحرب العالمية الثالثة في مضيق تايوان مشكلة للجميع، بمن فيهم الحلفاء في أوروبا. فقد لا ترسل ألمانيا، على سبيل المثال، قوات، ولكنها قد تصدر إعلاناً سياسياً تدعمه التهديد بفرض عقوبات. إن العالم الحر الذي يقف متحداً بشأن هذه القضية من شأنه أن يعطي الحزب الشيوعي الصيني وقفة من الذات.
ترد الباحثة أشفورد أنه لا ينبغي أن تكون الواقعية الساخرة هنا، ولكنها لن تصبح الحرب العالمية الثالثة إلا إذا تورطت الولايات المتحدة. لهذا السبب يجادل الكثير من الناس ضد تقديم التزام أمني ملموس تجاه تايوان؛ إن خطر نشوب صراع بين الصين والولايات المتحدة لا يستحق كل هذا العناء.
يتساءل كرونيغ باستنكار: لذا ينبغي علينا أن نقف مكتوفي الأيدي لأن القوى الكبرى الصاعدة التي تستخدم القوة لتلتهم جيرانها الذين يكونون بالمصادفة حلفاء للولايات المتحدة؟ وأعتقد أن هذا شيء واقعي ساخر ينبغي ردعه.
ترى الباحثة أشفورد أن تايوان حالة فريدة إلى حد ما في علاقاتها التاريخية وقربها من الصين. ومن المؤكد أن الأمر لا يماثل ردع العدوان الصيني تجاه اليابان أو كوريا الجنوبية أو حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة. ولنكن صادقين، يمكن لتايوان أن تدافع عن نفسها بسهولة نسبية إذا استثمرت في القدرات العسكرية الصحيحة. وقد اختارت تايوان الاعتماد على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك، على الرغم من أن واشنطن لم تقدم قط ضماناً أمنياً ملموساً. ويأتي ذلك مع خطر تصعيد حقيقي للولايات المتحدة.
تضيف الباحثة بأن الولايات المتحدة لا تستطيع اتخاذ قرارات بشأن الكيفية التي تريد بها التعامل مع العالم حتى يكون لديها قائد جديد.
تنتقل الباحثة للحديث عن القارة الافريقية، يبدو أن الحكومة الإثيوبية، بعد أن أنهت أخيراً صراعاتها الخارجية، قد تتجه إلى حرب أهلية، حيث تشن عملاً عسكرياً في اقليم تيغراي - بعد غارة مزعومة على القوات الفدرالية - ورداً على جبهة تحرير تيغراي الشعبية (الذي اعتاد الهيمنة على الحكومة الفدرالية حتى تولى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد السلطة في عام 2018) سعياً إلى مزيد من الاستقلال السياسي.
يقول كرونيغ: إنه من المخيب للآمال أن نرى البلد ينقسم. حصل أبي على جائزة نوبل للسلام لتوقيعه اتفاق سلام مع إريتريا المجاورة، وكان يقوم ببعض الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تشتد الحاجة إليها. أكره أن أكون رقماً قياسياً محطماً، لكن هذا الإجراء ربما كان قد تم توقيته ليحدث عندما كانت الولايات المتحدة - وهي شريك مهم لإثيوبيا - مشتتة بسبب القضايا الداخلية.
تعتقد أشفورد أنه من غير المرجح أن تهاجم الصين تايوان، ولكن هناك بالتأكيد عنصر آخر "فعندما يكون القط بعيداً" عما يحدث في إثيوبيا. وقد تصاعدت التوترات منذ أشهر، ولكن من شبه المؤكد أن توقيت هجوم الحكومة ليتزامن مع الانتخابات الأميركية كان يهدف إلى تجنب هذا القدر من الانتقادات والضغوط. وهي خطوة خطيرة إلى الوراء بالنسبة لإثيوبيا. ومن غير الوارد أن يتحول هذا إلى حرب أهلية أو حتى إلى تقسيم. ففي نهاية الأمر، خاضت السودان، إحدى الدول المجاورة الأخرى لإثيوبيا، حرباً أهلية طويلة بسبب استقلال جنوب السودان. ولكنني لست متأكداً من أنني أرى دوراً أميركياً هنا غير الوساطة.
يرى كرونيغ بأن افريقيا ليست منطقة ذات أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية. لكن إثيوبيا كانت شريكاً مهماً في تعزيز مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتنمية. وهذا بالتأكيد سيعقد العلاقة. فالصراع يسير على أسس عرقية، وآمل ألا تصبح بداية لحرب جديدة على الطريقة اليوغوسلافية تؤدي إلى تفكك بلد متعدد الأعراق. سيكون علينا أن نراقب هذا عن كثب.