الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نعم، شعوبنا تستحق الديمقراطية/ بقلم: هبة جلال

2016-05-10 11:08:32 AM
نعم، شعوبنا تستحق الديمقراطية/ بقلم: هبة جلال
هبة جلال

 

أتجنب عموماً الكتابة في الشأن المحلي لعدة أسباب أولها اقتناعي بضرورة الخروج من محدودية الصراعات المحلية بكل ما لها من خصوصية إلى رحاب السياسة الدولية والقضايا الإنسانية ذات الطبيعة العامة. وثانيها طبيعة عملي في المجال الإعلامي وما يستوجبه هذا العمل من ترفع عن المصالح وابتعاد عن التكتلات والتحزبات السياسية، تحزبات تجرد البوصلة من وجهتها وتنزع عن الهدف قدسيته. ثالث هذه الأسباب أن المشهد المصري شديد التعقيد، سمته الجدل فلا يسلم صاحب رأي حر من تهم معلبة جاهزة يرجمك بالفظيع منها من هم أكثر ملكية من الملك نفسه.

لكن مع قناعاتي هذه فقد أتى الأول من مايو بما لا يمكن أن يمر مرور الكرام، اقتحام حرم نقابة الصحفيين المصرية وما تلاه من استحضار "للمواطنين الشرفاء" وإغلاق شارع عبد الخالق ثروت حيث النقابة في مشاهد زادت المتناحرين تناحراً ودفعت بالآراء، إما إلى أقصى اليمين أو عمق اليسار، الجبهة الأولى حجتها أن أحداً ليس فوق القانون وأن تيجاناً من الريش غير موجودة على رؤوس الصحفيين، أما رواد المعسكر الآخر فيتحدثون عن غياب المعالجة السياسية في طريقة تنفيذ القانون وانتهاج الداخلية لأسلوب البلطجة الشرعية، ووسط هذا وذاك اختفت مساحات الاتفاق.

 قد تكون السلطة الرابعة في مصر ترزح تحت وطأة فوضى تشريعية وأخلاقية وسياسية غابت في خضمها المعايير المهنية وربما يذهب البعض بعيداً حد القول إن تيارات سياسية تمكنت من مقاليدها، لكن إذا كان هذا كله صحيح فالدولة أصابها ما هو أخطر، باتت تخشى الكلمة وتخطئ ظناً أن هيبتها تحفظ بالبطش.

المشكلة ليست فقط في التعدي السافر على قدسية نقابة تأسست عام 1941 وتعد ثاني أقدم النقابات في مصر ولا في محاولات تركيع كيان اكتسب سمعة على مدار العصور والأزمنة بكونه شوكة في خاصرة النظم، كل النظم. إنما الأزمة الحالية بين النقابة ووزارة الداخلية تعيد فتح ملف انتفاض شريحة كبيرة من الشعب ضد النظام الحاكم في مصر قبل خمس سنوات في ظل جملة من الملابسات، لعل أبرزها هو إطلاق يد الداخلية وإعطائها صلاحيات واسعة في الشارع المصري بحيث باتت رقاب البسطاء في يد الأمين وتحول حاميها إلى حراميها.

هناك من يصر على ضرورة الضرب بيد من حديد في بلاد لم تمارس شعوبها الديمقراطية ولا تألف احترام القانون أو تعرف ثقافة تقبل الاختلاف، في هذه المجتمعات يحاسب الشخص عندما يفكر خارج السياق الجمعي أو يقدم على ما هو أخطر، يختلف، فالفكرة نواة تغيير والتغيير للأنظمة الديكتاتورية دوامة تبتلع الجاه والمال وتضيع في جنونها العروش بغير رجعة.

" نحن غير مستعدين للديمقراطية"، كلمات يرددها على مسامعنا من وهبوا أنفسهم لوأد بشائر التغيير، بعضهم يقولها صاغراً عن إيمان واقتناع، فيما أخرون قدروا منافع بقاء الحال على ما هو عليه، والحقيقة أن هذا هو مربط الفرس والإشكالية الفكرية الحقيقية المطروحة منذ أن انتفضت شرائح واسعة من الشعوب العربية في 2011، فلا شك أن تلك الثورات لم تجلب الربيع لشعوب تمنته وبذلت في سبيله الغالي والنفيس، ولا يجادل أحد أن ما تلا تلك الثورات هو فوضى عمت أركان الخريطة العربية من أقصاها إلى أقصاها، وأن الدول التي شهدت تلك التجارب تضرر اقتصادها وشهدت انفلاتاً أمنياً وأخلاقياً جعلها أسوأ حالاً مما كانت عليه قبل تلك الأحداث، فعلى من يقع اللوم؟ هل يدفعنا مرار الحال إلى الكف عن محاولات استكشاف ما هو أفضل؟ وهل نستحق هذا الأفضل؟ هل نحن في طريقنا للانصياع لفكرة أننا كشعوب عربية لا نستحق الديمقراطية لأننا طائفيون وسلبيون ومتطرفون والقائمة تطول؟؟؟

صحيح أننا وقعنا منذ زمن بعيد فرائس سهلة لسطوة تطرف بات آفة مجتماعتنا، وصحيح أننا مازلنا نقتتل بسبب إيمان لا يتزعزع لدى كل منا بأفضليته وأحقيته في خلافة دولة شاخت قبل الأوان، وأننا آلفنا التواكل حتى صار العمل والاجتهاد نسياً منسياً لكن قتامة الصورة لم تفلح ولا مرة في تغيير اقتناعي بإجابة بقيت وستبقى كما هي: "نعم نحن نستحق الديمقراطية".

أنا أتصور أنني وغيري نستحق ما هو أفضل. نستحق علماً وحرية ليست بدخيلة على أي إنسان وحقوقاً غير منقوصة تتيح لنا أن نكون كما أردنا وأن نمارس حقنا في الاختلاف دون أن نتهم بالتآمر والتحريض أو ما هو أسوأ، العمالة. وأن نشارك في صناعة مصائرنا بدلاً من أن نساق نحو مجهول غامض. السبيل الوحيد لتحقيق كل هذا هو الانتقال نحو الديمقراطية فكلما ازداد واقعنا سوءاً صارت الحاجة للتغيير أكثر إلحاحاً، وبات ذلك التغيير هو الطريق الوحيد للعيش حتى إن رافقته الفوضى لبعض الوقت، فتلك فوضى ستفضي حتماً وفي النهاية إلى نظام.

سموني حالمة إذا شئتم، لكن لا تنسوا أنه لولا الحالمون ما كانت الأمم لترتقي.