الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السلاح الرقمي الإسرائيلي

أداة إسرائيل للتغلغل في الوطن العربي والعالم وسط عجز فلسطيني

2020-12-31 11:44:22 AM
السلاح الرقمي الإسرائيلي
تعبيرية

الحدث - سوار عبد ربه

في حالة الحرب تبرز الأطراف المتنازعة أسلحتها في وجه بعضها البعض، ويستمر النزاع حتى يحقق أح الأطراف مبتغاه وهدفه، ويتمكن من النيل من خصمه وإلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار بحقه، لكن في فلسطين المعادلة ليست بهذه البساطة، فهناك احتلال يحاول السيطرة على البشر والحجر، ويمتلك أحدث الأسلحة وأكثرها تطورا، مقابل الحجر والسكين.

ليس هذا فحسب، فالسلاح اليوم لم يعد يقتصر على الأدوات الحربية المعروفة، حيث ظهر في السنوات العشر الأخيرة سلاح رقمي، حديث، بمفعول قوي التأثير وبعيد المدى، وفي هذا أيضا تفوقت إسرائيل على الفلسطينيين واستطاعت أن تحقق ما لم تستطع تحقيقه على أرض الواقع، رقميا.

تمكنت إسرائيل من إنتاج وصناعة محتوى إسرائيلي واضح الأهداف والتوجه يصب في مصلحة دولة الاحتلال، ويزيد من قبولها عالميا وحتى عربيا ويغير الصورة النمطية عنها، من خلال صفحات كثيرة منتشرة في أرجاء منصات التواصل الاجتماعي، التي تنطق بمختلف لغات العالم.

في حين أن المحتوى الفلسطيني يعتبر ضئيلا إذا ما قارناه بالمحتوى الإسرائيلي، من حيث المضمون وحجم المشاركة والاهتمام.

ترى مديرة المناصرة المحلية في مركز حملة منى اشتية، أن المحتوى الفلسطيني موجود لكنه عبارة عن جهود مبعثرة، يصنعه نشطاء ومؤسسات سواء كانت مؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات الأهلية، وهو بحاجة إلى تنظيم، وأن تبذل جهود رسمية من أجل صناعته، وأن تتعاون كل الأطراف مع بعضها؛ حتى تصب هذه الجهود في مكانها الصحيح.

كيف نصنع محتوى فلسطينيا؟

وبحسب اشتية فإن مسؤولية تنظيم الجهود تقع على عاتق ثلاثة أطراف وهي: الطرف الفلسطيني الرسمي، المؤسسات الأهلية والإعلامية، والأفراد، بحيث يصبح لدينا تكاملية في الجهود ويأخذ كل طرف دوره.

وأكدت اشتية لـ"الحدث" على وجوب وجود جهة تقوم، وتنظم بل وتمتلك رؤية عن الرواية الفلسطينية  والمحتوى الفلسطيني الذي سيخرج إلى الإعلام؛ كي يتحدث عن القضية الفلسطينية، معتبرة أن المسؤولية الأساسية تقع على الحكومة ويجب أن يساندها بالدور: الإعلام كسلطة رابعة، ومؤسسات المجتمع المدني؛ حتى تخرج بأفضل رواية ومحتوى للقضية الفلسطينية.

وترى اشتية أن الأفراد سيلحقون هذه الأجهزة إذا اقتنعوا بالمحتوى وكان معبرا عن حياتهم اليومية.

وفيما يتعلق بالرواية الفلسطينية تقول مديرة المناصرة المحلية في مركز حملة إن: "الرواية الفلسطينية هي رواية تاريخية وحقوقية وسياسية ويجب أن تتكامل فيها كل الأطراف حتى تعبر عن الرؤية الفلسطينية  وعن رؤية المشروع الوطني الفلسطيني ويجب أن تُجمع كل الأطراف على الرواية المراد ترويجها إعلاميا".

وفي سياق آخر أوضحت اشتية أن الاحتلال الإسرائيلي يمتلك ماكينة إعلام تعمل على ترويج وتبييض صورة إسرائيل في المنطقة العربية وحول العالم.

