الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مهمة شاقة بانتظار جو بايدن!

2020-11-12 08:36:22 AM
مهمة شاقة بانتظار جو بايدن!
جو بايدن

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالاً لتريتا بارسي نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، وأستاذ مساعد بجامعة جورج تاون. تناول في افتتاحيته أنه بعد وقت قصير من توليه منصبه، سيواجه الرئيس المنتخب جو بايدن مهمة شاقة تتمثل في العودة للاتفاق النووي عام 2015 وإعادة الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة المفاوضات. فيما تعتزم إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب جعل هذه المهمة شبه مستحيلة من خلال قضاء الأسابيع العشرة الأخيرة في هندسة "طوفان" من العقوبات لزيادة الضغط على إيران. 

ويأمل فريق ترامب ألا يرغب بايدن في تحمل التكلفة السياسية للتراجع عن هذه العقوبات، التي ستكون مرتبطة بمخاوف غير نووية مثل الصواريخ الباليستية وحقوق الإنسان.

يرى الباحث بارسي أن التخريب الشفاف في الواقع يزيد من حدة خيارات بايدن، وقد يجبره على الذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد العودة للاتفاق النووي. وعلى عكس حسابات إدارة ترامب وحلفائها في "إسرائيل"، قد يسعى بايدن الآن ليس فقط إلى الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي، بل أيضاً إلى تحسين العلاقات مع إيران من أجل عزل الاتفاق عن الجهود السعودية والإماراتية و "الإسرائيلية" الرامية إلى قتله.

رفض الاختيار

يقول الباحث بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قام بهذه المقامرة من قبل وخسرها. وفي منتصف التسعينيات، ضغطت إسرائيل لجعل البرنامج النووي الإيراني مصدر قلق أمني دولي، مما دفعه ليحتل صدارة جدول الأعمال الأمريكي. عندما تولى نتنياهو السلطة، وصف برنامج طهران النووي على أنه تهديد وجودي لـ "إسرائيل" ووصف الحكومة الإيرانية على أنهه غير عقلانية وانتحارية.

وكانت استراتيجيته هي تقليص خيارات الرئيس باراك أوباما آنذاك: بجعل الاحتواء غير عملي، ووضع معايير عالية للدبلوماسية إلى الحد الذي لا يمكن أبداً أن تنجح فيه المحادثات (على سبيل المثال، من خلال الإصرار على عدم التخصيب)، وبالتالي ترك أوباما يختار بين الحرب والإذعان لسلاح نووي إيراني. وبطبيعة الحال، كان رهان نتنياهو أن أوباما ببساطة لا يمكنه السماح لإيران بأن تصبح قوة نووية في عهده.

يرى الكاتب بأن نتنياهو أخطأ في التقدير. بدق ناقوس الخطر، وجعل خيار الوضع الراهن - الاحتواء - غير قابل للاستمرار. وبالتالي سيتعين على إدارة أوباما أن تتحرك. ولكن عندما تجاهلت الإدارة الأمريكية ثنائية نتنياهو، وذهبت بدلاً من ذلك إلى خيار اعتقد نتنياهو أنه أغلقه: الدبلوماسية الحقيقية مع طهران، القائمة على التنازلات المتبادلة والتسويات. وحينها بدأت إدارة أوباما مفاوضات سرية مع إيران في عُمان وعرضت قبول أن قيام إيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها (وهو ما عارضته "إسرائيل" بشدة) طالما وافقت طهران على الشفافية والقيود التي من شأنها إغلاق جميع المسارات لصنع قنبلة نووية.

ينوه الكاتب إلى أنه لو لم يتخلص نتنياهو من خيار الوضع الراهن، وسعى لإجبار أوباما على التحرك، فمن المحتمل أن يكون الرئيس الأمريكي قد فعل ما فعله العديد من أسلافه عندما واجه مشكلة بدون خيارات جيدة: ركل العلبة على الطريق وترك الرئيس القادم حتى يتعامل معها. والواقع أن أوباما فعل ذلك بالضبط مع البرنامج النووي لكوريا الشمالية.

يقول الكاتب ينبغي على بايدن ألا يكون محاصراً بخياراته مع إيران كما حدث مع الرئيس باراك أوباما. وينبغي عليه أن يصر على التفكير في صفقة نووية أكبر من مجرد الاتفاق النووي وأن ينظر بدلاً من ذلك إلى العلاقة الأوسع، لأن تجربة السنوات القليلة الماضية أظهرت أنه لا يمكن الحفاظ على أي اتفاق للحد من التسلح النووي في الوقت الذي تستمر فيه العلاقات بين البلدين في التدهور.

