الجمعة  09 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ع77| "أشترط على زوجي ألا يتزوج علي امرأة أخرى"

شرط يجيزه الشرع ولا يأخذ به رجال القانون والحالات نادرة..

2017-01-11 10:11:02 AM
ع77|
توقيع عقد الزواج

 

 

الحدث- ريم أبو لبن

 

لم يمنعني حيائي المعتاد من مصارحة المأذون الشرعي الجالس بقرب شريكي المنتظر في غرفة الضيافة، من اشتراط ما قد يعتبره البعض مخالفاً لذكورية الرجل، أو قد ينقصه شيئاً من هيبته كما يعتقد، و أمام من شهدوا على حياة قد نصفها بـ "الأبدية".

 

قيل لي: هل تضعين الشروط في عقد الزواج؟ حينها نظر الحضور باتجاهي وبتمعن وكأنهم يتسابقون لمعرفة ما أريد اشتراطه على العريس، وقد اعتادوا على صمت العروس في تلك اللحظة.

 

وحينها قلت بصريح العبارة وبعد موافقة الزوج المستقبلي: " أشترط على زوجي ألا يتزوج علي امرأة أخرى". وحينها صمت الجميع وباستغراب. وقلت: ألا يحق لي ذلك؟

 

سؤال قد تطرحه معظم النساء، وقد يجهلن الإجابة عليه، أو بالأحرى يترددن بالإجابة، وهن بطبيعة الحال يقفن على ناصية عقد الزواج، ليسردن شروطاً عادية تتمثل بحق امتلاك بيت شرعي أو إكمال تعليم جامعي، وتحديد مكان السكن، أي وفق القاعدة الشرعية، "اشتراط ما لا يحلل حراماً، أو يحرم حلالاً".

 

وقالت إحداهن لـ "الحدث": "لا يحق لي أن أشترط على زوجي ألا يتزوج علي امرأة أخرى، فقد أحل له الشرع أن يتزوج 4 نساء، وهذا الشرط مخالف لما جاء به الشرع، ولكن قد أشترط أن تكون العصمة بيدي وحينها أطلق نفسي بنفسي".

 

بعض النساء وفي حالات كثيرة مسجلة لدى محكمة رام الله، يتقن فن إقناع الزوج بالموافقة على أن تكون العصمة بيدها، حسب ما ذكر رئيس القلم في محكمة أريحا فؤاد الغروف، وهنا يكتب في خانة الشروط الخاصة لأحد الزوجين في عقد الزواج: "اشترطت الزوجة على زوجها أن تكون عصمتها بيدها، تطلق نفسها بنفسها متى شاءت حتى تبين، وقد وافق الزوج على ذك".

 

وتقول المواطنة ابتسام زيدان: "لقد اشترطت على زوجي بأن تكون العصمة بيدي، وهو لم يبد أي اعتراض على ذلك، واعتبره حقاً لي، ولتأمين نفسي، ومن اعترض هو القاضي".

 

 

إذاً لا يترددن في اشتراط العصمة في الزواج، فهي حق كغيره من الحقوق، ولكن يرفضن الحديث عن شرعية ما قد أثبت ووثق في عقود زواج، غير أن هناك حالات نادرة جداً قد سجلت في المحكمة الشرعية في مدينة رام الله، حسب ما ذكر القاضي فاروق عديلة لـ "الحدث".

 

وحينها اشترطت الزوجة على الزوج، ألا يتزوج عليها امرأة أخرى، وكتب هذا الشرط في الخانة ذاتها وبصريح العبارة: "أشترط على زوجي ألا يتزوج علي امرأة أخرى".

 

وقال عديلة: "هذا الشرط يحق للزوجة شرعاً وقانوناً، وفي حال أخل الزوج في الشرط الموضوع فالزوجة تحصل على الطلاق مباشرة".

 

وأضاف: "الحالات نادرة، وقد سجلت حالتان في المحكمة الشرعية في رام الله، وفي كل من عام 2013 و 2014، حيث اشترطت الزوجة ألا يتزوج عليها الزوج امرأة أخرى".

 

وفي الحديث عن ندرة العقود التي تضم هذا الشرط، قال رئيس القلم في محكمة البداية في أريحا فؤاد الغروف لـ "الحدث": "كل 100 عقد زواج، يظهر لدينا عقدان يكتب بهما هذا الشرط، والحالات نادرة".