وتتابع: "ما زلنا بحاجة إلى الكثير من العمل حتى نصل إلى ما وصل إليه الجانب الإسرائيلي اليوم، لأن عمله لم يكن اعتباطيا، وكل الصفحات الناطقة بمختلف اللغات ليست وليدة اللحظة عند الاحتلال، وإنما هي ممنهجة ومدروسة".

والنشاط الرقمي لإسرائيل يشمل أكثر من 800 قناة رقمية فريدة ناطقة بـ 50 لغة، مع حوالي 10 مليون متابع.

وتشمل هذه القنوات الرقمية، أكثر من 250 قناة رسمية في السفارات والقنصليات، وحوالي 250 حسابًا لدبلوماسيين إسرائيليين.

وتضيف: "حتى يتحقق ذلك يجب أن تحدث تكاملية بين العمل الرسمي السياسي والدبلوماسي مع الدبلوماسية الرقمية، وإذا بقيت حلقة التنسيق والتواصل بين كل الأطراف مفقودة سنظل نمشي في طريق غير معروفة نهايته".

ووفقا لاشتية، فإن الحملات تشمل الطرف المؤيد، المعارض، والمحايد وهو الطرف الذي يمكننا التأثير عليه واستمالته، لكننا فلسطينيا ما زلنا غير قادرين على تجنيدهم كي يصبحوا مؤيدين لنا، وبالتالي يكتسب الطرف الآخر تأييدهم.

وتعزي اشتية المسؤولية في ذلك إلى عدم وجود رواية ثابتة نتناقلها إعلاميا، ما يجلعنا نخسر بعض الجهات المحايدة، خاصة وأن وضع القضية الفلسطينية اليوم بات سيئا في ظل نزولها عن الساحة الدولية وصعود أزمات أخرى على صعيد العالم.

الرواية الفلسطينية بين ما يجب أن تكون وما هي عليه

من جهته، يقول خبير مواقع التواصل الاجتماعي محمد أبو الرب لـ "الحدث": "اعتدنا دائما أن نصدر خطاباتنا الفلسطينية للعالم بمشهد التوسل والضحية بالمعنى العاطفي وليس القانوني أو الأخلاقي.

ويضيف: "الخطاب الإسرائيلي من حيث التشعب والانتشار والقوة ينفذ أكثر لأنهم يمتلكون منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام التقليدي، وكلها ممولة في أغلب دول العالم، ولهم أيضا جماعات مصالح نشطة في أغلب دول العالم، وبالتالي هذه المنصات تساهم في نفاذ إسرائيل للعالم وتقيد وصول الفلسطيني".

وفي العام 2019 فقط، بلغ عدد الانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي 950 انتهاكا بحسب مركز صدى سوشال.

وأكد أبو الرب لـ"الحدث" أنه مقابل المحتوى الفلسطيني توجد حملات نشطة ومنظمة إسرائيليا لتقديمها كضحية، ولإعادة التذكير بموضوع المحرقة وإعادة إنتاج مصطلح اللاسامية، وهذه أكبر أداة  تستخدمها إسرائيل في العالم لمهاجمة ومعاقبة مؤيدي القضية الفلسطينية.

لكن يقول أبو الرب، إن هذا كله لا يمنع من وجود منصات فلسطينية نشطة باللغات الأجنبية تستغل الجاليات والأحزاب اليسارية والجماعات المؤيدة للقضية الفلسطينية حول العالم، مشيرا إلى أن تحقيق ذلك يتطلب المزيد من الجهود المنظمة.

وتعتبر صفحة Palestine international broadcast  من كبرى الصفحات الداعمة لفلسطين باللغة الإنجليزية ويديرها مجموعة شباب يعملون في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية تصل لملايين الناس، وتنقل عنها مؤسسات وجمعيات مؤدية للقضية الفلسطينية.

وبحسب أبو الرب فإن مشكلتنا الأساس في الخطاب الفلسطيني هي إنتاج مضامين فلسطينية بلغات عالمية، بمعنى أن الفلسطينيين عليهم أن ينتجوا ويوزعوا، والعالم ينقل عنهم، أما أن تتحدث باللغة العربية وتطالب العالم أن يتضامن معك ويتعاطف معك، فهذا ليس من السهل أن يتحقق.

