الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما بين زلزالين (1 من 2): محشورون في الهاوية/ بقلم: د. حسن أبولبده

1 من 2

2023-02-12 08:33:23 AM
ما بين زلزالين (1 من 2): محشورون في الهاوية/ بقلم: د. حسن أبولبده

 

منذ وقوع زلزالي تركيا/سوريا وحتى تاريخ كتابة هذا المقال (عصر الجمعة 10/02/2023) تعرضت الأراضي الفلسطينية لعدة هزات أرضية خفيفة بمقياس 3.5 – 4.4 درجات، وكانت من بينها واحدة في منطقة الأغوار وثلاثة شمال وجنوب وغرب مدينة نابلس وأخرى قرب مدينة جنين، وجميعها على عمق لا يزيد عن 5 كم وفق مركز رصد الزلازل في جامعة النجاح الوطنية، وقد سبقتها العشرات من الهزات الأرضية الخفيفة قبل عام، وغيرها الكثير في الأعوام السابقة.  

يعلم الله وحده ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة. في هذه الأثناء، ما زالت عمليات الإغاثة تسابق الزمن لإنقاذ أرواح آلاف الشهداء الذين ما يزالون تحت الأنقاض، وقد بلغ عدد الضحايا المبلغ عنها أكثر من 100 ألف ما بين قتيل وجريح، وانهيار آلاف المباني وإيقاع دمار كبير في البنية التحتية.  وتكشف جهود الإغاثة والإنقاذ أن هول المأساة والخسائر البشرية في الدولتين يتعاظم يوميا.  

لست خبيرا في الزلازل، ولكنني أتابع الكثير حول هذه الكارثة وغيرها وإدارة تبعاتها، وأسعى بالقياس للتعرف على مدى جاهزية فلسطين لاحتمال كبير، وأتابع تصريحات الخبراء في كل من فلسطين والمحيط، وعلى رأسهم الخبير الفلسطيني الدولي د. مهندس جلال الدبيك، حول توقعاتهم وتحذيراتهم من الزلزال الكبير، خاصة وأننا نقترب من الذكرى المئوية الأولى للزلزال المدمر الذي ضرب فلسطين التاريخية عام 1927. وترسم هذه الآراء صورة قاتمة للسيناريوهات المتوقعة لنتائج وتبعات أي زلزال بقوة 7 درجات فأكثر في فلسطين وما حولها، في ظل تواضع، لا بل انعدام، الاحتياطات والبنية المؤسساتية والمجتمعية لمواجهة الأخطار والكوارث الكبرى. فبينما يتوقع الخبراء في إسرائيل أن تتكبد ما لا يقل عن 10 آلاف قتيل، فإن حالنا ليس بأفضل حيث من المتوقع أن يجتاز عدد القتلى لدينا 7,000 شخص، ناهيك عن تدمير آلاف المباني غير المهيأة لمقاومة الزلزال.

برأيي، إننا في فلسطين محشورون ما بين زلزالين كارثيين هما زلزال غضب الطبيعة الذي لا نعلم متى سيحل علينا، وعلى الأغلب أن ذلك قريب، نتيجة لحركة الصفائح التكتونية (وهي قطع من قشرة الأرض والغطاء العلوي، ويشار إليها معاً باسم الغلاف الصخري. تبلغ سماكة هذه الألواح حوالي 100 كم).

الصفائح التكتونية

وزلزال تغيب حكومتنا الرشيدة عن المشهد ولا مبالاتها وقلة حيلتها وسوء أدائها وتواضع إمكانياتها وغياب الوعي بالمخاطر لديها وانعدام جهودها للتوعية بشأن هذه المخاطر، وعدم إيلاء هذا الأمر الأهمية التي يستحقها، وربما إسقاطه من سلم أولوياتها.  ومنذ اجتماعها الأخير صبيحة زلزال تركيا/سوريا لم نرصد أي قرار حكومي أو رد فعل إعلامي أو اجتماع لأي جهة مسؤولة حول الموضوع وما يمكن أن تقوم به السلطة من جهود لمنع وقوع كارثة هائلة خلال الزلزال الأكبر.  وبحدود ما أعلم، فلم يجتمع المجلس الأعلى للدفاع المدني، وهو المكلف الأول بتجهيز منظومة الحماية من الكوارث وعلى رأسها الزلزال الأكبر، وبعد البحث على الإنترنت عن أخباره، فيبدو أن اجتماعه الأخير كان بتاريخ 06/12/2022 (وفي حال كنت مخطئا فاقبلوا اعتذاري سلفا)، وقد يكون عقد أو على وشك أن يعقد اجتماعاً آخر هذه الأيام.

