الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قرار التقسيم 2017 / بقلم: فارس الصرفندي

2015-08-11 10:10:39 PM
قرار التقسيم 2017 / بقلم: فارس الصرفندي
صورة ارشيفية
 
النبوءة محرمة ولست من الذين تأتيهم النبوءة على شكل صور فننتظرهم في الليلة الأخيرة من العام كي نستمع منهم إلى ما يحمل العام الجديد، لكني أحاول أن أقرأ التاريخ وأن أستشرف منه الصور المقبلة... والصورة الأكثر خطورة والتي يلقيها التاريخ علينا في المستقبل صورة تقسيم الضفة الغربية وإقامة الدولة الرابعة على أرض فلسطين، والدولة الرابعة هي دولة المستوطنين، أما الدول  الثلاث الأخرى فهي دولة الضفة الغربية التي تدار من السلطة الفلسطينية، ودولة غزة التي تدار من حركة حماس، ودولة إسرائيل التي ستتبع لها الدولة الرابعة والتي أصبحت لا تحتاج إلى جهد كبير كي تقوم في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفي التاريخ عبرة فهل من معتبر؟
في زمن الدولة العثمانية كان اليهود في المستوطنات يشكلون ٨ بالمائة من مجموع السكان، وهي ذات النسبة التي شكلها المستوطنون تقريباً حتى بداية العام ١٩٨٢ في الضفة. حتى نهايات العام ١٩٤٧ بلغت نسبة المستوطنين في فلسطين ٣٠ بالمائة من مجموع السكان. اليوم ذات النسبة تقريباً يشكلها المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية بالنسبة للفلسطينيين. المجتمع الدولي، وفي محاولة لفض النزاع بين اليهود والعرب بقرار أممي، قسم فلسطين إلى دولتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية بموجب القرار الذي حمل الرقم ١٨١، والذي رفض عربياً وتلته حرب العام ١٩٤٨ والتي سيطرت إسرائيل خلالها على أكثر من ٧٠ بالمائة من فلسطين التاريخية، لكن ما الذي دفع العالم يومها لاتخاذ هذا القرار؟
الصراع غير المنتظم بين الفلسطينيين واليهود، والذي كانت فيه العصابات الصهيونية تنفذ هجمات على القرى والمدن الفلسطينية وردة الفعل الفلسطينية ومطالبة المستوطنين اليهود بدولة في أرض الميعاد، دفع بالعالم إلى أن يعلن قرار التقسيم. هجمات العصابات الصهيونية مثل الهاجانا والأرغون وشتيرن وغيرها على القرى الفلسطينية كانت تبدو غير منظمة وعشوائية في البداية، لكن الواقع أن هذه الهجمات كانت منظمة وتحظى برعاية الوكالة اليهودية التي كانت توفر الدعم الكامل للعصابات الصهيونية كي تنفذ جرائمها بحق العرب والفلسطينيين، وكان كثير من قادة الوكالة اليهودية يدينون باللسان الهجمات ويعتبرون أنها لا تصب في مصلحة الحلم الإسرائيلي، وللمفارقة أيضاً فإن عدداً من الجرائم التي نفذتها العصابات الصهيونية كانت حرق منازل وتفجير محلات وإطلاق نار على الفلسطينيين العزل، الأمر الذي دفع ببعض القرى الفلسطينية إلى تشكيل لجان محلية للدفاع عن هذه القرى من الهجمات الصهيونية.
بعد حادثة حرق الطفل الدوابشة ومحاولة سبر أغوار المشهد، صرت على قناعة أن قراراً أمميا بتقسيم الضفة الغربية لم يعد بعيداً، ومن يدري؟! قد يأتي في العام ٢٠١٧ في الذكرى السبعين لتقسيم فلسطين. عصابات تدفيع الثمن لا تختلف إطلاقاً عن شتيرن والهاجانا، وآليات التصعيد التي يتبعها المستوطنون تشبه إلى حد بعيد ما استخدمته العصابات الصهيونية قبل العام ١٩٤٧، في تل أبيب أصوات مثل نفتالي بينت وأوري أرائيل وغيرهم، يرون أن لا مناص فيما يتعلق بالضفة الغربية من ضم المستوطنات إلى إسرائيل وضم الفلسطينيين في مناطق سي. هجمات المستوطنين على القرى والمدن الفلسطينية حتى العام ٢٠١١ كانت تبدو عشوائية وغير منظمة، لكنها في الأعوام الخمس الأخيره بدأت تأخذ شكل التنظيم والإدارة للدرجة التي بات يبدو فيها أن هناك عملية ترتيب كاملة لكل هجمة، والتي تنتهي بكتابة شعارات في مكان الجريمة تحمل اسم حركة تدفيع الثمن.
ملاحظتي المهمة بعد حرق الطفل الدوابشة هي رد فعل الحكومة الإسرائيلية والتي وصفت العمل بالإرهابي وإنه سيضر بالمشهد اليهودي وبدولة إسرائيل، ومع بدء القرى الفلسطينية المحاطة بالمستوطنات تشكيل لجان للحماية في ظل غياب السلطة الفلسطينية وعجزها عن توفير الحماية للسكان الفلسطينيين، يكون المشهد اكتمل تماماً، وما أشبه اليوم بالبارحة. إن صراعاً بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين بشكل أوسع يلوح بالأفق، وفي ظل حكومة نتنياهو فإن هذا الصراع سيجد الوقود اللازم للتأجيج. ستحاول حكومة تل أبيب أن تعزل نفسها عن الصراع نظرياً كي تظهر الصورة، وكأن سكاناً من إثنيات مختلفة يتصارعون على الأرض، وفي ظل صراع الإثنيات المستشري في الوطن العربي، فإن هذا الصراع ستحاول تل أبيب إبرازه وكأنه صراع عادي يفرض على العالم التدخل لإنهائه بوضع الحلول المناسبة ومنح الأقلية حكماً ذاتياً تستطيع من خلاله أن تسيطر على الأرض التي تقيم عليها، وساعتها فإن الحل الأمثل دولياً هو بالفصل بين الطرفين على أساس التقسيم.
إن الأمر ليس ضرباً من الجنون، بل هو حقيقة، وتشديد نتنياهو على شرعنة الاستيطان وإقامة المستوطنين هدفه كذلك، والأغرب هو تصريحات بعض المسؤولين الفلسطينيين عن البؤر غير الشرعية التي تمنح ضمنياً الشرعية لغير هذه البؤر، وما دام المكان شرعياً والبيت شرعياً فلا يمكن أن يكون الباني والساكن غير شرعي. وأما هذه الشرعيات فإن على الفلسطينيين انتظار المعركة المباشرة مع المستوطنيين في الضفة، والتي ستنتهي بتقسيم المقسم.
المشهد سوداوي، لكنه حقيقي، من أراد أن يصدق فله ذلك، ومن أراد التكذيب فلينتظر العامين القادمين كي يقتنع بنظرية قرار التقسيم في العام 2017.