الأربعاء  30 نيسان 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 48:الذهب في فلسطين مهرب ويباع بسعر أغلى من الدول الأخرى

سعر غير ملزم بالسوق العالمية

2015-09-29 12:10:25 PM
في العدد 48:الذهب في فلسطين مهرب ويباع بسعر أغلى من الدول الأخرى
صورة ارشيفية

 

الحدث- عبير اسماعيل

الاستثمار بالذهب من أفضل طرق الاستثمار، والتي يوصي بها المختصون والاقتصاديون، كونه من المعادن الثمينة التي لا تخسر قيمتها مع الوقت، بل على العكس تزيد، بعكس الأوراق المالية النقدية.

وهذه طريقة يتبعها الفلسطينيون منذ عشرات السنين، فبالذهب استطاعوا أن يؤمنوا مصاريف دراستهم ودراسة أبنائهم، كذلك مصاريف علاجهم وحتى تنفيذ مشاريع أخرى مثل الزواج أو شراء عقار.

وفي الآونة الأخيرة، ازداد إقبال المواطنين على شراء الذهب بسبب الانخفاض الكبير الذي حصل لهذا المعدن الثمين، فقد هوى سعر أونصة الذهب في الأسواق العالمية من 1600-1700 دولاراً العام الماضي إلى ما دون الـ1100 خلال الستة أشهر الماضية.

لكن هذه الأسعار، والتي تتأرجح وتتغير كل يوم، لا يتأثر بها الذهب المحلي بشكل واضح، فرغم الإقبال الكبير على شرائه، إلا أن بعض المواطنين شكوا من أن أسعارَ بعض أصنافه ما تزال نفسها أو أنها سجلت انخفاضاً طفيفاً.

تقول المواطنة جميلة أبو زيد، وهي معلمة مدرسة وأم لأربعة أبناء، إنها ومنذ عامين تقوم بالاستثمار بالذهب، من خلال شراء عدد من (الليرات) الذهبية ووضعها في البنك كوسيلة لتأمين مستقبلها ومستقبل دراسة أبنائها الأربعة.

هذا وقررت السيدة منذ أشهر زيادة عدد ما تشتريه من هذه الليرات الذهبية، كون سعر الذهب عالمياً قد انخفض.

إلا أنها تضيف: "توقعت أن سعر الليرة قد انخفض بالفعل، لكنني فوجئت بأن سعرها بقي كما هو تقريباً، فأنا أشتري الليرة الواحدة 1220 شيقلاً، ولم تنخفض إلا شواقل قليلة، في حين ابتعت واحدة وأنا متواجدة في الأردن قبل أسابيع بـ190 ديناراً أي 950 شيقلاً".

وتقول السيدة أبو زيد، إن أصحاب محلات الذهب التي تتعامل معهم أبلغوها بأن سعر هذا الصنف بالتحديد من الذهب لا يتأثر بالانخفاض العام على سعر الذهب عالمياً لأسباب عدة، منها قلة عددها الموجود في السوق، وتضيف: "عندما تذهبين لشراء الأونصة أو الليرة الذهبية من المحلات، يقولون لنا إن ما هو مختوم بختم السلطة، لا يتأثر سعره بأي انخفاض معلن، بل ويكون أغلى من الذهب غير المختوم، دون توضيح الأسباب بشكل نقتنع به".

وتشير السيدة جميلة في الوقت نفسه إلى أنه ورغم ذلك فهي مستمرة في شراء الذهب شهرياً، معللة ذلك بالقول: "في بلادنا لا يوجد استقرار ولا أمان، فالأموال بالعادة لا قيمة لها، فأضطر أنا على سبيل المثال إلى أن أستثمر جزءاً من راتبي الشهري في شيء لأدخره للزمن، فسواء ارتفع سعر الذهب أم انخفض سأستمر في الاستثمار به".

الذهب ملك التجار وليس الحكومة

وبشكل عام، يتجنب أصحاب محلات الذهب التطرق لهذا الموضوع، خشية كشف آلية جلب الذهب إلى محلاتهم والسوق بشكل عام أو كشف الأسعار لديهم وفتح باب الرقابة عليهم.

فمن جهته، يقول أحد الصاغة في محلات الحواري للذهب بمدينة رام الله، إن هناك العديد من الأسباب التي حالت دون تسجيل انخفاض في أسعار الذهب في السوق المحلي.