كيف استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي لمناهضة التطبيع؟

برزت على الساحة الفلسطينية في الأشهر الأخيرة، قضية تطبيع بعض الدول العربية العلاقات مع الاحتلال، وأخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي، فكنا نرى منشورات كثيرة تندد وتستنكر الحالة التي وصلت لها الدول العربية، وقد تمتد هذه الاستنكارات إلى حملات شتائم ممنهجة، قد تطال الشعوب أحيانا دون قصد.

وفي هذا الشأن يقول خبير مواقع التواصل الاجتماعي إن: "الشعوب بشكل عام رافضة للتطبيع والمنشورات الشعبية المؤيدة للتطبيع من الدول التي طبعت لا تتجاوز 0.1% حيث أنه لا يوجد قبول شعبي وجماهيري لهذه الاتفاقات".

ويرى أبو الرب أن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية يتم استغلالها وتوجيهها من جهات مختلفة لمهاجمة الدول العربية  وحتى اليوم في موجة التطبيع الأخيرة يتم استغلالها لمهاجمة هذا النظام أو ذاك أو حتى تجاوز مهاجمة الموقف السياسي للنظام لصالح مهاجمة رموز الدول والشعوب وهذا يقودنا لخسارات كبيرة في التعاطف والتأييد.

ويضيف: "نحن نفتقد إلى بوصلة، ومثقفين يمتلكون جرأة وصراحة ليواجهوا الناس في خطاب واعٍ، وأغلب المثقفين لدينا يتحولون إلى صوت الشارع في محاولة منهم لأن يكونوا شعبويين".

ويتابع: "القضية الفلسطينية تخسر بسبب الأصوات الغوغائية التي تقودنا دون وعي".

في سياق مختلف اعتبر أبو الرب أن بعض وسائل الإعلام الفلسطينية تبنت الخطاب العقلاني، وحاولت أن تعيد بناء البوصلة، وظهرت أصوات حاولت أن تعدل الكفة نسبيا، ولم تهاجم الشعوب ورموزها، ولم يكن  خطابها هجوميا وانفعاليا.

وأوصى أبو الرب بأن نفكر كيف سنخاطب العالم وأن نحلل كيف تمكنت إسرائيل من التغلغل إلى الشعوب العربية وكيف تحاول أن تستقطب العرب على منصاتها باللغة العربية وتقدم نفسها بمظهر إنساني وحضاري، حتى أصبحت الدول تقارن بين أنظمتها السياسية وما تراه وبالتالي خطابيا يمكن أن نفسر لماذا يلجأ بعض الناس نحو التطبيع.

وأضاف: "إسرائيل تقدم نفسها على أنها لم تحتل هذه الدول العربية ولم تهاجمهما في حين وجود دول أخرى تهاجمها وتمثل تهديدا عليها، وبالتالي إسرائيل تصبح حليف في هذه الحالة، وهذا الخطاب يتقدم بمنطق إقناعي وبصري بالفيديو والوسائط".

ويعتقد أبو الرب أننا كجماهير فلسطينية بحاجة إلى مزيد من التثقيف كيف نكون مدافعين حقيقيين عن قضيتنا ليس فقط باللغة العربية، وجزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق جالياتنا الخاملة والتي لا تعمل كما تعمل الجاليات الصهيونية في العالم.

وطالب أبو الرب، الفصائل الفلسطينية التي تنفق مبالغ طائلة على منصات التواصل الاجتماعي حتى تسوق نفسها وتهاجم بعضها بتخصيص 15-20% من ميزانيتها لإنتاج محتوى باللغات الأجنبية واليوم كل وسائل التواصل الاجتماعي بحاجة إلى تمويل حتى تصل وبالتالي بحاجة إلى تمويل منشورات فلسطينية حول العالم والاستفادة من المؤثرين وداعمي القضية الفلسطينية حول العالم.

وختم أبو الرب حديثه قائلا: "المشهد ليس سوداويا، توجد صفحات ومنصات تحاول أن تقدم، ويوجد عمل جيد في الفترة الماضية، منها حركة مقاطعة إسرائيل BDS  بالإنجليزية، حيث قطعت شوطا في بعض دول العالم، إلى جانب هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية الذين أطلقوا وما زالوا منصات بلغات مختلفة وبعضها يحقق وصولا جيدا".