 

"هو رفض ذكوري وليس ديني"

17/7/2003 هو تاريخ عقد زواج، قد اعتبره المأذون الشرعي وبمضمون شرطه سابقة قانونية وشرعية، غير أنه خالف ما جاء به الشرع على حد تعبيره، حسب ما ذكرت المواطنة مي أبو عصب من مدينة القدس.

 

وجاء في الشرط عبارة مفادها : "في حال تزوج الزوج على زوجته يحق لها تقرير مصيرها بالبقاء معه، أو الانفصال عنه" وهذا ما اشترطته أبو عصب، وما وافق عليه زوجها أيهاب الجريري في عقد سجل رسمياً في المحكمة الشرعية في مدينة رام الله.

 

وقال الجريري: "لم أستغرب من وضع الشرط ولم أعترض، فهو حق من حقوق الزوجة، وقد أعطيت هذا الحق من مبدأ الحفاظ على حقوقها، ولكن المجتمع الذكوري هو الذي لم يمنحها إياه، ومعارضته قائمة من باب الذكورية وليس من باب العقيدة والدين الإسلامي".

 

وأضاف: "أنا بذلك أريد حماية عائلتي بالدرجة الأولى، وليس حقي، والمرأة سيدة قرارها، فلماذا تخضع لقراري؟"

 

وبالحديث عن ردة فعل العائلة، قالت أبو عصب: "والدي هو من أيد فكرة اشتراط هذا الشرط في عقد الزواج القائم بيني وبين زوجي إيهاب، وقد حصل على فتوى من قبل مفتي القدس حينها بشرعية اشتراطه، فهو حق للمرأة ولا يخالف الشرع، ولدي ثقة كاملة باعتبار هذا الشرط جزءاً من تحرر المرأة وحصولها على حقوقها".

 

وأضافت: "بينما والدتي جابهت القرار بالرفض، واعتبر والد زوجي أيضاَ أن اشتراط هذا الشرط في عقد الزواج، يتعارض مع القيم والعلاقة الزوجية المبينة على المودة والرحمة، وقد اختلفت بذلك ردات الفعل".

 

القاضي رفض هذا الشرط!

قالت إحداهن والبالغة من العمر (26 عاماً)، من مدينة رام الله، رفضت ذكر اسمها لـ" الحدث": "اشترطت على زوجي، ألا يتزوج علي امرأة أخرى، وألا يطلقني، ولكن القاضي رفض وضع هذا الشرط في عقد الزواج".

 

وأضافت: "وبعد شهرين حصلت على الطلاق، وأمتنع عن ذكر السبب".

 

وفي هذه الحالة يقول القاضي فاروق عديلة لـ "الحدث" إن وضع هذا الشرط هو أمر جائز ولا يخالف الشرع، ولكن القاضي في هذه الحالة قد يكون قد رفض وضع الشرط من باب حدوث أمور مستقبلية بين الزوجين وقد تؤدي إلى الطلاق".

 

وأوضح القاضي عديلة: "لا يحدث هذا الشرط إلا بموافقة الزوجين، ولم تحدث هذه الحالة من قبل، وإن تمت الموافقة يكون الشرط جائز بكل تأكيد".

 

هل الشرط جائز شرعاً؟

حالات نادرة تجرأت على كتابة هذا النص في عقد الزواج، وقد اتخذت هذه الخطوة بعد سنوات طويلة من التعارف وعندها يكتب: "يحق للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها"، شرط قد احتمل عدة وجهات نظر مختلفة، فمنهم من اعتبر هذا الشرط مخالفاً للشرع والدين الإسلامي، ومنهم من أيد اشتراطه واعتبره، على حد وصفهم، (مثل السمن على العسل)، في دلالة بأن هذا الشرط يسعد الزوج، ولكن في الواقع هل هو كذلك؟

 

وقال أحدهم: "أنا أعلم أن للزوجة حقاً بأن تكون العصمة بيدها، وهذا الشرط سقفه أعلى من شرط  يتضمن بنصه عدم الزواج بأخرى".

 

" العقد هو شريعة المتعاقدين"، وهذا ما تستند إليه الشريعة الإسلامية، وما اعتمد عليه بعض مختصي الشريعة في حديثهم مع "الحدث" في تفسير شرعية الشرط القاضي بأن للزوجة الحق بأن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها".