ويضيف العامل الذي طلب عدم وضع اسمه في التقرير: "نحن غير ملزمين بشكل رسمي بالسعر العالمي للذهب، فكمية الذهب في السوق محدودة وهي ملك التجار وليس الحكومة، لذلك قد لا يلاحظ المواطن العادي انخفاضا كبيرا كما يقرأ في الأخبار يومياً، كما أن سعر الليرة الذهبية المختومة بختم سلطة النقد انخفضت بحوالي 10 دنانير فقط، فكميتها محدودة جداً في السوق والطلب عليها عالٍ".

الذهب مهرب وبالتالي لا يحدد سعره

صاحب أحد محلات الذهب في مدينة البيرة، أوضح لنا أن الذهب في فلسطين يدخل عن طريق التهريب، خاصة صنف الأوصنة والليرات، ورغم أنها تمر على سلطة النقد وتختم، إلا أن بعض أصحاب هذه المحلات يتلاعب بالسعر، قائلاً في مقابلة مع الـ"حدث": "يشترط علينا أن نختم كل ما يدخل محلاتنا بختم سلطة النقد، لكن لا يلتزم الجميع بذلك، فتجد من يبيع الذهب برسمات مطبوعة غير رسمية وبلا ختم بأسعار يحددها هو، وعندما يأتي المواطن لبيعها لاحقاً قد يخسر في سعرها".

الحرباوي: الذهب مهرب ويصعب استيراده

من جانبه، يقول رئيس اتحاد المعادن، السيد محمد الحرباوي، إن سعر الذهب في فلسطين يسجل دائماً ومنذ سنوات عديدة نسبة أعلى من السوق العالمي.

ويضيف في مقابلة مع الـ"حدث": "أولاً، إن السعر الذي يظهر على الشاشة يختلف عما يباع في الأسواق، وهو أمر طبيعي وموجود في كل الدول. لكن في فلسطين، ولأن الذهب لا يدخل بطرق رسمية وتدخل عليه بعض المصاريف الإضافية، مثل تصنيعه، نجد أن سعره أعلى بقليل مما يباع في السوق العالمية".

هذا ولا يستبعد السيد محمد الحرباوي، رئيس اتحاد المعادن الفلسطينية، أن يكون هناك تلاعب بالأسعار لدى بعض التجار، مرجعاً ذلك إلى مبررات يقدمها تاجر الذهب للشاري، تتعلق بفرقيه ما يعرف بالـ"مصنعية"، والتي تختلف من قطعة لأخرى، مناشداً في الوقت نفسه دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني بالتدخل، وذلك عن طريق: "تصويب الفاتورة، ويعني ذلك بأن تكون فاتورة شراء الذهب واضحة ومفصلة للمواطن، وفيها خانة سعر غرام الذهب الخام وسعر غرام الذهب بعد التصنيع، حتى لا يشعر الشاري بأنه تعرض لعملية نصب أو تلاعب بالأسعار".

ويقول الحرباوي: "هناك أسباب عدة لاحتمالية وجود تلاعب بالأسعار، وإن كانت قليلة، منها أن الذهب لا يستورد، بل يهرب، مما يضع على عاتق السلطة والجهات المراقبة عبئاً في مراقبة الأسعار، الأمر الذي سيؤدي إلى وجود اختلاف بين سعر الذهب في فلسطين والخارج بشكل واضح."

مادة ادخارية أم استثمارية؟

وحسب السلطة الوطنية الفلسطينية، فهي تعتبر الذهب مادة ادخارية، وهي موجودة بكثرة لدى المواطنين الفلسطينيين، حيث تعتبر الملاذ الآمن للادخار، خاصة في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي نعيش فيه.

كما أن الطلب الكبير على الذهب خلال الفترة الأخيرة قد زاد بشكل واضح، فمنذ مطلع العام الجاري، شهد سوق الذهب انتعاشاً وإقبالاً عليه من المواطنين الذين اندفعوا على شرائه بعد انخفاض سعره في السوق العالمية، إضافة لذلك، دخول فترة الصيف وما يصاحبها من حفلات زفاف ينتعش السوق معها.

كل ذلك أدى إلى زيادة الطلب على الذهب، وفي علم الاقتصاد زيادة الطلب تعني زيادة في السعر، خاصة في بلاد تتراوح فيها قيمة المهور ما بين 4000-10000 آلاف دينار أردني بالمتوسط.

زيادة الطلب هذه يجب أن ترافقها عملية زيادة استيراده، لكن السلطة الفلسطينية تتجنب ذلك لأسباب تعود بالضرائب العالية التي ستفرضها إسرائيل على الذهب المستورد، وهو الأمر الذي يشرحه السيد الحرباوي بالقول: "بعد دخول السلطة الفلسطينية في العام 1994، قرر الرئيس الراحل أبو عمار اعتبار الذهب مادة ادخارية، مما يعني إعفائها من الضرائب، لكن إٍسرائيل تعتبرها مادة استثمارية، الأمر الذي يعني فرض ضرائب عليها، والتي ستكون بطبيعة الحال عالية جداً كون الذهب من المعادن الثمينة، وهو السبب وراء رفض السلطة استيراده من الخارج، والاعتماد على التهريب في تغذية السوق به".