فكر فيما وراء السلاح النووي

في عام 2015، كانت القضية النووية أكثر القضايا إلحاحاً ودقّة، ويمكن التعامل مع طهران بشأنها. ولم تشمل الصفقة الناتجة عن ذلك مخاوف أخرى، كما أنها لم تكن مصممة في الأساس لتحقيق عهد جديد بين البلدين. وفي حين كان فريق أوباما يأمل في أن يؤدي نجاح الاتفاق إلى ذوبان الجليد في العلاقات وإلى وتخفيف أوسع للسياسة الخارجية الإيرانية، إلا أنه لم يرغب في أن يقاس نجاح الاتفاق بأي من هذه الأهداف غير النووية.

يشير الكاتب إلى أن هذا النهج أنتج اتفاقاً يمكن أن تقبله واشنطن، ولكنه ليس اتفاق يمكنه أن يتحمل الهجوم الذي أعقب توقيعه. يفضل العديد من الشركاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط – ولا سيما "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – الصراع على المجاملة بين الولايات المتحدة وإيران، ولديهم مصلحة راسخة في رؤية الولايات المتحدة تستخدم قوتها العسكرية والاقتصادية الهائلة لمنع تحول التوازن الإقليمي لصالح طهران. ولا تتردد هذه الدول في تخريب الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، حتى عندما يعني ذلك التورط في السياسة الحزبية الأمريكية والدفع باتجاه سياسات تقوض الأمن الأمريكي. وبما أن الولايات المتحدة قد وضعت قيمة مبالغ فيها لشراكاتها في الشرق الأوسط، فإن واشنطن غالباً ما تكون غير راغبة في مقاومة هذه الجهود ومن المرجح بدلاً من ذلك أن تعمل على استرضاءها.

يضيف الباحث بأن الولايات المتحدة أظهرت احترامها لحلفائها في الشرق الأوسط من خلال إقناع إيران أولاً بتقييد خياراتها العسكرية، ثم المساعدة في بناء جيوش حلفائها من خلال المساعدات العسكرية وابرام صفقات الأسلحة. بين عامي 2014 و2019، زادت واشنطن مبيعاتها من الأسلحة إلى الرياض بنسبة 220%، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وبعد عام من توقيع الاتفاق النووي، وقّعت إدارة أوباما اتفاقاً يمنح "إسرائيل" 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية على مدى العقد التالي، وهي أكبر حزمة مساعدات من هذا القبيل في تاريخ الولايات المتحدة.

وحتى في غياب تجاوزات ترامب، فإن نهج واشنطن تجاه شركائها الاستراتيجيين، إلى جانب الميل إلى النظر إلى إيران كمصدر لجميع التوترات في المنطقة، خلق ضغوطاً على الاتفاق النووي إلى حد أن بقاء هذا الإنفاق على المدى الطويل كان في خطر. والآن ترغب إدارة ترامب في حسم مصير الاتفاق لتقييد خيارات سياسة إدارة بايدن.

وبدلاً من السماح لترامب بفرض خياراته، ينبغي على الرئيس المنتخب بايدن أن يغتنم الفرصة للتفكير بشكل أكبر، بل وحتى، مما كانت عليه إدارة أوباما. وبدلاً من أن يسأل نفسه عن درجة تخفيف العقوبات التي يرغب في النضال من أجلها في الكونغرس لإحياء الاتفاق النووي، ينبغي عليه أن يسأل نفسه عن نوع العلاقة التي ترغب الولايات المتحدة في إقامتها مع إيران في هذا القرن. وإذا لم يعد الوقوع في فخ العداوة التي لا تنتهي والتي لا تخدم مصالح الولايات المتحدة، بل يجعل البلاد أقل أماناً في وقت يريد فيه الجمهور إنهاء الحروب وانسحاب القوات من الشرق الأوسط، فينبغي على بايدن أن يتفوق على ترامب تماماً كما تفوق أوباما على نتنياهو ويفكر فيما وراء الاتفاق النووي وفيما أكبر منه. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد العلاقات الدبلوماسية المباشرة مع إيران الولايات المتحدة على تجنب الصراع في المنطقة وتسمح لها بالتأثير بشكل أكثر فعالية على السياسات الإيرانية التي تجدها إشكالية. ويمكن لبايدن أن يشير بوضوح إلى أنه بعد الاتفاق النووي، إنه منفتح على تطبيع العلاقات مع طهران.

يختتم الباحث بارسي مقالته بالقول: قد يقاوم الكثيرون في طهران مثل هذه المناورة، بعد أن أثبتوا في كثير من الأحيان أنهم أكثر ارتياحاً للوضع الراهن من صنع السلام. ومما زاد الطين بلة أن انتهاك ترامب للاتفاق النووي الذي أفقد الثقة للغاية في فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة، ناهيك عن احتمال حدوث ذوبان للجليد في علاقة البلدين. كما ان إعادة توحيد لغز الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية سيكون أمراً صعباً للغاية. ولكن السنوات القليلة الماضية أظهرت أن عدم المحاولة لن تجعل الصعوبات تزول.