 

ويشترط في هذه الحالة حسب ما ذكر مختصو الشريعة أن يتم الاتفاق ما بين المتعاقدين أي الزوج والزوجة، ولا يجوز مفاجأة الرجل بهذا الشرط أثناء توقيع العقد، وعليه فإن أخل الزوج بهذا الشرط حسب ما ذكر القضاة لـ"الحدث"، فإن الزوجة تحصل على الطلاق بشكل مباشر.

 

وفي السياق ذاته، أكدت القاضية خلود الفقيه، وهي قاضية في المحكمة الشرعية في مدينة رام الله منذ العام 2009، أن الزوجة يحق لها الاشتراط بألا يتزوج زوجها امرأة عليها، ولكن في هذه الحالة لا تمنعه من الزواج، ولكن إن فعل ذلك، يحق للزوجة فسخ العقد.

 

وأكملت: "وهذا الشرط تم تقييده على عكس اشتراط العصمة، فهي تستطيع في العصمة أن تطلق نفسها بنفسها متى شاءت حتى تبين، وأن تحصل على حقيها المؤجل والمعجل".

 

وأضافت الفقيه: "كثيرة هي الدفاتر التي سحبت من يد بعض المآذين الشرعيين، وقد تم توقيفهم عن العمل، لأنهم رفضوا  اكمال اجراءات عقد الزواج أثناء اتمام العقد، ومن منطلق أن الشرط الذي وضعته الزوجة والقاضي بالاشتراط بأن لا يتزوج عليها  زوجها امرأة اخرى هو مخالف للشرع، والزوجة يحق لها في هذه الحالة أن تشتكي على المأذون، باعتباره ليس طرفاً في العقد، والقاضي هو من يتحقق من رضى الطرفين".

 

وذكرت تحرير حماد (37 عاماً)، وهي أول سيدة تتولى منصب مأذون شرعي في فلسطين في عام 2015، بأن اشتراط الزوجة في عقد الزواج بألا يتزوج عليها زوجها امرأة أخرى، هو شرط منافٍ للشرع.

 

وأضافت: "ولكن الزوجة تمتلك الحق الشرعي بأن تطلق نفسها بنفسها سواء تزوج عليها أو لا، وهي بذلك أعطيت الحق الشرعي وهو العصمة ويمكنها اشتراط ذلك في العقد".

 

وفي الحديث عن الشروط الموضوعة بالعقد، قالت حماد: "أغلب الشروط التي تشترطها الزوجة على الزوج في عقد الزواج، مرتبطة بإكمال التعليم الجامعي، والانتقال إلى مسكن آخر، أو بلد أخر، وأمور أخرى لا تخالف الشرع".

 

"أي امرأة تفضل الموت على أن يتزوج عليها زوجها" هذه هي الحالة الطبيعة التي تصاب بها معظم النساء حسب ما ذكرت حماد، حيث أشارت في حديثها أن النساء اللواتي يشترطن على أزواجهن عدم الزواج بأخرى، ضمن اتفاق الطرفين، يضعن الشرط مسبقاً لشعورهن بالخوف والارتباك من المستقبل القادم، وفي أحيان كثيرة يفاجئن الزوج أثناء عقد الزواج بالشروط دون اتفاق مسبق.

 

أما القاضي ناجي عمر، وهو قاض في محكمة بديا الشرعية قال لـ "الحدث": اشتراط الزوجة بألا يتزوج عليها زوجها امرأة أخرى، هو شرط لا يحرم شيئاً، وهو يعود بالمنفعة على الزوجة، لما يحقق مصلحة لها، فهو حماية لحقوقها، ومن حقها أن تلزم الزوج بهذا الشرط".

 

وأضاف القاضي عمر: "البعض قد يعارض مبدأ وضع هذا الشرط باعتباره منافياً لحق قد أحل في الدين الإسلامي، وهو أن يتزوج الرجل بأربع نساء، ولكن الزواج في هذا الحالة جاء بفعل التخيير، وحسب ظروف شخصية تتعلق بالزوج، ويمكن للزوج ألا يعدل وأن يستقر على امرأة واحدة".

 

واستكمل حديثه قائلاً: "القانون أيضاً يعني الحق للزوجة بأن تضع الشروط التي تحميها، والقانون يتفق مع الشرع".

 

وتأكيداً لذلك قال القاضي فاروق عديلة: "يشترط كل من الزوج والزوجة، ضمن عقد الزواج، شروطاً بما لا يحلل حراماً، أو يحرم حلالاً".

 

رجال القانون: جائز ولكن لا يؤخذ به!