خلال بحثي حول الموضوع، لم أجد أي تشريع فلسطيني مختص بالتعامل مع الكوارث، باستثناء ما ورد مروراً في قانون رقم (3) لسنة 1998 بشأن الدفاع المدني، حيث تم بموجبه تشكيل المجلس الأعلى للدفاع المدني برئاسة وزير الداخلية وعضوية مدير عام الدفاع المدني وعدد من المدراء العامين في الوزارات. ولم أجد أي مادة منشورة عن المجلس الأعلى حول استراتيجية وطنية أو خطة أو بروتوكول أو وثيقة متخصصة في آليات إدارة المخاطر والكوارث الطبيعية بحجم زلزال مدمر. ناهيك عن أن الموضوع لم يدرج في المناهج الدراسية من باب التوعية، ولم يتم إطلاق أي برنامج وطني مفصل للتوعية المجتمعية، ولم يحدث أي تمرين وقائي في المدارس أو المؤسسات العامة أو الشركات الكبرى أو المصالح الاقتصادية المختلفة.  وحتى بعد كارثة زلزالي تركيا وسوريا وعدة زلازل خفيفة في وسط وشمال الضفة الغربية، لم يخصص الإعلام الرسمي أي مساحة حقيقية للتوعية المجتمعية وإرشاد المواطنين حول التعامل مع كارثة الزلزال الأكبر.

من ناحية أخرى، أصدرت حكومة د. رام الحمدلله بتاريخ 07/03/2017 قراراً بإنشاء المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث برئاسة رئيس الوزراء وأتبعته لمجلس الوزراء، وشكلت بموجبه اللجنة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث من ممثلين عن القطاع العام والأهلي والقطاع الخاص وخبراء مختصين، ولكن لم ترصد الموارد من قبل أي حكومة لمثل هذا المركز، الذي عانى منذ تشكيله من صراع الصلاحيات والاختصاص والتمثيل مع المجلس الأعلى للدفاع المدني.

والأنكى من كل ذلك، فإنه لم يتم تطوير كود فلسطيني للبناء يأخذ بالاعتبار مقاومة المباني للزلازل حتى عام 2018 عندما تم اعتماد الكود الأردني، ولحسن الحظ فقد قامت نقابة المهندسين مؤخرا بجهود مباركة للمساهمة في الوقاية، من بينها إلزام الحصول على خدمات الإشراف الهندسي الإلزامي للبناء وتدريب 900 مهندس استشاري وإنشاء الضابطة الهندسية لمراقبة مدى تقيد المطورين والمقاولين بالكود المذكور. وتعمل العديد من البلديات، ضمن إمكانياتها المحدودة لتنظيم وترخيص المباني وفق هذا الكود، دون أن تتوفر لديها القدرة على رقابة التنفيذ على الأرض.

من نافلة القول إن الزلزال لا يقتل ولكن غياب الجاهزية المؤسسية والمجتمعية والفردية وعدم الاستعداد و/أو توفر المعدات المناسبة والموارد والمستشفيات وفقدان السيطرة وقلة التنظيم يفعل ذلك.  أي أننا يجب أن لا نستبعد تحقيق خسائر بشرية بأضعاف مضاعفة من الخسائر المباشرة بسبب الزلزال نتيجة للفوضى المتوقعة وعدم الوعي والاستعداد والجاهزية.

إن الكارثة، إن وقعت، لن تكون محصورة بها وإنما ستتأثر بالكثير من العوامل التي يمكن أن تفاقم أثرها وتكلفتها مثل إغلاق أو انهيار بعض الطرق الاستراتيجية مثل طريق وادي النار والطرق والمناطق الأقرب  لمركز الزلزال، أو العقبات والإجراءات التي قد تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنح الأولوية في الإخلاء والمعالجة للمستعمرات الإسرائيلية، ناهيك عن التعقيدات المتعلقة بسيطرة إسرائيل على الحدود والمعابر، والبطء المتوقع من المجتمع الدولي في منح ونقل المساعدات الإنسانية وإدخال المعدات الثقيلة والحساسة التي تستخدم في مثل هذه الحالات، ولدينا مثال على العنصرية العالمية المتجلية بإدارة الظهر للمأساة الإنسانية في سوريا غداة الزلزالين.  (يتبع)