الحدث- ريم أبو لبن
"الطفل أول ما ينولد بفهم شو يعني جنس". وهذا ما لا تعلمه الكثير من الأمهات، وما تعلمته المواطنة إلهام نيروخ.
عندما تحتضن الأم طفلها "الخداج" وتضمه ليستنشق رائحة حليب "الثدي"، يدرك حينها المعالم الأنثوية التي تغزو عالمه المتواضع، وهو بذلك يعلم مصدر الحليب، وبأي طريقة سيحصل عليه، وبهذا يكون قد دخل في مرحلة "التساؤلات اللامنتهية"، وهذا الأمر قد يحصل في سن مبكر أي من عمر 7 سنوات.
فهل الأم الفلسطينية جاهزة للإجابة عن جميع تساؤلات الطفل فيما يتعلق بالجنس؟ وهل يمكنها الابتعاد عن استخدام كلمة "العيب" عند التطرق لما يتعلق بالجنس؟
"التربية الجنسية للأطفال تبدء من الأم، فإذا كانت الأم تجهل بها، تدمرت المفاهيم الجنسية لدى أبنائها، وأصبحوا يحصلون على المعلومة من الشارع، وكذلك من خلال التعامل المتواصل مع المواقع الإلكترونية وصفحات "الفيس بوك" ". هكذا بدأت الأم إلهام نيروخ من مدينة القدس، حديثها من خلال اتصال هاتفي مع "الحدث"، عن الدور الذي تلعبه الأم في تربية الأطفال وتعليمهم المفاهيم الجنسية السليمة، و"الجنسانية".
مصطلح "الجنسانية" هو تعريف علمي، يربط ما بين كلمتي "الجنس" و "الإنسانية"، وهو مصطلح معرف دولياً حسب المجلس الأمريكي للمعلومات والتثقيف الجنساني.
ماما كيف أنا انولدت؟
"ماما كيف نحن جينا على الدنيا؟" سؤال نستمع إليه كثيرا، وقد نحتار في الإجابة عليه. فمن منكن استطاعت تلبية فضول طفلها في عمر صغير، والاجابه عن السؤال المعتاد أمي كيف جئت إلى الدنيا؟ ومن منكن لم تشبع فضول ابنها في الحصول على الاجابة، واكتفت هروباً بالقول : "عيب عليك لساتك صغير"!.
تقول نيروخ لـ"الحدث": "أنا أؤيد فكرة تقديم المعلومات للطفل وهو في عمر مبكر حتى لو كان عمره 7 سنوات، وليس من العيب تعريف الطفل سواء ذكر أو أنثى وبصورة مبسطة، ما هو الجنس، وكيف يحدث، وما هي الأعضاء التناسلية لكلا الجنسين، وكيف يحافظون عليها".
وأضافت: "الأطفال الذكور هم من يبادرون دائما للسؤال في أمور تتعلق بالجنس، وهم أكثر جرأة من الإناث".
وقد يعود سبب هذا الاختلاف، إلى العادات والتقاليد التي تغلغت في مجتمعاتنا والتي نلتمسها وبشكل واضح أثناء الحوار المفتوح الذي يجري ما بين الأهالي وبناتهن تحديداً دون الذكور.
وهنا تكون كلمة ( العيب) حاضرة في مسرح النساء، وحينما يتعلق الأمر في اشباع فضول الفتاة لمعرفة ما هو الجنس، تجابه ( بالعيب) ولا يحق لك معرفة ذلك. ويرافق هذه الكلمة أوامر، وعادات لا مبرر لها، والتي تتعلمها الفتيات منذ الصغر وهي : لا ترتدي القصير، لا تصادقي الذكور، لا تسيري هكذا فهذا عيب، لا تضحكي بصوت مرتفع فهذا عيب أيضاً، لا تركبي الدراجة.. والأسوء هنا لا يقدم لهن المببرات لهذا المنع.
أما الوالدة نيروخ قالت : "أعلم أطفالي أن الجنس تحت السرة ومن المحرم المساس بتلك المنطقة، ولا استخدم كلمة العيب".
وأضاف :"علينا استبدال كلمة العيب، بكلمة الحرام"، هذا الأسلوب الذي تتبعه الأم إلهام نيروخ في تربية أبنائها الخمسة (4 ذكور، وفتاة)، وتعليمهم فكرة أن من (المحرم) المساس بالمناطق الحساسة كما وصفتها، لاسيما وأن أصغرهم من الذكور يبلغ 9 سنوات، وهي بذلك تبتعد عن استخدام كلمة ( العيب)، فهي بنظرها لن تؤثر في تفكير الطفل تجاه الجنس، والأفضل استخدام ( حرام).
وحسب ما ذكرت الأم نيروخ "فإن هذا الأسلوب يعزز ثقافتهم بمفهوم الجنس، ويحرمهم من الوقوع في الغلط، لذا الأولى تعليمهم بشكل سليم كل ما يدور حول الجنس منذ الطفولة، وتوعيتهم بأهمية الأعضاء التناسلية وكيفية الحفاظ عليها، وأن الأعضاء التناسلية عند الأنثى مختلفة عما هو موجود عند الذكر".
أمي.. لماذا لا يوجد لي مثل أخي؟
في حادثة مضحكة، وقد تدل على براءة الأطفال، ولكن هي في الواقع تعكس حقيقة جهل الأهالي واحتفاظهم ببعض الخجل من الإجابة، غير مدركين أن فضول الطفل قد يدفعه إلى اكتشاف عالم الجنس بمفرده.