ذهب مهرب مراقب وقانوني

تهريب الذهب يعد، حسب رئيس اتحاد المعادن، أمراً إجبارياً، لحين التوصل لاتفاق مع الجانب الإسرائيلي حول كيفية استيراد المعادن الثمينة وإعفائها من الضرائب، وكل ذلك مربوط بتفاهمات الحل النهائي والتي تتضمن حلاً للعديد من القضايا الاقتصادية.

ومع ذلك، فإن كل الذهب الداخل بطريقة تهريب، يجب أن يمر عبر سلطة النقد ويختم بختمها وإلا يعتبر غير قانوني ويحاسب الصاغة على بيعه.

ويؤكد السيد الحرباوي أن الذهب في السوق الفلسطيني يخلو من الغش بنسبة 100%، وكل ما يدخل السوق يراقب، قائلاً: "كل تاجر فلسطيني حريص جداً على أن يكون الذهب المعروض لديه مدموغاً بختم سلطة النقد، خاصة وأن بلادنا صغيرة وبالعادة تصبح هناك معرفة بين البائع والشاري، وفي حال اكتشف المواطن أن الذهب الذي بحوزته مغشوش فسيُعرض بذلك التاجر إلى مشاكل قانونية عدة قد يخسر على إثرها مهنته".

خزينة سلطة النقد شبه خالية والذهب في يد المواطن

وبسبب تجنب استيراد السلطة الفلسطينية الذهب كمعدن ثمين خوفاً من الضرائب الإسرائيلية، فإن مخزون سلطة النقد منه يكاد يكون خالياً، فالذهب موجود في يد الفلسطينيين والبنوك فقط.

لكن مديرية المعادن الثمينة تقول، إن اتفاقية باريس الاقتصادية نصت على إمكانية احتفاظ سلطة النقد ببعض الذهب، لكن لا يوجد أي تفسير حول استيرادها.

وحول حجم الذهب الموجود في الضفة يقول الحرباوي: "في العام 2014، ختمت مديرية المعادن الثمينة ما قيمته 9 أطنان من الذهب، وفي البنوك هناك ذهب بقيمة 150 طنًا، وليس لدينا معلومات عن حجم الذهب في قطاع غزة".

الذهب الفلسطيني عالي الجودة

على صعيد آخر، تشهد صناعة وصياغة الذهب في فلسطين نشاطاً كبيراً للأسباب التي أوردناها في هذا التقرير، خاصة مع انتشار مشاغل الذهب في عدد كبير من مدن الضفة.

إضافة لذلك، يقول أصحاب هذه المشاغل ومديرية المعادن الثمينة، إن هذه الجودة جاهزة لتزاحم السوق الدولي، لكن يحول دون ذلك عدة أسباب منها، الحجم القليل من الذهب الموجود لدى سلطة النقد، والتي تقوّم عمل البنك المركزي، فلا يوجد مخزون احتياطي لديها أسوة بالدول الأخرى، والذهب موجود في أيدي الناس، والتي تحاول دائماً ادخاره وعدم التصرف به.

ويذكر هنا رئيس اتحاد المعادن، أنه ما بين العام 2006 والعام 2010، كان سعر الذهب في فلسطين أقل من الخارج، وكانت هناك إمكانية لتصديره، لكن حالت دون ذلك أسباب عدة، ويضيف: "للأسف الشديد أضاع الفلسطينيون هذه الفرصة لعدة أسباب منها، الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم من جهة، والأوضاع الاقتصادية السيئة جداً والتي حلت على الفلسطينيين عقب حدوث الانقسام الداخلي".

التهريب ليس محصوراً على فئة

على صعيد متصل، نفى السيد الحرباوي أن تكون عمليات تهريب الذهب بأيدي أشخاص متنفذين أو محدودين، ويقول في هذا الشأن: "من يقوم بتهريب الذهب هم أناس محترفون، والواقع فرض على البعض القيام بهذه المهمة، وهو متاح لمن يستطيع وليس محصوراً على فئة، وإسرائيل لديها علم بذلك. لكننا نرغب بأن يصبح لدينا آلية استيراده كالدول الأخرى وقدمنا عدة اقتراحات للسلطة لحل هذه الإشكالية لضمان دخول هذا المعدن بطريقة عادية، ونحن بانتظار الحل".