بينت المادة (19) من قانون الأحوال الشخصية رقم 61/1976م والمعمول به في المحاكم الشرعية شروط عقد الزواج، ونصت بشكل واضح وصريح على الشروط التي يحق للزوجة اشتراطها على الزوج، وجاء فيها: "إذا اشترط في العقد شرط نافع لأحد الطرفين ولم يكن منافياً لمقاصد الزواج ولم يلتزم فيه بما هو محظور شرعاً، وسجل في وثيقة العقد وجبت مراعاته وفقاً لما جاء في عدة بنود لذات المادة".

 

ومن أبزر هذه البنود، البند الأول، وجاء فيه: "إذا اشترطت الزوجة على زوجها شرطاً تحقق لها به مصلحة غير محظورة شرعاً، ولا يمس حق الغير، كأن تشترط عليه (ألا يخرجها من بلدها، أو ألا يتزوج عليها، أو أن يجعل أمرها بيدها تطلق نفسها إذا شاءت، أو أن يسكنها في بلد معين)، كان الشرط صحيحاً وملزماً، فإن لم يف به الزوج، فسخ العقد بينهما بطلب الزوجة، ولها الحق بمطالبته بسائر حقوقها الزوجية".

 

وجاء التعقيب الصحفي الخاص من قبل ديوان قاضي القضاة، ليؤكد شرعية اشتراط الزوجة على زوجها بألا يتزوج عليها، وهذا ما يتفق عليه الشرع والقانون الفلسطيني حسب ما أكد قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش وفق التعقيب الصحفي الصادر عنه. (اقرأ نص التعقيب)

 

إذاً حسب ما جاء في المادة (19) من قانون الأحوال الشخصية فإن بنود القانون تتفق مع الشرع، لاعتبار أن الزوجة يحق لها اشتراط شرط مفاده ألا يتزوج الزوج عليها امرأة أخرى. ولكن ماذا قال رجال القانون؟

 

"هذا الشرط مخالف للشرع والقانون، وإن وضع الشرط لا يؤخذ به، من باب أن الإسلام قد أحل تعدد الزوجات". هذا ما أكده المحامي الشرعي يوسف بختان.

 

وأضاف: "وكل شرط مخالف للشريعة هو شرط باطل، والأصل أن تشترط أن تطلق نفسها بنفسها كما جاء في العصمة، بذلك تحصل على الطلاق".

 

في ذات السياق قال المحامي النظامي والشرعي عماد الفقيه لـ "الحدث": "من الجائز أن تشترط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها امرأة أخرى، ولكن أنا كمحامي لا استسيغ هذا الفعل لأنه باعتقادي هو مخالف للقانون والشرع".

 

وأضافت: "حتى هذه اللحظة لم أطلع على عقد ذكر فيه هذا الشرط، وقد يكون اشتراطه في العقد سابقة قانونية وشرعية".

 

من يضع هذا الشرط؟

"أتفاجأ أن من يضع هذا الشرط معظمهم من النساء المتعلمات، والمثقفات، وأغلبهن من ذوات الطبقة الاجتماعية المتوسطة"، هذا ما أكده رئيس القلم في محكمة البداية في أريحا فؤاد الغروف.

 

وأضاف: "كما أن معظم النساء اللواتي يضعن الشرط القاضي بألا يتزوج عليها زوجها امرأة أخرى، هن يقطن في معظم قرى مدينة رام الله، وهي بطبيعة الحال تضع هذا الشرط حفاظاً على حقوقها، خاصة إن كان الطرفين المتعاقدين لا يعرفان بعضهما البعض، وهو جاء من بلد آخر ليتقدم للفتاة".

 

وأكمل حديثه قائلاً: "قد تجد هذا الشرط في عقد الزواج، ولكن في حالات نادرة، وبالمقابل ترتفع نسبة من يشترطن بأن تكون العصمة بيدهن".

 

وقال: "بعض الرجال هم من يضعون على الشرط على أنفسهم وبموافقتهم، وتحديداً فيما يخص العصمة، وعندها يقول الزوج من حق زوجتي أن تطلق نفسها بنفسها متى شاءت، وهذا يعبر عن الثقة بين الطرفين".

 

وفي السياق ذاته قالت المأذون الشرعي تحرير حماد لـ "الحدث": "وضع المرأة للشروط المباحة في عقد الزواج، يتوقف على شخصية المرأة ذاتها، ومكانتها الاجتماعية، وقد تكون من اشترطت هذا الشرط موظفة في إحدى السفارات وقد حدثت من قبل".