قالت إحدى الأمهات في اتصال هاتفي مع "الحدث" ورفضت ذكر اسمها: "لدي طفلة تبلغ من العمر 5 سنوات، وعندما خرجت من المرحاض قالت لي: أمي لماذا لا أملك عضواً أمامياً مثل أخي؟ حينها تماماً كيف أجيبها؟ فلم أكن أعلم بالطريقة الصحيحة التي أحاول من خلالها إيصال الفكرة لطفلتي".
" الأم هي من تتحرش في ابنتها"
قد تفاجأت عندما ذكرت الأم عبارة لـ "الحدث" مفادها وبكل صراحة أن "الأم هي من تتحرش في ابنتها"، وعند السؤال عن توضيح هذه العبارة، أجابت الأم: "قد يحدث الأمر من دون قصد، حينما تحاول الأم مغازلة ابنتها بشكل عفوي، "عندي بنت حلوة، وعيونها، وإجريها،وكسماتها حلوين". وعندما تسمتع الطفلة لهذه الكلمات تقول في نفسها ما هذا؟ لماذا تقول لي ذلك؟ ماذا تقصد؟ هل أنا حلوة فعلا وسيعجب بي الأولاد؟
وأضافت إلهام: "بهذه الطريقة تقوم الأم بلفت انتباه الطفلة لأعضائها الخاصة، وبطريقة غير علمية".
ويذكر أن المواطنة إلهام نيروخ، قد حصلت على العديد من الورشات التثقيفية حول موضوع التربية الجنسية للأطفال، وقد ساعدت هذه الورشات حسب ما ذكرت لـ "الحدث" في توعيتها تجاه تربية أطفالها، وتثقيفهم جنسياً. وقالت: "عندما تزوجت لم أكن أعلم لماذا يتم فض غشاء البكارة، وكنت أبكي كثيراً حينها، وأنا ألوم والدتي التي لم تطلعني وبطريقة علمية على هذه التفاصيل منذ الطفولة وحتى البلوغ".
" خلي عمك يبوسك"
وفي اسلوب اخر يتبعه الأهالي، كثير من الأحيان نقول للطفل الصغير "خلي عمك يبوسك"، وهنا دعوة ليقوم الطفل بتقبيل عمه، وتقبيل أي شخص آخر، دون أن يعترض الطفل.
وتقول مديرة مؤسسة "سوا" أوهيلة شوفر لـ "الحدث": "من حق الطفل أن يقول لا، وأن يكون لديه رأي خاص به، وأن يعترض على بعض الأمور، وأن لا نفرض عليه فعل الأشياء دون توضيح نتائجها".
توعية الأطفال دون حضور الأهل
لجأت بعض المؤسسات الفلسطينية التي تعنى بالحديث عن موضوع الجنساينة والطفل حسب مصادر خاصة لـ "الحدث"، إلى عمل ورشات توعوية في الضفة الغربية والقدس، تتضمن الحديث مباشرة مع الأطفال دون سن 10 سنوات، وتقديم المعلومات لهم حول الثقافة الجنسية، والجنس، وعن طريق استخدام الدمى، ومشاهدة الأفلام.
وذكرت مديرة مؤسسة "سوا" أوهيلة شومر في اتصال هاتفي مع "الحدث"، أن المؤسسة في السابق كانت تعقد الورشات التثقيفية وبشكل مباشر مع الأطفال دون حضور الأهالي، وقد لوحظ من خلال هذه الدورات افقتار الأهالي للمفاهيم والخبرة الكافية لتعليم أطفالهم ما هو الجنس، وكيف يتم التعامل معه؟
وقالت شومر: "وما كان يحدث في التدريبات أن الأطفال دون سن العاشرة، كانوا يطرحون بعض التساؤلات البريئة فيما يتعلق بالجنس، وقد كان الأهالي يشعرون بالحرج حينها إذ لا تتوفر لديهم الإجابة، وقد تضعهم في موقف محرج".
وأضافت: "أسئلة الأطفال بريئة بطبيعتها، ولكن الأهالي عندما يقدمون أية معلومة لهم وفيما يخص الجنس، يعرضونها من منطلق تفكيرهم ووعيهم، وبذلك لا يبسطون المعلومة للطفل، وهذا يسبب حدوث تضارب في المعلومات داخل عقل الطفل".
" الجنس لا يناقش مع الأطفال دون سن 8 سنوات"
"الجنس لا يناقش مع الأطفال الذين هم أقل من 8 سنوات ويجب حضور الأهل " هذا ما أكده الأخصائي النفسي محمد الطويل لـ "الحدث". وقال الطويل: "لا بد من إخبار الأهل بوجود دورة توعوية وبحضور الأطفال، وعادة لا تطرح المعلومات المتعلقة بالجنس لمن هم أقل من 8 سنوات، سواء في المدرسة أو في الورش التدريبية".
وأضاف: "وسائل التواصل الاجتماعي الآن تتيح للطفل آلية التعرف على الجنس وكيفية حدوثه، وبصورة خاطئة، وهذا يعتمد على جهده الشخصي".
وبالحديث عن ضرورة تواجد مادة تعليم الجنسانية ضمن المنهاج التعليمي في المدارس، قال الطويل: "هناك توجه لعمل مادة علمية توضع في المنهاج الفلسطيني لتثقيف الطالب جنسياً، وبطريقة علمية وصحيحة، لاسيما وأن بعض الدول العربية قد طرحت مساقاً كاملاً لتوعية طلبة المدارس بالجنس، ونحن ننتظر موافقة وزارة التربية والتعليم العالي".